في ظل الانفتاح العالمي، وتزايد سبل الانحراف، وإغراء الشباب، وجذبهم إلى متاهات الفساد؛ حيث أصبح كُلٌّ من: الشارع، والصاحب، والنت، والكمبيوتر المحمول، والفضائيات؛ يؤدِّي دورًا خطيرًا وعميقًا في التأثير السلبي، في ظل ذلك كله يُفترَض أن نُلقِيَ إلى الشباب طوقَ النجاةِ ليتشبَّثُوا به في خضم هذا التيه الجارف.
وفي هذه الدراسة، يرى الباحث سالم أحمد البطاطي، أن العمل التربوي اليوم يمثِّلُ -بحقٍّ-مكان جبل الرماة في معركة أحد، سواء أكان ذلك في المكان والمكانة والأهمية، أو الدور الحيوي الذي يقوم به، أو خطورة التفريط في ثغراته، وآثار ذلك على العباد والبلاد.
المكانة والأهمية
يمتاز جبل الرماة بالموقع الاستراتيجي؛ حيث كان يحمي ظهور المسلمين إبَّان المعركة والقتال مع المشركين.
وكذلك هو العمل التربوي اليوم، يحتل مكانة استراتيجية في العملية الإصلاحية؛ ذلك أنه يحمي شباب الأمة من الانحراف الذي يصبو له الأعداء.
الدور الحيوي
كان لجبل الرماة دور حيوي مهم في معركة أحد، وكانت الثغراتُ التي يسدُّها مهمةً من جهتين :
- الأولى: حماية ظهور المسلمين من المشركين.
- الثانية: مدافعة المشركين بالسهام؛ لكونه مرتفعا عنهم.
وهكذا العمل التربوي اليوم لا تستغني الأمة عن دوره الحيوي من جهتين -على الأقل:
- الأولى: حماية شباب الأمة من التفاف الأعداء عليهم.
- الثانية: ضربُ الأعداء، وإضعافُهم، وكسرُ شوكتهم.
معرفة الواقع وفقهه
ومن المعلوم أنَّ ثمَّةَ تواصُلًا بين الرماة وبين القائد -صلى الله عليه وسلم- حسب الحاجة والمصلحة؛ لذلك كان -صلى الله عليه وسلم- يقول لهم: «إن رأيتمونا هَزمْنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أُرسِل إليكم».
وكذلك هي التربية اليوم؛ تَطَّلِع، وتعايش، وتُخالِط جُلَّ شبابِ الأمة الإسلامية، عبر محاضن العلم والتعليم، وحِلَق التحفيظ، وغير ذلك؛ تعرف أعدادهم، وقوَّتهم وضعفهم، وقلَّتهم وكثرتهم، وأي الجوانب ينبغي أن يُركَّز عليها؟ وأي الجوانب يؤجل العمل فيها؟ فالتربية أَوْلى بمعرفة الأولويات الإصلاحية عبر الواقع؛ من حيث الفرص والمخاطر، ومعرفة خطط الأعداء، ووسائل وطرق الإفساد.
الانتقاء
لقد انتقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسين من الرماة تحت إمرة عبد الله بن جبير -رضي الله عنه- ووضعهم فوق جبل الرماة؛ وذلك ليمنع التفاف جيش المشركين حول جيش المسلمين، وليحموا ظهورهم من الخلف.
ولا شك أن هذا الانتقاء كان انتقاءً مخصوصًا لرماة متمرسين متدرِّبين على مهارة الرمي؛ حتى يصيبوا الأعداء في مقتل.
وهكذا التربية اليوم؛ ينبغي أن يُنتَقى من يمارسها انتقاءً خاصًّا؛ بحيث يكون مؤهَّلًا لحمل هذه الأمانة، وقادرًا على تحمُّل المسؤولية، متمكِّنًا من المهارات الدعوية والتربوية التي تساهم بمجملها في نجاح العملية التربوية.
كلُّنا على ثَغْرٍ وخَيرٍ
يقول -صلى الله عليه وسلم: «طوبى لعبدٍ آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعثٌ رأسه، مغبرَّةٌ قدماه؛ إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفَع لم يشفَّع».
فالعملية تكامُلية إذن ولا ينقدُ أحد أحدًا، ولا يُعاب من يخدم دين الله في أي مكان وزمان؛ إنما العيب في القعود والتقاعس، فتجد بعض الناس يعيب على أهل التربية انشغالهم بتربية الشباب، ويستصغر بَذلَهم وتضحيتهم؛ من أجل حماية الشباب من الانحراف وتنشئتهم التنشئة الصالحة.
الدنيا القاسم المشترك في الإفساد
لَمَّا رأى الرماة -رضي الله عنهم- هزيمة المشركين، ورأوا الغنائم في أرض المعركة؛ جذبهم ذلك إلى ترك مواقعهم، ظنًّا منهم أن المعركة انتهت؛ فقالوا لأميرهم عبد الله بن جبير -رضي الله عنه: (الغنيمة! أي قومِ الغنيمة! ظهر أصحابكم؛ فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: والله لنأتين الناس فلنصيبنَّ من الغنيمة).
وهكذا التربيةُ اليوم عندما يتخلَّى روادها عنها، وتصبح الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم، ويتنافسون على متاعها تاركين، وأماكن ومفاصل مهمة في صلاح وحماية الشباب.
الأثر المشترك من الترْكِ
إن من أعظم الآثار والمساوئ لترك الرماة ثغورَهم وأماكنَهم :
التفافُ الأعداء على المسلمين، وطعنُهم في مقتل؛ ومِنْ ثَمَّ الهزيمةَ الصعبةَ التي لحقت بالمسلمين.
وهكذا الأعمال التربوية عندما تترك ثغورَها سيصبح شباب المسلمين لقمةً سائغةً في أفواه أعداء الدين، وسيتفننون في سبل إضلالهم وإفسادهم، وستصاب الأمة في مقتل.
.