معنى التثقيف

قد تسأل إنسانًا عن مفهوم الثقافة فيجيب بأشهر ما يُعَرِّف به الناس الثقافة والمثقفين، فيقول ما معناه: «الثقافة مرادفة للعلم والمعرفة، والمثقف هو الشخص واسع المعرفة»، وقد يعني البعض بالمثقف من أحاط من المعارف بأمور هي من خارج تخصصه الذي تخصص فيه، أو يقولون: «إنه الشخص الذي يعرف الكثير من الأمور والشئون، ولا يقتصر في معرفته على ما درس في تخصصه»، أو يطلقون لفظ المثقف على ذلك الشخص الواعي بما يدور حوله في مختلف المجالات، وكثيرًا ما يحدث أن يُسَمِّيَ البعضُ الكتب الدراسية -خاصة كتب العلوم الإسلامية- بمسمى المنهج الثقافي، وكثيرًا ما يسمون تدارس بعض العلوم الإسلامية باسم المنهج التربوي، وهذا أمر تنقصه الدقة الواجبة.

 

منشأ كلمة الثقافة

وبالعودة إلى لفظ التثقيف والثقافة في العربية، نكتشف أن في العربية وصفًا للرمح بأنه ثَقِف أو مثقف، بالتأكيد لا يعني ذلك سعة اطلاع الرمح أو تعدد معارفه، فتعالوا إلى منشأ هذا القول:

منذ فجر التاريخ أراد أجدادنا الاستفادة مما سخره الله للإنسان في الأرض من نبات وحيوان، وشرع الإنسان في أخذ فرع شجرة أو غصن منها لاستخدامه كحربة أو رمح يصطاد به الحيوانات التي يرغب في أكلها بعد طهيها، فهذا الغصن أو الفرع هو السهم أو الحربة أو الرمح، لكن الإنسان وجد أن هذا الغصن أو الفرع على حاله لا يؤدي الوظيفة المطلوبة منه بكفاءة وفاعلية قصوى، ذلك لأن الغصن ربما كان غير مدبب، وهذا يسبب صعوبة دخوله في جسم الفريسة وإصابتها، فقام الإنسان ببري طرف هذا الغصن حتى صار مدببًا، وهكذا أصبح الغصن قابلاً لأن يلج في الفريسة بسهولة عن ذي قبل، ثم وجد الإنسان أن هذا الغصن قد ينكسر لوجود انحناءات طبيعية فيه، وهي تشكل مواضع استعمل الإنسان قوته في نزع الرمح، فغالبًا ما يتخلف من جسم الرمح بعض النتوءات والبروزات، يفقدها الرمح إذا تبقى في جسم الفريسة، وعرف الإنسان أن مثل هذه الرماح المنحنية أو التي تحمل على سطحها نتوءات وبروزات، إذا استعملت مرة أخرى في الصيد فإنها تكون أضعف كثيرًا عن المرة الأولى، لقد تأثرت بنيتها حينما ولجت في الفريسة، وفقدت جزءًا من أجزائها أضعفها، لذلك لجأ الإنسان إلى إزالة هذه النتوءات وصقل الفروع والأغصان حتى تصير ملساء مستقيمة مدببة، وهكذا وجد الإنسان ضالته في رمح قوي يلج الفريسة بسهولة ويسر، يعمل أثره المطلوب فيها بإصابتها، ثم يخرج منها أيضا بسهولة ويسر دون أن يضعف أو يفقد جزءًا من أجزائه، ويمكن أن يكرر هذه العملية بكفاءة وفاعلية وإتقان، يؤثر التأثير المطلوب ولا يتأثر بتأثير غير مرغوب، فسُمي هذا الرمح (الرمح الثَّقِف) أو (الرمح المثقف)، وسُمِّيت هذه العملية عملية تثقيف الرمح.

 

التثقيف إكساب خصائص لا إكساب معارف
وعملية تثقيف الرمح هذه ليست عملية تعليمه، لكنها عملية إكسابه خصائص معينة، وكذلك عملية تثقيف الإنسان، إنها عملية إكسابه خصائص تجعله يكرر الولوج في المجتمعات المحيطة به، فيؤثر فيها التأثير المحمود ولا يتأثر بها التأثير المذموم، عملية تجعل الإنسان يلج في مجتمع الدراسة في المدرسة والجامعة بما فيه من التزام بالإسلام وانحراف عنه، فيؤثر في هذا المجتمع ولا يناله شر، فإذا عاد إلى منـزله خالط الأهل والأقارب والجيران، فأدى دوره معهم، ولم ينله أذى ولم يفقد قيمه أو يتنازل عن أخلاقه وصفاته، فإذا ذهب للعمل أو التعامل كان منه مثل ذلك.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم