Business

عقاب الله غير المحسوس!

يعتمد الإسلام في إصلاحه العام على تهذيب النفس الإنسانية قبل كل شيء؛ فهو يكرس جهودًا ضخمة للتغلغل في أعماقها وغرس توجيهاته في جوهرها، والعوامل المسلطة على الإنسان من داخل كيانه ومن خارجه كثيرة؛ فالنفس أمارة بالسوء، والشيطان يقعد للإنسان كل مرصد، ويقطع عليه كل طريق فيه فلاحه وسعادته؟

وبحكم ما رُكّب في الإنسان من غرائز وميول وشهوات، سرعان ما ينحرف عن التوازن السليم، ويقع في المعصية، ويسرف في الذنب، وينسى أن الله سبحانه مطلع عليه ويراه.

وقد أجمعت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أنَّ للمعاصي والذنوب التي نهى عنها المولى عزَّ وجلَّ تأثيرًات سلبية على الفرد والمجموع، يشعر بها الفرد في نفسه أو أهله أو حياته وعمله، وقد يكون عقاب المعصية تحل بالمجتمع كله، وما حدث لقوم سيدنا نوح ومن بعده صالح وهود ولوط وغيرهم من النبين– صلوات الله عليه– إلا عقابًا من الله لهذه الأمم التي حادت عن المنهج المستقيم، قال رسول الله ﷺ: «إنَّ الرّجل ليحرم الرّزق بالذّنب يصيبه».

والذنوب جميعها تعد نوعًا من الخروج عن طاعة الله تعالى، وعصيان أمره ومخالفة شريعته، إلا أنّها مع كونها مشتركةً في المعنى تتفاوت فيما بينها تفاوتًا عظيمًا، وتتنوع بحسب ذلك إلى أنواع وأقسام عديدة.

غير أن هناك ذنوب لا يُشعر الله عبده بعقابه فيها، وهي أخطر على المسلم من العقاب المحسوس الذي ربما يخفف عنه من عقاب الله في الأخرة، إنه العقاب غير المحسوس الذي يحرم الإنسان من أعز شيء وهو طاعة الله سبحانه.

قال أحد الطلاب لشيخه: «كم نعصي الله ولا يعاقبنا!».

فرد عليه الشيخ: «كم يعاقبك الله وأنت لا تدري!».

ألم يسلبك حلاوة مناجاته! وما ابتُلي أحد بمصيبة أعظم عليه من قسوة قلبه.

إن أعظم عقاب يمكن أن تلقاه هو قلة التوفيق إلى أعمال الخير.

ألم تمر عليك الأيام دون قراءة القرآن.

بل ربما تسمع قوله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.. وأنت لا تتأثر كأنك لم تسمعها!

ألم تمر عليك الليالي الطوال وأنت محروم من القيام!

ألم تمر عليك مواسم الخير: رمضان.. ست شوال.. عشر ذي الحجة.. ولم تُوفق إلى استغلالها كما ينبغي؟

أي عقاب أكثر من هذا؟!

ألا تحس بثقل الطاعات؟!

ألم يُمسِك لسانك عن ذكره تعالى؟!

ألا تحس بضعف أمام الهوى والشهوات؟

ألم تبتلى بحب المال والجاه والشهرة؟

أي عقاب أكثر من ذلك؟!

ألم تسهل عليك الغيبة والنميمة والكذب؟!

ألم يشغلك الفضول بالتدخل فيما لا يعنيك؟!

ألم يُنسِك الآخرة ويجعل الدنيا أكبر همك؟!

هذا الخذلان ما هو إلا صور من عقاب الله..

احذر يا بني فإن أهون عقاب لله ما كان محسوسًا في المال أو الولد أو الصحة.

وإن أعظم عقاب ما كان غير محسوس في القلب.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم