كتب الله الإحسان على كل شيء، وأعطى كل ذي حق حقه، وأوصى باليتيم والضعيف وذوي الحاجة، حيث جاء الإسلام واليتيم ليس له حظ في الحياة؛ فأمر بإكرامه والإحسان إليه.
اليتيم هو من فقد والده قبل البلوغ، فلا شيء يهز كيان الإنسان ولا سيّما في مرحلة الطفولة كاليتم، فمن فقد أباه يواجه الحياة بدرجة عالية من الصعوبة والمشقة، ولا يقتصر أثر ذلك على النواحي الماديّة بل يتعداه إلى النواحي النفسيّة والمعنويّة، فيشعر الفرد بحياة مؤلمة قاتمة فيها الشقاء والبؤس.
ولقد أمر الله سبحانه بالإحسان إلى هذا الضعيف، وسطر بين آيات القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تحث على رعاية اليتيم.
فكانت أول الآيات التي ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم بكونه كان يتيما، فقال سبحانه: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} (الضحى: 6)، فجاء الأمر الرباني بعدم قهر اليتيم، أو إنكار حقه، أو استضعافه، فقال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} (الضحى: 9).
لقد حوى القرآن الكريم بين دفتيه الشريفتين الكثير من الآيات التي تضع سياجًا من حديد حول اليتيم والتعامل الكريم معه؛ حتى لا يشعر بفقد الأب وفقد الانسانية.
عدم قهر اليتيم
كانت بداية التحذير عدم قهر اليتيم واستضعافه، فقهر اليتيم بقول أو فعل ليس من أخلاق المؤمنين، بل هو من أخلاق المكذبين: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ [الماعون: 1- 2] وهذه الآية تجعل الراعين لليتامى على حذر شديد من دعهم، وهو دفعهم وقهرهم، فالقرآن تعالى بهذا الزجر يقطع الطريق على من يستضعف اليتيم لعدم وجود مدافع عنه، فالله يتولى الدفاع عنه.
عدم أكل مال اليتيم
أكد القرآن الكريم على حقيقة الإحسان إلى اليتيم، وعدم الاعتداء على ماله؛ لأن أكثر شيء يؤذى فيه اليتيم، ويتكرر وقوعه في الناس هو أكل ماله؛ لأنه صغير لا يعرف حفظه ولا الدفاع عن حقه، ولا منع المعتدي عليه؛ ولذا كُرر في القرآن النهي عن العبث في مال اليتيم، أو المخاطرة به: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ [الأنعام: 152] وهذه الآية جاءت في حفظ الحقوق في سورتي الأنعام والإسراء، في جملة من الأوامر والنواهي؛ فلا يقترب من مال اليتيم بأخذ أو اقتراض، أو غيره من أنواع التصرف إلا بما يكون في مصلحة اليتيم، وهي الإنفاق عليه منه بالمعروف، وتنميته بالتجارة المأمونة، وهو معنى الاستثناء: ﴿إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.
الإحسان بالقول والفعل
ولا تقتصر الآيات القرآنية على رفض تعنيف اليتيم وقهره وأذيته، بل تدعو إلى إكرامه بالقول الطيب والمعاملة الحسنة، وتذم من لا يفعلون ذلك به: ﴿كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ اليَتِيمَ﴾ [الفجر: 17].
وزاد في ذلك حينما يريد الوصي الزواج من يتيمة تحت وصايته أن يكرمها بأفضل ما يكون ولا يبخس حقها، فإما أن يعطي اليتيمة حقها، ومهر مثلها، لا يبخس منه شيئا، وإما أن ينكح سواها من النساء، وهو قول الله تعالى ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ [النساء: 3]. وكم زوجت يتيمة من وصيها أو ابنه رغما عنها، وهو ليس كفؤا لها، وبخس حقها فلم تعط مهر مثلها، وكم في ذلك من الظلم والإثم، واستغلال ضعف اليتيمة
رعايته وتفقد أحواله
وإطعام اليتيم أولى من إطعام غيره؛ لأنه صغير لا يكتسب، ولا والد له يطعمه، والحياء يمنعه من السؤال، وقد جاء في أكثر من موضع الحث على إطعام اليتامى، فمن سبل النجاة: ﴿إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ﴾ [البلد: 14 - 15]، وأثنى الله تعالى على عباده المقربين بجملة أوصاف منها: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: 8].
ومن عجيب عناية الله تعالى بالأيتام أن سخر عبدا صالحا يركب البحر، ويقطع البر؛ ليصل قرية فيقيم فيها جدارا ليتيمين لهما مال تحته؛ لئلا يضيع مالهما: ﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ [الكهف: 82] نعم.. إنه أمر الله تعالى، ولم يفعله العبد الصالح من تلقاء نفسه، وأمره سبحانه أراد به حفظ مال اليتيمين.
وأكد النبي صلى الله عليه وسلم على أن خير البيوت البيت الذي فيه يتيم يكرم، وشرها البيت الذي فيه يتيم يهان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ، وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ بِإِصْبَعَيْهُ: أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَهُوَ يُشِيرُ بِإِصْبُعَيْه» (أخرجه البخاري).
.