Business

التكامل بين الفردية والجماعية في التربية الإسلامية

إن المتأمل في الحركة العلمية المعاصرة، ليلحظ اهتمامًا متميزًا بموضوع التربية، حتى إنه يمكن تسمية العصر الذي نعيش، بعصر التربية، فقد أنتجت الكليات العلمية، والمراكز البحثية المختصة في المجال التربوي، كمًا كبيرًا من الدراسات في موضوع التربية.

وإنه رغم غزارة الإنتاج التربوي، فإن هناك موضوعات تفصيلية في هذا المجال لازالت تحتاج إلى مزيد دراسة وتأصيل، وهذه الدراسة التي أعدتها د. عبير فريد سمارة أبو بكر، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة الكويت، تدرس «التكامل بين الفردية والجماعية في التربية الإسلامية».

 

تحقيق التكامل بين الفردية والجماعية

 فوائد التربية الفردية:

تقدم التربية الإسلامية الفردية جملة من الفوائد، منها:

  • إنتاج المبادرات الفردية، فالصحابي الجليل مصعب بن عمير –رضي الله عنه- عمل على تربية نفسه، وبادر ودخل الإسلام رغم رفض البيئة التي يعيش فيها، فعلم أهله، وأمه فأخذوه، فحبسوه، فلم يزل محبوسًا إلى أن هاجر إلى أرض الحبشة، وعاد من الحبشة إلى مكة، ثم هاجر إلى المدينة بعد العقبة الأولى؛ ليعلم الناس القرآن، ويصلي بهم.
  • توليد المراقبة الذاتية، قال تعالى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14].
  • تقديم نماذج خيرة مخالفة لمحيطها السلبي، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: 11]، الآية تحدثت عن امرأة قامت على تربية نفسها، فاتخذت معتقدًا صحيحًا مخالفًا لمعتقد جماعتها.
  • فرز المواقف المتميزة والجريئة.
  • تقديم مشورات فردية مسددة.
  • عرض الجديد المتميز؛ فالصحابة الذين هم نتاج التربية النبوية، يتقدمون بمبادرات فردية، ويثني عليها النبي –صلى الله عليه وسلم- من ذلك فكرة حفر الخندق التي جاء بها سلمان الفارسي –رضي الله عنه-.
  • إذن التربية الفردية تعد من أدق أنماط التربية، ومن فوائدها أنها:
  1. يُتدارك بها سلبيات المربي وقصوره، فضعف المربي في بعض الحالات يمكن الاستعاضة عنه ببذل الجهد الفردي، والاعتماد على النفس في التربية.
  2. تعمل بشكل فعال على اكتشاف الأخطاء ومعالجتها، ذلك أن الفرد يعرف عيوبه، ويستطيع إذا أخذ قرار التصويب أن يحدث في نفسه تغييرًا سريعًا، بخلاف الجماعية التي يضيع معها أحيانًا دقة تتبع أخطاء أفراد الجماعة.
  3. سبيل للتحكم بالنفس، ورفعها إلى المرتبة التي شرفها الله بها.

فوائد التربية الجماعية:

للتربية الإسلامية الجماعية جملة من الفوائد، منها:

  • المحافظة على الالتزام بمنهج الوسط والاعتدال، لأنها في توجيهها لأفراد الجماعة ستراعي كافة القدرات، بخلاف الفردية التي تعتمد على قدرة الفرد.
  • الدفع نحو الاضطراد والاستمرارية؛ لأن المجموع سيدفع نحو الاستمرار، بخلاف الفردية التي تعتمد على مدى قوة الفرد وإرادته في الاستمرار في تربية نفسه.
  • الكشف عن الفروق بين أفراد الجماعة، فقد تحدثت السنة النبوية عن تفاوت تلقي الأفراد للنور الذي أتاهم من رب العالمين –جل وعلا.
  • مراعاة المصلحة العامة، فنجاح المجموع لا يتحقق إلا بالعمل بروح الفريق الواحد.
  • إضافة إلى جملة من الأخلاق، والآداب اللازمة للمشاركة مع الجماعة، كآداب الأخوة والتعاون، والإيثار، والتضحية، والصبر على جفاء الآخرين، ويتم قياس الكفاءة الفردية بالمقارنة بالآخرين، واكتشاف الأفراد داخل الجماعة لأخطائهم، ومن ثم تقويمها.

التكامل بين الفردية والجماعية:

حين نرقب التربية في العهد النبوي، فإننا نلحظ أنها سارت في المسارين، الفردي والجماعي، ونعرض فيما يأتي لبعض من معالم التكامل:

  • التربية النبوية للصحابة –رضوان الله عليهم- تنوعت بين الفردية والجماعية، فتربية النبي -صلى الله عليه وسلم- لصحابته رضوان الله عليهم بدأت بأفراد، ثم أخذت مع الفردية شكلًا جديدًا، وهو الجماعية، وقال سبحانه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214].
  • العبادات تنوعت بين الفردية والجماعية، فالعبادات التي فيها أرقى تربية للنفس، تنوعت بين الفردية والجماعية، فالصلاة كما على المسلم أن يؤديها فرض عين منفردًا، فإن الشرع طلب أن تكون في بعض الحالات في وسط جماعي، ورغب في ذلك عن ابن عمر –رضي الله عنهما– أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة».
  • بل إن عددًا من العبادات لا تتحقق إلا بالاتصال بالآخر، كصلاة الجمعة، والعيدين، والحج، والعمرة، وتعلم القرآن مثلًا لا يتم إلا بالتلقي من شيخ.
  • التدرج من الفردية إلى الجماعية في موضع واحد، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
  • الجماعية مع التقييم والنقد الفردي، واختيار الأقوم، فالسنة رعت حاجة الإنسان إلى الاجتماع بالآخر، ووجهته نحو المخالطة الإيجابية، لكن طلبت منه اليقظة، ودوام تقييم مدى إيجابية الوسط، عن أبي موسى الأشعري –رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كمثل صاحب المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجد ريحه، وكير الحداد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحًا خبيثة».

ومن ثم فإن التربية السليمة المتوازنة الناجحة، لابد أن تسير بخطين متوازيين، وقد اعتمدت التربية الإسلامية منهج تحقيق التكامل بين الفردية، والجماعية، ذلك أن كلا النمطين يجمع من الخصائص ما يميزه عن الآخر، واعتماد أحدهما، وترك الآخر يؤدي إلى فقد التوازن في التربية.

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم