إن مفهوم الحرية مثال حي للخلاف الظاهر بين الحضارات والثقافات الإنسانية المختلفة؛ لكونها من أهم وأعقد القضايا التي عنيت بها البشرية على اختلاف مذاهبها ومشاربها الفكرية والعقدية، مما جعل الاتفاق على تحديد موحد لمفهوم الحرية يعد من الأمور الصعبة جدا بل الأشبه بالمستحيل، فما يراه مجتمع فكري معين قد لا يكون كذلك عند غيره من المجتمعات المخالفة له، ويتفقون في وجود ضوابط وقيود لتحقيق مفهوم الحريات بأنواعها.
من هنا ظهرت للباحث الدكتور عبد المحسن بن حضاض السلمي، حاجة الميدان التربوي إلى قراءة متأنية تبرز مفهوم الحرية في التربية الإسلامية، والخلاصة أن الحرية رمز للقيم، فلا بد أن تكون متوافقة مع السمو الراقي لتلك القيم، ولزاما أن تكون هذه الحرية عقيدة واعية منضبطة بالوحي الإلهي، وهو ما تحققه الحرية في التربية الإسلامية.
مبادئ الحرية في التربية الإسلامية
المبادئ التي يقوم عليها مفهوم الحرية في التربية الإسلامية عديدة منها ما يلي:
- مبدأ حرية الاعتقاد: سمة ظاهرة في المجتمع الإسلامي يحققها لكل البشر، وليس معنى كونه إسلاميا أن يصبح كل فرد فيه مسلما بل هو يتسع لمن يختارون دينا غيره ما دام الأمر لا كيد فيه ولا فتنة، وتبدو حرية الاعتقاد مطلقة لأول وهلة لكنها في حد ذاتها محدودة ولا تتم إلا إذا حفظ كل مؤمن بدين ما حرية الآخرين في إيمانهم ولم يحاول أن يفسد عليهم بشكل أو بآخر.
- مبدأ حرية الرأي: المجتمع الإسلامي يتسع للنقاش المخلص ويقوم على أرسخ القواعد في حرية الرأي، من بينها: الاجتهاد والشورى.
- مبدأ حرية التفكير: معني بتنوير العقول وحرية التفكير بل جعل حماية العقل أصل من أصول الملة.
خصائص الحرية في التربية الإسلامية
وبدراسة المبادئ التي يقوم عليها المفهوم الإسلامي للحرية نجد أنه يتميز بأمور مهمة منها:
أولا: حرية متوازنة.
ثانيا: ذاتية الرقابة:
فالرقيب على النفس في المفهوم الإسلامي ذاتي بالإضافة للرقابة القانونية، فهي في الواقع حرية مسئولة ونافعة.
ثالثا: حرية مقيدة:
وهناك ضوابط ونظم تحكم الحرية، ولعل من تلك الضوابط ما يلي:
- ألا تتضمن الحرية الأضرار بالإسلام وأهله عامة.
- لا يرغم أحدا على ترك دينه واعتناق الإسلام، لكن أجاز المجادلة بالتي هي أحسن.
أهداف الحرية في التربية الإسلامية
ثمة أهداف للحرية في الإسلام عنى بتحقيقها ومنها ما يلي:
- تحقيق الكرامة الإنسانية للفرد
- تحقيق الرضا والإرادة
- حفظ الحقوق
أنواع الحرية
- الحرية الشخصية: وهى الحرية الشخصية للإنسان في الإقامة والسفر وفي التنقل واختيار المسكن والعمل.
- حرية الرأي: من أهم أسباب نضج الأمم ورقيها، ووصولها للتميز، بعيدا عن الكبت وويلاته، وهي تجعل الإنسان حرا في تكوين رأيه الخاص فيما يعرض له من وقائع وأحداث، كما وأنها تعطي له المجال الرحب لأن يعبر عن رأيه.
- حرية الصحافة: حق نشر الحقائق والأفكار والآراء، ويشمل ذلك الإذاعة والتلفزيون والأفلام وكذلك المواد المطبوعة، وحق الإنسان في أن يكتب وينشر آراءه وأفكاره على أن يتوافق ذلك مع الثوابت والمبادئ التي بني عليها المجتمع المسلم.
- الحرية الدينية: فلا يعني كون الدولة مسلمة أن يكون الجميع كذلك، بل يتسع لمن يرغب العيش تحت كنفها من أتباع الأديان الأخرى، وأجاز لهم القيام بشعائرهم بضوابط معينة، تكفل لهم وللمجتمع الحرية المنضبطة، فلم يعرف عن الإسلام إكراه الناس على الدخول فيه بل أنزل الله: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
- حرية الاجتماع: وهو من أبسط الحريات التي تؤسس علاقات متوازنة تساهم في النهوض بالمجتمع، وهو ما عرفته الموسوعة بأنه (حق الناس في الاجتماع بعضهم ببعض لمصالح متشابهة).
- الحرية التعليمية: المقصود بها (مجموعة الحريات التي يتطلبها المعلمون والدارسون)، وتشمل: حق التعليم، والبحث، والكتابة، والنشر بما ينمي تطور الفكر ونشر المعارف.
- حرية التقاضي: وتشمل حق الفرد في معرفة التهم الموجهة إليه بعيدا عن الأحكام التعسفية والأهواء المدمرة للمجتمع.
- الحرية الاقتصادية: وتشتمل على حرية التملك وحرية ممارسة التجارة وفق الضوابط التي يتبناها المجتمع المسلم.
- الحرية السياسية: وهي من أكثر الأنواع حساسية؛ لما تشتمل عليه من اعتبارات تسبب الصراع والمواجهة، وخصوصا في الوطن العربي، وتشمل حق التصويت، في اختيار أحد المرشحين على وظيفة عامة، وحق الفرد في ترشيح نفسه لوظيفة. والحق في نقد سياسات الحكومة، والإسلام رعى الجانب السياسي بشكل بناء يساهم في حماية المجتمع من تبعات الفرقة والانقسام فكما أن ولي الأمر مطالب بسياسة الباب المفتوح مع الرعية وبأن يتخذ قراراته المصيرية عبر أهل الحل والعقد وتفعيل المشورة، نجد الفرد يسهم في تحقيق ذلك عبر بذله للنصح المحقق للشروط والضوابط الشرعية.
.