تزامنا مع بدء عام هجري جديد، تبدأ الاذهان تتخيل مشهد خروج النبي – صلى الله عليه وسلم – وصاحبه سيدنا أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – الذي خرج مصاحبا لرسول الله في رحلة هجرته من مكة إلى المدينة ، هذا المشهد المحفوف بالمخاطر الممزوج بالمغامرة والحيطة والحذر والقلق والثقة في الله في آن واحد، وكيف خرجا تاركين ديارهما إلى بلد جديد آملين أن يصلا إلى وجهتهما الجديدة بسلام.
وخلال هذه الرحلة النبوية الشريفة، هناك جنود مجهولون كان لهم دور بارز وتأثير مهم في نجاح الهجرة النبوية الشريفة بعد توفيق الله – عز وجل-، وهو ما رصدته سارة عبد الخالق في بحثتها حيث ذكرت:
هو دليل النبي – صلى الله عليه وسلم – وصاحبه أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – في الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة، وعلى الرغم من أنه كان على دين قريش استعان به النبي – صلوات الله عليه – في هجرته، ولعب دورا بازرا ومحوريا على طريق الهجرة النبوية الشريفة، فهو كان دليلا بارعا وماهرا في الطرق.
فعندما تهيأ الرسول – صلوات الله عليه – وصاحبه الصديق– رضي الله عنه – للخروج إلى المدينة ، واستأجرا عبد الله بن أريقط الليثي - وفقا لما جاء في كتاب الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام) لصفي الرحمن المباركفوري -، "وكان هاديا خريتا – أي ماهرا بالطريق – وكان على دين كفار قريش، وآمناه على ذلك، وسلما إليه راحلتيهما، وواعده غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما، فلما كانت ليلة الاثنين – غرة ربيع الأول سنة 1 هـ / 16 سبتمبر سنة 622 م - جاءهما عبد الله بن أريقط بالراحلتين، وحينئذ قال أبو بكر للنبي – صلى الله عليه وسلم - : بأبي أنت يا رسول الله، خذ إحدى راحلتي هاتين وقرب إليه أفضلهما، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : بالثمن.
وأخذ بهم الدليل "عبد الله بن أريقط " وسلكوا طريقا غير مألوفا حيث خرجوا إلى المدينة عن طريق الساحل.
وقال ابن حزم في كتابه جوامع السيرة النبوية : إن النبي – صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر خرجا من باب واسع في جانب الغار، فتحه الله لهما في الوقت في صخرة صماء لا تؤثر فيها المعاول، فأمالها الله – عز وجل – بقدرته، وأتاهما عبد الله بن أريقط براحلتيهما صبح الليلة الثالثة".
وعندما وصل الرسول – صلوات الله عليه – وصاحبه بسلام إلى يثرب، ولما رجع "عبد الله بن أريقط" إلى مكة أخبر عبد الله بن أبي بكر الصديق بوصول أبيه إلى المدينة المنورة، فخرج عبد الله بعيال أبي بكر، وصحبهم طلحة بن عبيد الله حتى قدموا المدينة المنورة، وفقا لما ذكر في كتاب الإصابة في تمييز الصحابة للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني.
هو مولى أبو بكر الصديق، وأحد السابقين إلى الإسلام، كان له دور بارز على طريق الهجرة النبوية الشريفة حيث كان يمحو آثار النبي وصاحبه من الطرق، وذلك عن طريق رعايته لأغنام أبي بكر والتي كان يمحو بها آثار أقدام عبد الله بن أبي بكر الذي كان يتردد على النبي محمد وأبوه أبي بكر أثناء تخفيهما في غار ثور، و عندما ارتحل رسول الله – صلوات الله عليه – وأبي بكر الصديق – رضي الله عنه - وارتحل معهما "عامر بن فهيرة".
- أسماء بنت أبي بكر– رضي الله عنها–
لعبت السيدة "أسماء بنت أبي بكر الصديق" أيضا دورا هاما على طريق الهجرة النبوية الشريفة إلى يثرب، حيث كانت تأتي لوالدها وللنبي – صلوات الله عليه - بالطعام حيث "أتتهما بسفرتهما، ونسيت أن تجعل لها عصاما، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة فإذا ليس لها عصام، فشقت نطاقها باثنين، فعلقت السفرة بواحد، وانتطقت بالآخر، - وفقا لما ذكر في كتاب فسميت بـ (ذات النطاقين).
وتحملت أذى أبي جهل عندما خرج أبيها في طريقه للهجرة، فلما هاجر أبوها أتاها أبا جهل في نفر من قريش يسألونها عن أبيها، وضربها أبو جهل حين لم تجبه، تقول أسماء: "ولما خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم فقالوا: "أين أبوك يا ابنة أبي بكر؟"، قلت: "لا أدري والله أين أبي"، فرفع أبو جهل يده وكان فاحشًا خبيثًا، ولطم خدي لطمة خر منها قرطي ثم انصرفوا"، وفقا لما جاء في كتاب سير أعلام النبلاء لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي.
ومن هذه الشخصيات أيضا المجهولة والتي ظن الجميع أنها خرجت للقبض على سول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه إلا أنه في تغير مفاجئ يصبح أحد الجنود المجهولين للزود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا وهو سراقة بن مالك المدلجي.
هو أبو سفيان المدلجي الكناني سراقة بن مالك، كان سيدًا من سادة العرب وسيد قبيلة مدلج الكنانية في الجاهلية وشريف من أشراف العرب المرموقين وواحدًا من أصحاب المروءات المعدودين، يطعم الجائع ويؤمن الخائف ويجير المستجير وهو أيضا شاعر مخضرم، ولسيادته وشرفه كانت العرب تجله، حتى أن إبليس ظهر في صورته لإقناع قريش بالخروج لبدر لمكانته وسط الناس.
كان لمهارته في تقفي الأثر سبل النجاح في اللحاق بالرسول صلى الله عليه وصحبه دون غيره أثناء هجرته إلى المدينة، غير أن الله – سبحانه – أراد له خيرا ورفعة في وقت أخر فساخت فرسه إِلى بطنها في أَرض صَلْد، ووثب عنها، وقال: يا محمد، قد علمت أَن هذا عملك، فادع اللّه أَن ينجيني مما أَنا فيه، فواللّه لأَعُمِّيَنَ على مَنْ ورائي من الطَلَب، فدعا له رسول الله، فأَطلق ورجع إِلى أَصحابه.
يقول سراقة: فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم، أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد الناس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني. ولم يسألاني، إلا أن قال: أخف عنا، فسألته أن يكتب لي في كتاب آمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أديم ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهكذا عاد سراقة يخذل عن رسول الله وصحبه متيقنا في وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم – رغم أن سراقة أسلم يوم فتح مكة ولم يسلم وقت الهجرة - والذي تحقق بعد وفاة رسول الله وصحبه وجاءه الوعد في خلافة عمر بن الخطاب.
هذا الصحابي كان له دور كبير ودقيق في نجاح هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى يثرب، فقد كان يقضي يومه في مكة يخالط قريشا ويستمع إلى ما يقوله أعداء الدعوة وما يعتزمون القيام به قصد القضاء على نبي الله الكريم، وكان ينقل هذه الأخبار إلى غار ثور حيث كان يختبئ النبي صلى الله عليه وسلم مع أبى بكر الصديق رضي الله عنه وكان يبيت معهم، وحتى لا يعرف أثره الذي يخلفه في الطريق عندما كان ينتقل من مكة إلى الغار، كان يمر وراءه عامر بن فهيرة ليتلف أثر قدميه حتى لا تصل إليه قريش.
- علي بن أبي طالب كرم الله وجهه
لقد ضحى بنفسه هذا الصحابي الجليل ليلة كان يأتمر الشيطان مع قريش في دار الندوة، حيث قرروا أن يضربوه ضربة واحدة فيتفرق دمه بين القبائل ويتخلصون من “دعوة محمد”. فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فخرج هو وأبو بكر على غار في الجبل، ونام علي على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، وباتوا يحرسونه يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا، قام علي لصلاة الصبح، بادروا إليه فإذا هم بعلي، فقالوا أين صاحبك؟ قال: لا أدري فاقتصوا أثره.
بات وهو يدرك أن مصيره في خطر. إلا أن قوة الإيمان جعلته ينام مطمئنا، ليقوم في الصباح برد ودائع قريش التي كانوا يضعونها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هؤلاء الرجال كان لهم فضل كبير في انتقال الدعوة من مكة إلى يثرب حيث سيقيم صلى الله عليه وسلم إلى جانب كل من الأنصار والمهاجرين دولة إسلامية تكون منطلقا لنشر الإسلام إلى كل بقاع العالم.
.