تضم البيوت أبناء من مختلفي الأجيال، ويظهر جليًا مدى شغف الصغار بمرحلة الجامعة، خاصة إذا كان له أخ أو أخت في الجامعة حيث يشاهد حريتهم، والعناية بهم، فينطق ببراءته متى سأدخل الجامعة.
ومع مرور السنين تلو السنين والأيام تلو الأيام يقف الصغير على أعتاب الجامعة بعد أن مر بالعديد من مراحل التعليم، تنافس فيه الجميع على أن يحجز لنفسه مقعدًا وسط الأقوياء والمتفوقين أو بين الكسالى والفضولين، مكتفيًا بأي مستوى من مستويات الجامعة.
سنوات يعيشها الطالب بين جنبات التعليم الأساسي ثم الثانوي، ومع كل مرحلة تتسع مداركه، وينضج فكره، وتتجلى طموحاته، غير أن الواقع الذي تعيشه مجتمعاتنا تصطدم مع هذه الطموحات، وواقع التعليم أصبح غير واقعي لإعداد الشباب لسوق العمل الفعلي، وأصبح الأغلبية الذين لا يملكون الوساطة؛ ينضمون لطابور البطالة المقننة في الأوطان، دون أن يخرج عن صندوق العمل الحكومي أو اليومي.
فالواقع يفرض على الجميع الاجتهاد في التعليم، ووضع الاستراتيجيات، والحصول على ما يؤهله لسوق العمل الواقعي والفعلي، والتفكير خارج الصندوق دون الالتزام بمقتضيات الوظائف، والتفكير في التطوير والاتقاء بالمستوى العملي.
تعد الثانوية مرحلة إعداد لما بعدها من الجامعة التي تعد الخطوة الأولى لحياة ما بعد الجامعة، وهي المرحلة التي يجب أن ندفع بطموحات أبنائنا للاستفادة من هذه المرحلة.
فكثير من الطلاب يعيشون على أعتاب الجامعة، ولديهم آمال تعانق السماء، وطموحات لا حدود لها في تعلم ما هو جديد، وما هو مطلوب للإعداد لما بعد الجامعة غير أنه سرعان ما تفتر همم البعض، ويصبح سقف طموحاته أن ينتهي من الجامعة وبعدها يعمل في أي شيء.
لا ينكر أحد أن سنوات الدراسة الجامعية للطلبة تعتبر من أروع السنوات في حياتهم. كيف لا وهي المرحلة المملوءة بالنشاط والحيوية والتعلق بالحياة والتكوين العلمي، وباب للمستقبل.
غير أن كثيرًا من هؤلاء الطلبة ما عادوا اليوم يستحقون لقب «جامعي»، فهم لا يأتون للجامعة إلا للتسلية وإضاعة الوقت مع أصدقائهم تحت الأشجار وبين المقاهي!
كما أن البعض منهم لا يساهم في المحافظة على جامعته ولا بمقدار شعرة! حتى نظافة الجامعة أصبحت تؤذي الكثير منهم، فتجده لا زال يرمي أعقاب سجائره في الأرض، ويترك مخلفات طعامه وشرابه في الممرات والقاعات وتحت المقاعد.
وزاد الأمر تعقيدًا ضعف المستوى التعليمي، بل تحول إلى تعليم ربحي في المقام الأول، وكأنما الجامعة تحولت من صرح تعليمي إلى مؤسسة تجارية هدفها الأول الربح المادي وتفادي الخسارة.
وللأسف بلغت الخسارة وكل المفردات السوداء، أن يصل الطالب إلى المرحلة الثانوية، من دون هدف، أو خطة، أو رسالة، ومن دون أن تكون لديه معرفة وافية بشخصيته ومتطلباتها، وبمجتمعه وبمتطلباته، وبدينه وبقيمه، وبتراثه وعاداته، ومن دون أن يكون لديه فنيات التخاطب والحديث والتعبير والكتابة.
فالطلاب أصبحوا يعانون فقرًا في المهارات والقيم الخاصة ببناء شخصياتهم، وذلك لأن المناهج التعليمية في أوطاننا أصبحت تركز بشكل أساسي على العلم المجرد من دون التركيز على الجوانب الاجتماعية والمهارات الشخصية للطالب، حتى تحولوا إلى متلقين وحفظة، جل همهم منصب على بلع المعلومة كما هي، حتى أصبحت لديهم تخمة من دروس المناهج، من دون أن يستفيدوا من فوائدها، أو يبنوا بها شخصياتهم، أو يقووا بها مهاراتهم.
وينتقل الطالب إلى المرحلة الجامعية وهو يحمل معه إلى منذ بداية يومه الأول أفكارًا ذهنية عن الجامعة- سواء صحت تلك أم لم تصح- ليجد نفسه في دوامة التكيف مع المحيط الجديد.
يدي في يدك نبصر أبنائنا
- يجب أن نغرس في أبنائنا، ونحرض معلميهم على الاعتزاز بمعنى التربية والتعليم، نغرس فيهم معاني أن يصبح نافعًا لنفسه وغيره، نغرس فيهم معاني تطوير الذات وحجز المقاعد مع المتفوقين، لا أن يكون رقمًا في عداد الخرجين.
فالدراسة الجامعية تعطي حماية وحصانة للطالب، إن تفوقت فلنفسك وإن قصرت أحيانًا فلن يعاقبك أحد، وفي مجال العمل إن تفوقت فلنفسك، لكن إن قصرت فلا مكان لك.
تقول آلاء سليم: «البكالوريوس أو الليسانس وحده لا يكفل لقمة العيش، وإن لم تفعل سيفعل غيرك وستسير القافلة بك أو بدونك، وإذا تأخرت فسيكون من الصعب اللحاق بها. الأمر أصبح تنافسيًا وإن كنت تظن أنك ستجد عملًا بمجرد حصولك على الشهادة الجامعية كما فعل والدك قبل ثلاثة عقود فلتعِد حساباتك. إن كنت تأخذ مصروفًا من والديك أثناء الدراسة فلا عيب في ذلك، أما إن كنت خريجًا ولا زلت ترتع في خير أهلك العميم فسيراك المجتمع عالة وفردًا غير منتجًا».
- يجب أن نغرس في أبنائنا معاني المسئولية وتحملها، لكي يدرك أن هناك تحديات نفسية واجتماعية كبيرة تواجه الخريج، ما بين تساؤل يجول بخاطره عما إذا كان مؤهلًا لسوق العمل أو لا؟ ويجب أن تكون صورة من سبقوه في التخرج حاضرة أمامه كي يجد ويجتهد ويفكر خارج الصندوق بما يتناسب مع سوق العمل.
فما بين الحياة المستقرة واليوم الهادئ نسبيًا الذي يقضيه في الجامعة بين مجتمع يألفه، وبين مغامرة مجهولة للبحث عن الذات وشق الطريق من أجل الحصول على وظيفة محترمة، يظل الخريج عالقًا، فيجب أن نحسن التعامل معه وتوجيهه التوجيه الصواب بالرفق واللين.
- كما أننا يجب أن نربى أولادنا على جوانب المعرفة التي بدأت تتلاشى لصالح التكنولوجيا الحديثة والألعاب التي غزت بيوتنا وعقول أبنائنا على الأجهزة الذكية، فالافتقاد إلى مقومات دخول مجتمع المعرفة، يعني افتقاد الطلبة للمهارات والقيم ذات العلاقة بالأبعاد المعرفية، والوجدانية، والاجتماعية، والشخصية، التي يتطلبها دخول هذا المجتمع، كما يعني أن العملية التعليمية في وادٍ، والتربية في وادٍ آخر، مع أن التربية سبقت التعليم على أساس ألا فائدة ولا قيمة لهذا التعليم من دون تربية ومهارات وقيم وثقافة عامة.
- كما أنه لا بد أن نعاونه على تحديد هدف لبلوغه، فأكثر الطلاب يدرسون لتحصيل شهادة الإجازة، ولا يهمهم أي مسلك تأتيهم عن طريقه تلك الإجازة، ولو قمنا ببحث ميداني في الوسط الطلابي نسألهم عن طبيعة أهدافهم لصدمنا واقع وجود قلة قليلة قد سطرت أهدافها مسبقًا.
- أيضًا ضرورة تثمين الوقت، فأكثر الطلاب الذين فشلوا ولا زالوا يفشلون هم ممن لم يفقهوا قيمة الوقت ولم يحرصوا على تنظيم شؤونهم الحياتية والتوفيق بينها وبين مواقيت مراجعاتهم لدروسهم.
- تحفيزهم على المعرفة وزيادة الوعي الثقافي عن طريق تقدير أهمية المكتبة العامة وغيرها من المكتبات، وقد نصادف الكثير من الطلبة في المكتبات عاكفون على كتب، لكن القليل منهم يعرف طرق القراءة، وكيفية الاستفادة من الكتاب في أقصر وقت ممكن.
- تحريضهم على ضبط مهارات التعلم والتفكير والاهتمام ببعض الأمور الفنية كالاعتناء بتحسين الخط، فمن المحزن حقًا أن نرى أن أكثر الطلبة لا يجيدون الكتابة الصحيحة.
إن فترة الجامعة تعد من أهم مراحل حياة الإنسان فيجب أن نعاون أولادنا على الاستفادة منها، والتزود فيها بكل ما هو جديد؛ ليحجز مكانًا في سوق العمل، وفي قلوب الناس قبل أي شيء.
.