Business

العيد طاعة

في العيد يتغير وجه الأرض ويضيء النور في الطرقات، وترى الابتسامات تعلو على الوجوه، والبِشر يزين النفوس، وفي العيد تتصافح اﻷيادي الطاهرة، وتتبادل التهاني النفوس المؤمنة.

فالعيد يوم جميل يترقبه الصغير والكبير، حيث يعيش الجميع لحظاته بأنس وفرح؛ فالصغير ينتظر العيد بلهفة وشوق لكي يلعب ويفرح، والكبير ينتظره لكي يفرح ويأنس بتواصله مع أهله، وإخوانه وأصدقائه وزيارة أرحامه وأحبابه.

فالعيد الذي وهبه الله– سبحانه– لعباده جعله يوم فرح وسرور ومحبة للجميع، فالمسلمون ليس لهم إلا عيدان عيد الفطر وعيد الأضحى، لما جاء عن أنس رضي الله عنه قال: «قدم رسول اللَّه ﷺ المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول اللَّه ﷺ: إن اللَّه قد أبدلكم بهما خيرًا منهما يوم الأَضحى ويوم الفطر». (سنن أبي داود 1134).

وهذان العيدان هما من شعائر الله التي ينبغي إحياؤها وإدراك مقاصدها واستشعار معانيها، فلا نضيع فيها عبادة، ولا نتجرأ فيها على معصية، ولا نعطل فيه شعيرة، ولا نظلم فيها أنفسنا أو غيرنا، بل هو يوم جعله الله للطاعة المصحوبة بالسرور، فلا عبوس ولا وجوم، فالأصل في العيد الفرح والاستبشار وإشاعة روح المحبة والألفة، ومن الخطأ أن بعض الناس يخلط بين الجدية وعدم الابتسامة والفرح، ويظن أنه من مستلزمات الجدية أن لا يبتسم أو يفرح، وهذا فهم خاطئ ومعوج، فالنبي الكريم ﷺ كان يحمل هموم الأمة، وكان جادًا، ومع ذلك كان أكثر الناس تبسمًا وسعادةً وتفاؤلًا.

 

في العيد كن هادئًا

هذا يوم عيد وفرحة وليس فيه مجال للعصبية، فلا تحول العيد على الأسرة من فرحة إلى حزن ومن سعادة إلى كآبة، فلا يجب أن يستقبل رب الأسرة أبناءه بالصراخ والعصبية في صباح أول يوم للعيد فيوتر البيت ويؤزم العلاقة، وينكد عليهم الحياة، أو أن يختلف الزوجان على برنامج الزيارة العائلية فيخرج كل واحد منهما بسيارة منفصلة أو يمكث أحدهما بالبيت رافضًا المعايدة على الأهل.

 

لا للأنانية

الأنانية آفة ذميمة، صاحبها صاحب نفس صغيرة، ذا عيون عمياء لا يرى إلا نفسه، والعيد جعله الإسلام فرحة للجميع لا لشخصك فحسب، فلا يصح أن تسعد أو تفرح على حساب الغير، فمثلًا لا يجب أن يسافر الأب مع أصحابه وأصدقائه ويترك عائلته وأبناءه وحدهم وكأنهم أيتام من غير أب، فيكون العيد في هذه الحالة لا طعم له ولا لون، أو يستأثر نفسه دون أهله.

 

العيدية وحق الملح

الصغار ينتظرون يوم العيد بلهفة وشوق لكي يلعبوا ويفرحوا ويستلموا العيدية (المهبة) من الكبار، فالتوسعة على العيال في أيام الاعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن، وإذا كان الشخص بسبب كبره أو مكانته ووقاره لا يميل إلى الترويح والترفيه- وهذا لائق به- إلا أن الآخرين وخاصة الأهل والأولاد ومن هم في مقتبل العمر يحبون ذلك ويميلون إليه، فينبغي أن يمكَّنوا من هذا الرغبة الفطرية في إطار ما أباحته الشريعة.

بل إن الزوجة يسعدها كثيرا أن يكرمها زوجها بالعيدية أو بالهدية في العيد، في تونس ودول المغرب العربي وتركيا لديهم تقليد طيب يسمى (حق الملح)، وهو تقليد من أجل تكريم المرأة والاعتراف لها بالجميل صباح يوم عيد الفطر، كما أن الآباء والأمهات ينتظرون أن يدخل عليهم أبنائهم حتى ولو بالقليل في دلالة على اهتمامهم بهم وحرصهم على رضاهم.

 

أصلح نفسك

ربما يعتري الحياة بعض المشاحنات والتي ينتج عنها الفراق والخصام خاصة بين ذوي الأرحام، ومن بركات العيد أنه يذيب هذه الخصومة ويلقى في النفوس رحمة ولطف للجانب الأخر، فليحرص كل مسلم ومسلمة أن يسارع بالتواصل مع أرحامه المنقطعة، ويزيل أثر الخصومات مع الآخرين، وليجعل هذا اليوم يوم تراحم ومودة بين الجميع، فعن النعمان بن بشير- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» ( أخرجه مسلم).

إننا نقتل فرحة العيدِ بتمزيق الأواصر، وقطع الصلة بالأرحام والأقارب والأحباب.. ويوم العيد فرصة لتنقية القلوب وتصفية النفوس مما علق بها طوال العام من البغضاء والشحناء.. فهلا جُدنا بالعفو والصفح والإحسان.

 

غداء العائلة

تعودت العائلات على سنة حسنة وهي التجمع يوم العيد للغداء سويًا وزيادة الترابط والتلاحم، ولربما هذه التقاليد مستمرة في كثير من بلاد المسلمين، غير أن آفة المحمول، والتواصل عبره فقط أصبحت قاصمة لعادات التزاور والتراحم وتجمع ذوي الأرحام مع بعضهم البعض، ولذا على الجميع أن يحرصوا أن يصطحبوا أطفالهم ويزوروا أقربائهم في العيد؛ لتأكيد أواصر الحب وتوريث العلاقات الطيبة للأطفال، وقد وصف الرافعي العيد وصفًا جميلًا عندما قال: «وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة.. وليس العيد إلا تعليم الأمة كيف تتسع روح الجوار وتمتد، حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دار واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي، وتظهر فضيلة الإخلاص معلنة للجميع، ويُهدي الناس بعضهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة؛ وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها».

 

إحياء شعيرة

يقع البعض في خطأ عظيم خاصة بعد الإعلان عن انتهاء شهر رمضان، وأن غدًا أول أيام العيد، حيث ينطلقوا إلى المقاهي وأماكن اللهو؛ لقضاء الليل في لعب ولهو، وما أن يقترب الفجر حتى يهرولوا للنوم مضيعين وقت الليل وصلاة الفجر، بل وشهود صلاة العيد مع المسلمين، إضافة إلى ضياع نهار هذا اليوم في النوم والكسل.. وهو اليوم الذي دعينا فيه إلى الفرح والسرور والمودة والتواصل.

 

ابحثوا عن اليتامى

في يوم العيد لا يشغلكم إسعاد أولادكم فحسب، لكن ابحثوا عن اليتامى الذين لا عائل لهم، وخففوا عنهم وواسوهم في يوم العيد رغبة في الثواب، فقد قال ﷺ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ في الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا» (رواه البخاري). وتلمسوا أحوال الفقراء والمساكين وقدموا لهم ما يمنعهم من السؤال ويغنيهم عن الطلب في يوم العيد، ولنمد جسور التواصل مع جيراننا في أيام العيد، ولنكن من خير الجيران، ولنشارك في رسم البسمة على وجوه أصحاب الابتلاءات.

 

رمضان لم ينته

لقد كان رمضان نفحة ربانية لعباده الصالحين الصائمين، فلا تحرم نفسك نفحات مولاك واستمر على منهج رمضان في الطاعات، فرب رمضان هو رب باقي الشهور، واحرص على زيادة الطاعة في العيد وبعده بصيام ستة أيام من شوال؛ ليغفر لك ذنبك وتقتدي بسنة نبيك، فإن استدامة العبد على النهج المستقيم ، والمداومة على الطاعة من أعظم البراهين على القبول، قال رسول الله ﷺ: «مَن صام رمضان ثم أتبَعَه ستًّا من شوَّال، كان كصيام الدهر» (رواه مسلم)، فيجب أن تجتمع الهمة العالية مع القصد في الأعمال، فلا يحمل المرء نفسه ما لا تطيق، ولذا يقول النبي ﷺ: «خذوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا» (رواه البخاري ومسلم).

العيد في الإسلام ليس احتفالًا فرديًا، كما أنه لا يكتمل بفرح أفرادٍ دون أفراد، بل هو فرح الأمة جميعًا، ولذا جاءت الشريعة مؤكدةً أن يكون الفرح والابتهاج للجميع، بداية بأحق الناس وهما الوالدان، وانتهاءً بغيرهما ممن نرتبط به بعلاقة رحم أو صحبة أو جيرة.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم