Business

هل تهيأت لسباق رمضان؟

تتدافع الأيام، وتتزاحم الشهور، وتتلاحق الساعات، ورحل من رحل، وبقي من بقي، وها هي نسمات الشهر الكريم تفوح بشذاها في ربوع الكون، فتنبت أوراق المحبة والتسامح، وتنضج ثمار الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، ويصدع المنادي: «يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ»، فأين أنت من هذا السباق الذي وضع حبيبك المصطفى ﷺ حدود أطره، ووضح هدفه فقال ﷺ: «خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يُغفر له» (رواه البخاري).

لقد اقتربت الأيام وتجهز كل متسابق بعدته وعتاده من أجل هذا الشهر فهل أنت منهم؟

لقد مرت الأيام بحلوها ومرها، بظلمها وعدلها، بحسناتها وسيئاتها، وأقبلت أيام الرحمة والعتق من النار.. فهل استعددت لتكون ممن يغفر له وينال العتق من النيران؟

لقد شمر الجميع عن سواعده، كلٌّ على طريقته؛ استعدادًا لهذا الشهر الفريد، فتعددت الغايات، وتفرقت النيات، واتسعت الأحلام، فمنهم من استعد بصيام أيام من شعبان لتزكية نفسه، وتعويد جسده، وتدريب عقله، وتمهيد طريقه.

 ومنهم من استعد لها بأيام اللهو والمنكرات، وتجيش المسلسلات والسهرات، ولا غاية له إلا كنز المال والمجوهرات، وفي النهاية يكتشف أنه ترك خزينته خاوية من الحسنات وأعمال الصالحات.

ومنهم من جهز العزائم والولائم وأشهى أنواع الطعام، فيقضى رمضان بين طعام هنا وطعام هناك، حتى يثقل جسمه، فلا يستطيع أن يركع لله بضع ركعات، ويظل طول النهار نائمًا من تعب الصيام كما يظن، وتمر عليه الأيام المباركات فلا ينال منها إلا الجوع والعطش.

ومنهم من انهمك في تجارته وبيعه وشراءه، ونسى أن رمضان موسمًا غير عاديٍّ لأهل التجارة مع الله تعالى، حيث تضاعفُ فيه الحسنات، وفرصة جليلة لمحو الذنوب والخطايا.

إن رمضان ليس عصًا ِحرية.. حينما يأتي ستجد العيون التي لم تدمع طوال العام تنهمر بالدموع، أو أن الكسل الذي ظل معك طوال العام سيتحول إلى اشتعال إيماني في لحظة، فمثله كمثل سائق لسيارة ومسرع بها فلا يعلم بمعوقات ومطبات الطريق فيفاجئ به أمامه فلا يدرك أن يضغط على مكابح السيارة فيصاب من المطب، وهو بخلاف من استعد جيدًا للمطب فكبح جماح سيارته ومر من فوقه بسهوله، وهكذا الفرق من استعد لرمضان ومن تفاجئ أن غدًا أول أيام رمضان!

أريد أنْ أقول: «ولو أرادوا رمضانَ لأعَدُّوا لَهُ عُدّة»، ولذلك فقد قال أحد السلف:

«رجب شهرُ البَذر، وشعبان شهرُ السُقيَا، ورمضان شهرُ الحَصاد»، بمعنى أن كل الذي تريد أنْ تحصده في رمضان يجب أنْ تزرعه أولًا في رجب وشعبان.

والسؤال.. لماذا نخسر رمضان فلا ينجح فيه إلا القلة القليلة؟ الجواب: إننا لا نُحسن الاستعداد له.

فإلى كل متسابق يريد أن يفوز في السابق، فيعلى بنفسه أعلى الدرجات، وفي نهاية الشهر يجد نفسه ممن فاز بالخيرات، فيوفى الأجر قبل أن يفرح بفرحة الأعياد، إليك هذه الكلمات لنستعد فنكون أول الفائزين والاستمتاع بهذا الشهر الكريم وجوائزه:

أولًا: التوبة النصوح وكثرة الاستغفار

فالذنوب سبب الحرمان من كل خير، والتوبة تلك الرحمة التي امتنَّ الله بها على عبادِه المذنبين، فلا يقنَط المذنب ولا ييأس من رحمة الله التي عمَّتِ السمواتِ والأرض.

جاء رجل إلى الحسن البصري- رحمه الله- وقال له يا أبا سعيد : «أُجَهِّزُ طهوري وأستعد لقيام الليل ولكني لا أقوم، ما سبب ذلك؟ فقال له الحسن: قيدتك ذنوبك».

ثانيًا: أصلح غايتك وجدد نيتك

لا تبدأ أي عمل إلا وقد أصلحت نيتك، فلن يقبل عملك إلا إن كان خالصًا صوابًا موافقًا للشرع، قال تعالى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّه} (النساء: 100).

ثالثًا: أصلح قلبك

احرص أن تكون مخموم القلب من الآن، وادخل رمضان وقد فرّغت قلبك للانشغال به دون سواه. قيل لرسول الله ﷺ: أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان»، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟، قال: «هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد» [صحيح ابن ماجه 3416].

رابعًا: عليك بكثرة الدعاء

كان حبيبك لا يفتر لسانه عن الدعاء لله سبحانه بقوله: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان. وإذا دخل رمضان كان كثير الدعاء أن يوفقه الله فيه لحسن الطاعات، وترك المنكرات وإقالة العثرات، وأن يتقبل الله منه الصلوات والقيام والصيام وسائر الأعمال، وأن يكون من عتقاء النار.

خامسًا: طهر سريرتك

فلا يكن شغلك الشاغل هو كيف ستصوم رمضان، لكن اجعل همك كيف تصلح فيه نفسك فتعمرها بالإيمان، وتنجي لسانك من الآثام وبذيء الكلام، وتصلح ما بينك وبين الآخرين فتصل رحمك، وتعفو عمن ظلمك، وتبحث عن المساكين والضعفاء فينالوا منك أفضل الصدقات.

سادسًا: الصلاة.. الصلاة

المساجد التي تبكي فراق الأحباب، فأصبحت مهجورة إلا قليل من كن كبار السن، سارع فعمر المساجد، وأنر جنباتها بلوعة الشوق، وأحسن كيف تخشع في الصلاة، فالفريضة في رمضان بسبعين فريضة في غير رمضان، والسنة في رمضان بفريضة فيما سواه، فلماذا تخسر هذا الفضل، عود نفسك وألزمها الصلاة حتى تكون خفيفة عليك في رمضان.

سابعًا: نور قلبك بالقرآن

قال رسول الله ﷺ: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (اّلم) حرف، ولكن ألِفٌ حرف، ولامٌ حرف، ومِيمٌ حرف» (انظر صحيح الجامع: 6469).

فاجعل معك مُصحَفًا صغيرًا لا يفارقك أبدًا، واحرص على تلاوة وِرْدك اليومي بتركيز شديد (قدر المستطاع)، حتى إذا جاء رمضان شعرت بلذة القرآن فزدت في تلاوته وفي تدبر آياته والوقوف على أوامره ونواهيه.

ثامنًا: العزيمة الصادقة

إن كثيرًا من الناس يدعي أنه سيغتنم الشهر وأنه سيفعل كذا وكذا من الطاعات، حتى إذا ما بلغه انفرط عقد تلك العزائم، وتهاوت تلك القوى، ولكن من علم عظيم الأجر، وكثرة الثواب للطائعين؛ لا تضعف عنده تلك القوى، لأن الثواب جليل القدر، عظيم الرفعة، يكفيه أن الله تعالى هو المُكرم المنعم المتفضل، وأيام رمضان قليلة سرعان ما تنقضي.

لم يبق إلا أيام قليلة فسارع بالاستعداد للسباق، وتذكر أن الدنيا مهما طالت فلا بد من أن تنقضي، ولن يكون معك في خلوتك إلا عملك الصالح الذي عملت على زيادته وتنميته، أو إضعافه وإنهاكه.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم