Business

أبو العربي مصطفى يكتب: شاشة السينما وصورة الأخلاق في المجتمع

تعد الأخلاق ركيزة رئيسية من ركائز بناء أي مجتمع من المجتمعات؛ لما لها من تأثير في تنشئة الأفراد وتربيتهم التربية السليمة؛ ليكونوا مثالًا يحتذى بهم مستقبلًا في بناء مجتمعهم على الفضيلة والأخلاق الحميدة.

وما نراه اليوم من تغير في الأخلاق حتى تجردنا منها وأصبحنا عراة بلا أخلاق ولا فكر وتبقى تصرفاتنا الشهوانية هي المحكمة على عقولنا، وأصبحت السينما تعبر تعبيرًا حقيقيًا– بنسبة كبيرة– عن واقع المجتمع.

لقد تغيرت أخلاقنا في السنوات الأخيرة بعد أن ألغيت الأخلاق من مناهجنا الدراسية، وأصبح التعليم عبارة عن تعليم بلا تربية، وأممت المساجد، حتى السينما أصبحت مسرحًا للخلاعة والتسابق على إظهار أكبر قدر من جسد الفتاة، فانتشر الميني جيب والميكروجيب فيها وترجم على أرض الواقع، وأصبح الحجاب في لحظة من اللحظات شاذًا وسط هذه الأمة.

لقد أصبح البون شاسعًا بين الأخلاق التي نراها اليوم وأخلاق الزمن الجميل الذي كانت فيه الشهامة والرجولة والعفة سمة من سمات المجتمع، على الرغم من وجود الاستعمار القابع على جسد الأمة من شرقها وغربها، وعلى الرغم من سياسة دانلوب التعليمية والتي دمرت كثيرًا من النشء، إلا أنه في الفترات الماضية كان المجتمع يحتفظ بكثير من أخلاقيات الإسلام، وشهامة ولاد البلد، وهذا ما سنراه من خلال الأخلاق التي أبرزها فيلم حياة أو موت والذي أنتج عام 1954م أي قبل أن تدنس الأخلاق بسياسة العسكر، حيث كان الشعب ما زال لديه أثر من الأخلاق.

الفيلم الذي شارك فيه الفنان يوسف وهبي (كحكمدار العاصمة) وحسين رياض (كطبيب الصيدلية)، وعماد حمدي (كمريض)، نقلوا صورة أخلاقية لما كان يعيشه الشعب، وكيف كان الجميع يحترم أخلاقيات مهنته، هذه الأخلاقيات التي ضاعت الآن في كل مؤسسة؛ فعلت لغة الرشوة والمحسوبية والوساطة.

يبدأ الفيلم بمريض يسكن في دير النحاس يرسل ابنته لجلب دواء من العتبة، وهناك يخطأ الصيدلي في تركيب الدواء فيتحول هذا الدواء لسم قاتل، ويكتشف الصيدلي ذلك بعد مغادرة الفتاة الصيدلية، فيأمر مساعده بالخروج مسرعًا للبحث عن الفتاة، فنشاهد مدى اهتمام المساعد بالبحث عنها في كل مكان، وحينما يعود للصيدلي بخفي حنين، نرى الوجوم والهم والغم قد كسى وجه الصيدلي (حسين رياض) ويسأل مساعده ما الحل؟ فالمريض ما إن يتناول الدواء حتى يموت؛ وسأذهب لتسليم نفسي.. لقد كان كل خوف الصيدلي على حياة إنسان لا يعرفه، حتى أنه لن يعاقب على خطأه لعدم معرفة أحد بذلك، لكن الضمير التي تربى عليها وأقسم عليها اليمين، وهذا على خلاف ما نجدهم اليوم، بل إنهم اليوم يقدمون الموت للمرضى سواء بأدوية المخدرات، أو بارتفاع الأسعار مما يعجز عنه المريض، أو الغش في الأدوية، وهدفهم الأول الربح فقط، ولغتهم التي تتعالى: «لو مات واحد فلدينا ملايين».

حينما لم يجد الصيدلي سبيلًا؛ تذكر الروشته واسم الطبيب المعالج لعله يعرف عنوان المريض، فيتصل بعيادته فيخبره الممرض أنه في المستشفى، فلا يكتفى بذلك فيتصل بالمستشفى وتهتم الممرضة بالاتصال، وتسرع فتجده في غرفة العمليات فتنتظر حتى يخرج وتخبره؛ فيسرع ليرد على الصيدلي والذي سأله على اسم الدواء فسجله وأستأذنه في دقائق يصل العيادة، وبالفعل وصل العيادة واتصل بالصيدلي ليخبره أن هذا الدواء كتب لاثنين ويعطيه عناوينهم، فيتصل بالأول فلا يجده المقصود، ولا يجد للثاني تليفون (أحمد إبراهيم) فيسرع ويستقل تاكسي ويذهب للعنوان فيجده قد نقل عنوانه ولا أحد يعرفه، فيسرع إلى قسم الشرطة ليبلغ لكي يجدوا وسيلة للوصول للمريض، وحينما وجد بعض التراخي، لم يتوقف بل استقل التاكسي وسارع للمحافظة حيث حكمدار العاصمة (مساعد وزير الداخلية)، لكنه وجد المكان كخلية نحل بسبب هروب مجرم كبير والوزارة مشغولة به، لكنه أصر على مقابلة الحكمدار وبعد حوار حول هوية المريض، وحالة اليأس التي كست وجوه مساعدي الحكمدار من هذه القضية البسيطة– في نظرهم– لكنها أصبحت كبيرة في نظر الصيدلي والحكمدار (إنها حياة إنسان).

يتصل الحكمدار بقسم مصر القديمة لتخرج قوة من الشرطة تبحث عن أحمد إبراهيم، وفي مشهد تجد استنفار الضباط والعسكر للبحث عنه، وحينما لم يفلحوا، يبدؤون التفكير في خط سير ووقت الفتاة، فيتصل بقسم الموسكي ليخرج كونستابل ليسأل عن طريق الفتاة، وحينما تأكدوا أنها لن تعود راكبة التيرام، يتصل الحكمدار بوحدة الإشارة بالوزارة التي ترسل بيان الحكمدار لشرطة النجدة بالبحث عن فتاة تحمل زجاجة دواء في عمر 8 سنوات، وفي مشهد ترى سيارات النجدة في الشوارع تبحث عن أي فتاة بهذه الموصفات ويتم القبض عليهن، وحينما لم يجدوا الفتاة المقصودة يأمر الحكمدار بأن يفرج عن الفتيات على أن يصطحبهن كونستابل لبيوتهن.

وحينما لم تفلح كل هذه السبل في العثور على الفتاة؛ ازداد رعب الصيدلي والحكمدار فتتحرك كثير من قوات الشرطة على أي عنوان يشتبه أن يكون فيه المريض بعد الاستعانة بمشايخ الحارات لخبرتهم في معرفة السكان.

ويستمر البحث مع مرور الوقت ويتحول كل شرطي في الشارع في مهمة البحث عن الفتاة، وحينما لم يجدوا سبيلًا، سارع الحكمدار إلى دار الإذاعة وقطع الفقرة الغنائية الموجودة، وأذاع بيانه ليصل لكل  فرد في الوطن: «من حكمدار العاصمة إلى أحمد إبراهيم القاطن في دير النحاس، لا تشرب الدواء، الدواء فيه سم قاتل، ومن يتعرف على المدعو أحمد إبراهيم يتصل فورا بالحكمدارية»، وتنطلق الإذاعة بالبيان في كل بيت، حيث لم تكتف الاذاعة بإذاعة البيان مرة واحدة، لكنه ظل يتكرر حتى كلل هذا الجهد وهذه الأخلاق بالنجاح واستطاعوا أن ينقذوا حياة إنسان.

لقد فقدنا هذه الأخلاق في المستشفى، كما فقدناه في قسم الشرطة، كما فقدناها في المؤسسات، حتى الشارع ضاعت منه هذه الأخلاق، بل فقدت بين الجيران، بل بين الزملاء، بل قل بين الأصدقاء والأهل والأقرباء.

أصبح الشاب يقتل والده أو أخوه لمجرد خلاف، وأصبح قتل العائلة بأكملها نسمعها وكأنها أصبحت من الأخبار العادية المتداولة، بل انتشر زنا المحارم وقتلهم، بل ضاعت كل روح بيننا.

أين نحن وماذا ننتظر؟

 هل ننتظر أن يرفع عنا الله سبحانه البلاء؟

أم ننتظر أن يرسل علينا صاعقة من السماء فتأخذ المحسن والمسيء على السواء، قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً} (الأنفال: 25).

ما الدوافع التي تحول بيننا وبين الالتصاق بحسن الخلق، وشيم الصفات؟

ما العوامل السلبية التي تجعل الفرد يتباهى بفساده أو سوء أخلاقه بين الناس؟

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم