من جهود الإخوان في مواجهة البغاء

الدعارة أو البغاء هي: فعل استئجار أو تقديم أو ممارسة خدمات جنسية بمقابل مادي. وبسبب ضعف التربية في المجتمعات وانعدام الرقيب الوجداني والأسري، ومع زيادة وسائل التخفي أصبحت منتشرة داخل المجتمعات، بل زاد عليها المواقع الجنسية والتي أصبحت تصل للمشاهد بشتى الطرق، حتى في مواقع ألعاب الأطفال.

لمبة حمراء تضاء في كل لحظة، لتدمر الأسر والمجتمعات الإسلامية خاصة، ولأسباب كثيرة يندفع الكثير للحصول عليها وريّ عطشه بأي وسيلة، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، ومع توالى هذه المصائب والجرائم التي قد يترتب عنها أحيانًا، تستحي الأسر من الحديث مع أولادهم وتربيتهم تربية وفق ما ربى به الرسول ﷺ صحابته، ووفق متطلبات ومتغيرات المجتمع.

والإخوان منذ بداية نشأتهم وهم يفكرون تفكيرًا عمليًا جديًا في هذه المعضلة، بل ووضعوا لها الحلول العملية التي بارك الله لهم فيها، وفتح قلوب كثير ممن كان يمارس هذه المهنة إلى طريق العفاف.

 

مسجد الإخوان بجوار دار الدعارة

كان لتشريع البغاء وانتشاره بقوة القانون، الأثر الكبير في نفوس الناس الذين رأوا هذا الفعل كشيء عادي وكمصدر للرزق، وبعض المتدينين رأوه وباءًا ولا بد من تجنبه، إلا أن الإمام البنا لم يرَ فيمن يقوم بهذا الفعل الشر المطلق، وكان ينظر إليهم نظرة عطف وشفقة وخوف، ولذا ما إن طرح مكانًا لأول مسجد للإخوان بالإسماعيلية ووقع الاختيار على إحدى الأراضي تصادف أن كان بجوارها بيتًا للدعارة، واستاء الإخوان– كأول لبنات الدعوة كيف تكون بجوار بيت دعارة- لكن الإمام البنا كان رده حكيمًا حينما قال لهم: «إن هذا البلد بلد إسلامي، لا يستطيع أي إنسان أن يبعدنا عن أي جزء منه، وإننا بعون الله سنقضي على هذه البؤرة من الفساد، وسيرحلون عنها بمجرد أن نضع أيدينا عليها».

وبالفعل بعدما إنشاء المسجد زاد الالتزام وسط الناس وقل عدد المترددين على بيت الدعارة، مما دفع بهؤلاء النسوة أن يذهبن إلى الأستاذ البنا يشتكين له وقف الحال، وضيق الرزق، حيث قل الطلب عليهن بعد تدين أهل الحي والتزموا تعاليم الإسلام، فاقترح عليهن الإمام الشهيد أن يمتهن مِهَنًا شريفة، على أن يستأجر لهنّ مبنى مستقلًا تلتحق به كل من تتوب إلى الله تعالى وليس لها عائل، فتوافد عليه كثيرات ممن تاب الله عليهن.

وقد كلف الإخوان الشيخ علي الجداوي بنولي شئون هذا الملجأ والإنفاق عليه، وترتيب الدروس الدينية لهن، وقد وفق الله الكثيرات منهن فتزوجن وأصبحن ربات بيوت صالحات، ومن لم تتزوج منهن تعلمت فن الخياطة والتفصيل، أو فن الطهي، أو تربية الأولاد، وكان لهذا العمل الجليل أكبر الأثر في نفوس المسلمين جميعًا من أهالي الإسماعيلية وغيرهم(1).

لقد وضع الإخوان الحلول العملية لا الوعظية فحسب من أجل التصدي لهذا الداء، خاصة بعدما جاء في تقرير صادر عن عصبة الأمم في صيف 1927م وفي القسم الخاص بمصر ما يلي: «لقد ثبت أن الديار المصرية عبارة عن سوق بغاء عظيمة للنساء والفتيات من جميع الأجناس، ولا سيما موسم السياحة في وقت الشتاء».

 

التنازل عن البرلمان مقابل وقف البغاء

لم ينظر الإخوان إلى مصالح شخصية، بل بلغ الأمر أن ضحى الإمام البنا بكرسي في البرلمان– كان الكل يقول أن مقعد دائرة الإسماعيلية لن يخرج عن حسن البنا– في مقابل أن يصدر رئيس الوزراء قرارًا بإلغاء البغاء، ووافق النحاس الباشا، وتحمس لذلك وزير الشئون الاجتماعية عبد الحميد عبد الحق، إلا أن قائد الجيوش البريطانية في مصر اعترض على إلغاء البغاء، فما كان من الحكومة إلا أن ألغت البغاء الرسمي في القرى، واكتفت بعدم إعطاء تراخيص جديدة لممارسة البغاء في المدن توفيقًا بين مطالب الإخوان ورفض الإنجليز، وكان ذلك أول انتصار للإخوان في معركة البغاء(2).

 

وسائل عملية وسط المجتمع الأوربي

يظن الكثير أن نشر الأخلاق تتطلب مجتمعًا إسلاميًا، لكن الداعية يدرك أنها تطلب مجتمعًا إنسانيًا، يعرف حدود الفطرة.

وهذا ما جعل الإخوان في ألمانيا يحاولون علاج هذا الداء في هذا المجتمع غير الإسلامي، يقول أ/ مهدي عاكف: «كان من المشكلات التي واجهتها في المركز الإسلامي بميونخ بألمانيا وجود بيت دعارة لا يفصله عن المركز إلا سور من النباتات، والنساء كن يقفن في النوافذ عرايا كما ولدتهن أمهاتهن، وينمن في الشمس عرايا، فرفعنا دعوى قضائية، وتضامن معنا أهل الحي، والبيت كان ثمنه 750 ألف مارك، فعرضنا على المحكمة شراءه، وجمعنا 250 ألفًا وبقي نصف مليون، حتى قام أحد الإخوة بدفع المبلغ وتم شراء المبني»(3).

 

المراجع

  1. مجلة لواء الإسلام: السنة 42 – العدد 12– غرة شعبان 1408هـ / 19مارس 1988م – صـ27.
  2. محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، جـ1 ، دار التوزيع والنشر الإسلامية، صـ242.
  3. مذكرات الأستاذ محمد مهدي عاكف، موقع العربي 21.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم