يعتبر ابن حزم الأندلسي (384-456) رائدًا من رواد التربية والتعليم في عصره؛ ومن السابقين إلى التأليف في التلقين ومراتب العلوم وخصال العالم والمتعلم؛ وشروط البحث العلمي وحداثته؛ مما يمكن أن يُعد ثورة جذرية، في التربية والتعليم.
وفى هذه الدراسة التي أعدها: مولاي حفيظ العلوي، باحث دكتوراة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية- الرباط– المغرب، يرى أن ابن حزم من أعلام الفكر العربي الإسلامي، ومؤلف في مختلف العلوم، وجامع كبير للمصنفات، وفقيه محدث، ومجادل جريء، وصاحب مذهب اختص به في الأندلس- المذهب الظاهري- يعارض التقليد معارضة شديدة، ويدعو إلى الاجتهاد والاستقلال في الفكر.
صياغة نموذج تربوي هادف
نجد «تنظير» ابن حزم لأفكاره التربوية في أربع رسائل، من مجموع ما خلفه لنا من تراث متميز جاوز الأربعمائة مجلد، تشتمل على ما يقرب من ثمانين ألف ورقة. هذه الرسائل هي «رسالة التلخيص لوجوه التخليص»، و«رسالة في مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق والزهد في الرذائل»، و«رسالة مراتب العلوم»، و«رسالة التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية».
ويرى ابن حزم أن تعلم العلم لا يُقصد لذاته، إنما لمعرفة الخالق جل جلاله، ذلك أن أجل العلوم ما قربك من خالقك تعالى، وما أعانك على الوصول إلى رضاه، وما أقر بصدق نبوة خير المرسلين سيدنا محمد ﷺ، وصحة القرآن الكريم.
طرائق اكتساب العلوم عند ابن حزم
هناك ثلاث طرائق في نظر ابن حزم، تؤدي بالطالب إلى تشييد الخلفية النظرية والتجريبية الملائمة لتعلم علم ما، وهي بالتدريج: السماع والقراءة والكتاب.
كما اشترط ابن حزم على المدرس أن يجهد نفسه على تدريب الصبي و«ترويضه» على كتابة الخط بطريقة سليمة متقنة، قابل للقراءة بسهولة.
ونرتقي بعد ذلك سلم المعرفة بتعلم المتعلم علمي النحو واللغة؛ وبعد أن يتقن طالب العلم النحو واللغة، عليه تعلم «علم الشعر» في حدود معينة، لأن الإكثار منه بدوره كسب غير محمود، ولأنه يخلط فيه صاحبه الحق والفضائل بالباطل. ثم ينتقل الطالب إلى معرفة علم العدد/الحساب الذي عن طريقه يحكم الضرب والقسمة والجمع والطرح والمساحة، والعلم الرابع الذي يوصي به ابن حزم طالبي العلم هو علم الفلك، وبه يتوصل إلى معرفة نسبة الأرض، ومساحتها، وتركيب الأفلاك، ودورانها ومراكزها وأبعادها.
ويأتي في المرتبة الخامسة في مشروع ابن حزم التربوي علم المنطق، يعرف به المرء، عن طريق البرهان، الحقائق اليقينية، ويميزها عن الأباطيل تمييزًا لا يبقى معه ريب. ويقع علم الطبيعيات في الرتبة السادسة من السلم التربوي المقترح من طرف ابن حزم، يليه علم التاريخ الحديث والقديم، وهو علم سهل جدًا، ، ثم الفلسفة، وعلم مقارنة الأديان، ثم أخيرًا في المرتبة الحادية عشرة علم الشريعة، فإن اشتغل مغفل عن علم الشريعة بعلم غيره، فقد أساء النظر وظلم نفسه، إذ آثر الأدنى والأقل منفعة على الأعلى والأعظم منفعة.
وعلم الشريعة يندرج تحته أربعة أنواع من العلوم وهي:
- علم القرآن.
- علم الحديث.
- علم السنة.
- علم الكلام.
إن ابن حزم بذلك يجعل عملية الاكتساب متدرجة من السهولة إلى الصعوبة، ومن البسيط إلى المعقد؛ بحيث لا يمكن لأي متعلم الخوض في شؤون الشريعة ما لم يكن متسلحًا بمجموعة من المهارات والكفايات التي تمكنه من تفسير وتأويل القرآن والحديث النبوي الشريف.
نصائحٌ لطالب العلم
ويقدم ابن حزم مجموعة من النصائح والوصايا لكل طالب علم، منها: التخلق بأخلاق العلماء، ومصاحبتهم، والتأدب بأدبهم، وتوقيرهم، وتعظيمهم؛ وأن يتجنب الرذائل التي لا تليق بطالب العلم، كالحسد والاغترار بما بلغه من مراتب العلم، يقول ابن حزم: «ونحن نوصي طالب العلم بأن لا يذم ما جهل منها- أي العلوم- فهو دليل على نقصه وقوله بغير معرفة، وأن لا يعجب بما علم؛ فتطمس فضيلته، وبستحق المقت من الواهب له ما وهب، وأن لا يحسد من فوقه حسدًا يؤديه إلى تنقيصه، وأن لا يحقر من دونه، فقد كان في مثل حاله قبل أن يعلم».
وقد وضع ابن حزم قواعد صارمة لأدب الجلوس للعلم، حددها في التالي:
- حضور مجلس العلم من أجل الاستزادة، وحصول الثواب والأجر.
- الابتعاد عن البحث عن عثرات مدرس العلم.
- الالتزام بالسكوت، وقلة الفضول أثناء الإنصات للدرس.
- على المتعلم أن يسأل عما لا يدري، لا عما يدري.
- على المتعلم معارضة جواب المدرس /العالم بما ينقضه نقضا بينا.
- الابتعاد عن مراجعة كلام المدرس مراجعة متكبر.
والبحث العلمي الرصين، عند ابن حزم، لا بد أن تتوفر فيه شروط الجدية، والإبداع، والابتكار، والتحديث، والبعد عن التقليد الأعمى، ويشترط له سبعة شروط:
- شيء لم يسبق إليه- الباحث- فيستخرجه.
- شيء ناقص فيتممه.
- شيء مخطئ فيصححه.
- شيء مستغلق فيشرحه.
- شيء طويل فيختصره دون أن يحذف منه شيئا.
- شيء مفترق فيجمعه.
- شيء منثور فيرتبه.
.