الإرشاد الزواجي هو عملية مساعدة الفرد في اختيار زوجه، والاستعداد للحياة الزوجية، والدخول فيها، والاستقرار والسعادة وتحقيق التوافق الزواجي، وحل ما قد يطرأ من مشكلات زواجية، وهو مجموع الخدمات الإرشادية التي تقدم للأزواج بهدف اختيار الشريك المناسب، وتحقيق الاستقرار، وحل المشكلات التي قد تعصف بالحياة الزوجية.
وفى دراسة بعنوان: «الإرشاد الزواجي»، للدكتور داود بورقيبة، جامعة الأغواط بالجزائر، يرى أنه من الأمور المتفق عليها بين الإسلام وعلم النفس أهمية الزواج في الراحة النفسية، يقول تعالي: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
عوامل تحقيق التوافق الزواجي
ويعني ذلك الوصول في العلاقات الجنسية بين الزوجين إلى حالة من التوافق للطرفين، فالتوافق الجنسي عامل هام وضروري في تدعيم وتقوية التوافق الزواجي، في حين أن انعدام هذا التوافق يعتبر مؤشرًا واضحًا على بداية الصراعات والخلافات الزوجية.
- التوافق العاطفي والوجداني بين الزوجين
وهذا العامل له دور هام في مدي النجاح أو الفشل في الحياة الزوجية. إذ أن الهدف من الزواج هو الرغبة في وجود شريك يسكن إليه الزوج ويطمئن إليه على أساس من الحب والتعاطف والتراحم. كما قال تعالي: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، إذ بدون هذه المشاعر الإيجابية وهذا الحب قد تنهار الحياة الزوجية. ويتحقق هذا التواصل إذا توفرت الثقة بين الزوجين، وتوفر الاحترام المتبادل بينهما، وكشف كل منهما للآخر أسراره، وائتمنه عليها، ومن خلال التشاور المتبادل بين الزوجين، وعدم التصرف بانفراد؛ كما يتضمن إحساس كل من الزوجين بمشاعر الآخر، وإدراك كل منهما للأعباء التي يتحملها بالنسبة للآخر، فالتواصل الجيد هو المدخل الرئيسي لكل علاقة زوجية إيجابية، في حين يعتبر التواصل غير السليم أو غير السوي من عوامل سوء التوافق الزواجي.
ونقصد بذلك أن يعمل الزوج على إشباع وتحقيق مطالب الزوجة في ضوء ما لديهم من دخل، وعدم تكليف الزوج بأعباء اقتصادية فوق مستوى دخله؛ لأن زيادة هذه الأعباء قد تدفع الزوج للاستدانة، ويبقى الوضع الاقتصادي للأسرة مضطربًا؛ أو يدفع ذلك بالزواج إلى العمل لفترات طويلة بعيدًا عن المنزل، فيبتعد عن تحمل مسؤوليته، وهذا ما يترتب عنه ما يعرف بالزوج الحاضر الغائب، فهو موجود في الأسرة، لكن تأثيره منعدم فيها، كما أنه على الزوجين تجنب الرغبة في تقليد الآخرين، فكلٌّ له ظروفه.
- ضرورة التقارب بين الزوجين في القيم والاتجاهات
التقارب بين الزوجين في القيم والاتجاهات والاهتمامات والعادات والمستوي الثقافي والعمري أمر مهم، وإذا كان هناك اختلاف في كل من هذه النواحي، فينبغي أن يحدث تنازل من كل طرف حتى يلتقيان في منطقة مشتركة، وأن يتفهم كل منهما العلاقات الاجتماعية للآخر، وهنا يحدث التوافق الاجتماعي. والزواج ينظم العلاقة الثنائية على أساس تبادل الحقوق والواجبات والتعاون المخلص في جو تسوده المحبة والاحترام والتقدير المتبادل.
ولكي يستقيم هذا الزواج، حض الإسلام على الاختيار السليم، فقد حض على اختيار الزوجة ذات الدين، وذات الخلق الطيب، والعقل الراجح، والمنبت الحسن، يقول ﷺ: «تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، ذلك لأن الزوجة مسئولة عن تربية الأطفال، وعن صيانة بيت الزوجية من حفظ مال الزوج، وعرضه، وسره. وكذلك الحال من اختيار للزوج الذي يتقي الله، ذو الأخلاق الحميدة، القادر على القيام بواجبات الزواج، والذي يستطيع قيادة الأسرة في سلام، يقول رسول الله ﷺ: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض».
وطالب الإسلام الزوجين بحسن المعاشرة وخاصة من الزوج الذي اختصه الله بحق القوامة. أي الرئاسة والقيادة.
وعلى الزوجة ألا تنكر إحسان الزوج إليها، ومعاملته لها بالإحسان، لأن ذلك قد يدخلها النار كما ذكر الرسول ﷺ في حديث: «أُرِيتُ النارَ، فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرون، قيل: أيكفرون بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئًا، قالت: ما رأيت منك خيرًا قط».
ولقد أعطي الله سبحانه وتعالي حق القوامة للرجل لأنه فضل بتحكيم العقل والصبر وقوة التحمل، ولقدرته على ضبط عواطفه والتحكم في انفعاله، وقابليته لمراجعة أحكامه وقراراته، خلافًا للمرأة التي تعرف بعاطفتها المراهفة وسرعة تأثرها وانفعالها، وتحكيم العاطفة، والتسرع في الأحكام واتخاذ القرار.
قال الله تعالي في كتابه العزيز: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، وكذلك قوله: {ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، لذلك استحق الرجل حق القوامة بتفضيله على المرأة للأسباب السابقة، وكذلك لتكليفه بالإنفاق على الزوجة والأسرة دون المرأة.
وأوجب الإسلام على الزوجة طاعة زوجها إلا في معصية، فقد قال ﷺ: «لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل»، وعلى الزوج عدم التعدي عليها إن فعلت؛ لقوله تعالي: {فَإنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًا كَبِيرًا}.
حلول وقائية
- التهيئة من الوالدين قبل الزفاف
حبذا لو هيّأ كل ٌّمن الأب والأم ابنهما أو ابنتهما المقبلين على الزواج بالنصائح، وعرّفا كلّا منهما بحقوقهما وواجباتهما. ويجب على الوالدين محاولة تجنيب العروسين سلبيات تجاربهما الخاصة والاستفادة من التجارب الإيجابية.
في الدول المتقدمة يلجأ الشاب والشابة المقبلان على الزواج إلى المرشدين في حقل الزواج؛ لإرشادهما للوسائل التي تكفل لهما حياة زوجية سعيدة ومستقرة. ومعرفة كل طرف بشخصية الطرف الآخر تساعد كثيرًا في عملية التكيف لاحقًا.
- دور الزوج أثناء شهر العسل
أن يحاول الزوج إعطاء عروسة معلومات واقعية عن الحياة الزوجية، وعن الوسائل الكفيلة بإبعادهما عن المشاكل، وأن يبصرها بأسلوب الحوار الذي يساعد على حل المشاكل الطارئة قبل استفحالها. وكذلك إعطاءها فكرة واقعية عن عمله والتزاماته المادية نحو أبويه وأخوته. أما في حالة اضطراره للإقامة مع الأسرة دائمًا أو مؤقتًا، فيجب الاتفاق على تحديد مدي العلاقة لتفادي المشاكل مستقبلًا، ذلك لأن فترة الزواج الأولي يكون الزوجان في حالة من الود والألفة والانسجام كافية لتقبل وتبادل الأفكار التي تحقق لهما السعادة في مشوار الزوجية الطويل.
للقيام بهذا الدور الهام لا بد من توفر المرشد المؤهل والمتدرب، والذي له خبرة عملية في هذا المجال، أو المعالج النفسي الأسري أو الزواجي، لضمان النتيجة المرجوة؛ فكثير من المرشدين الهواة أو بدون خبرة كافية قد يكونون السبب في استفحال الخلافات أو في انفصال الزوجين؛ لأنهم يطرحون حلولًا من عندهم بدلًا عن مساعده الزوجين على الوصول للحلول التي تناسبهم.
لضمان نجاح عملية الإرشاد
- من جانب الزوجين:
- لا بد أن تكون هناك ثقة في المرشد من كلا الزوجين، ثقة في خبرته، وفي حياده وعدم محاباته لأي طرف.
- لا بد من توفر الدافعية والرغبة الأكيدة من الزوجين في المصالحة وحل الخلافات جذريًا: فإن كان أحد الأطراف غير راغب أو متردد فلا فائدة من تضييع الوقت.
- لا بد أن يكون هنالك استعداد من كل طرف للإقرار بمسؤوليته في الخلافات إن تأكد ذلك، والرغبة في إبداء اعتذاره وفي نفس الوقت تقبل اعتذار الطرف الآخر.
- يجب أن يكون هناك استعداد من الجانبين للوصول لحلول وسطية مع الالتزام بها مستقبلًا.
- لا بد من توفر الوعي والنضوج من جانب الزوجين لتفهم ما تتطلبه عملية الإرشاد مع التجاوب مع المرشد لإنجاح العملية.
- لا بد أن يكون هناك استعداد للتغير في السلوك وأسلوب التعامل والتخاطب وتبادل المشاعر إذا ما تطلب الحل ذلك.
- من جانب المرشد:
- تحديد طبيعة الخلافات، وليس ما ترتب عنها.
- مساعدة من خلال الحوار البناء، وتفهم كل طرف لموقف الآخر ومحاولة الوصول لحلول توفيقية.
- تحديد جدول زمني لإجراء المقابلات الفردية والمزدوجة لحل الخلاف.
- إيقاف أي مواجهات أو اتصالات خارج عملية العلاج حتى لا تحصل انتكاسات في العملية.
- تشجيع كل طرف على توضيح موقفه من النقاط الخلافية بكل أمانة وموضوعية وبدون انفعال أو جرح لمشاعر الطرف الآخر.
- يمكن للمرشد أو المعالج أن يقترح حلولًا وسطية عملية، بدون أن يحاول فرضها على أي من الجانبين.
- المساعدة عل حل المشاكل البيئية إن وجدت.
- تحويل أي طرف يحتاج لعلاج طبي نفسي، أو لعلاج نفسي فردي إن تطلب الأمر ذلك.
- إقامة سلسة من المحاضرات
- دينية: تتعلق بفقه الأسرة، وفقه الزواج، وأحكام العلاقات الزوجية.
- نفسية: تتعلق بالقضايا النفسية الخاصة بالزوجين، التوافق النفسي، بعض المشكلات النفسية، مبادئ علم نفس الطفل.
- اجتماعية: العلاقات الاجتماعية بين الزوجين والأسر المتصاهرة.
- طبية: تتناول القضايا الصحية بصفة عامة، وبالنسبة للإناث ما يتعلق بالحمل والدورة الشهرية.
كما يخصص جانب من النشاط الاجتماعي لمعالجة المشكلات الزوجية وإرشاد الزوجين للحول المناسبة؛ لحل خلافاتهما قبل اللجوء إلى المحاكم.
وبحسن خطوات الاختيار قبل الزواج، ثم الصبر والتغافل عن أخطاء شريك الحياة، تستمر المودة والمحبة، ويزدهر البيت بمن فيه.
.