Business

الآثار التربوية للعبادة في الشريعة الإسلامية

 تشكل العبادة جانبًا مهمًا في حياة الناس، فغاية خلقهم هي العبادة، قال تعالى: {ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} {الذاريات: 56}، فالعبادة بمعناها الواسع هي: أي عمل يقوم به الإنسان إذا قصد به إرضاء الله تعالى، وكانت نيته خالصة، وكان هذا العمل موافقًا لما جاءت أحكام الشريعة به وبُنِي على أساس التيسير لا على التعسير على العباد.

إن دراسة الآثار التربوية للعبادات في الشريعة الإسلامية، تحتل مكانًا أصيلًا بين الموضوعات العلمية الفقهية، إذ هو من مباحث فقه العبادات وما يترتب على القيام بالعبادات من أحكام وتشريعات وآثار، احتلت مكانة مرموقة في بحوث العلماء قديمًا وحديثًا، وقد تناولوها بشمول وسعة لا يتركان مجالًا للإضافة إلا محاولة حسن العرض والترتيب، وفي هذه الدراسة سأتناول الآثار التربوية للعبادات في الشريعة الإسلامية بكافة أشكالها، لأن الشريعة الإسلامية الكاملة جاءت لإسعاد البشرية وتحريرها من الظلمات إلى النور، والعبادات هي النور الإلهي للناس جميعًا.

وفي دراسة بعنوان: «الآثار التربوية للعبادة في الشريعة الإسلامية»، للدكتور إسماعيل السعيدات، بَيَّنَ معنى العبادة الواسع والشامل، ومدى حاجة الناس إليها، والثمرات والآثار التربوية المتحققة نتيجة القيام بالشعائر التعبدية من صلاة وصيام وزكاة وحج وذكرٍ لله تعالى على الفرد والمجتمع.

 

تعريف العبادة

العبادة لغةً تعني: الخضوع والتذلل والطاعة، أو الطاعة مع الخضوع، والتعبد هو التنسك.

واصطلاحًا كما عرفها ابن تيمية: «هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة: فالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإحسان للجار واليتيم، والدعاء، والذكر، وأمثال ذلك من العبادة. ثم يضيف بقوله: وحب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضى بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة».

مما سبق يمكن القول: إن العبادة شاملة لكل حياة الإنسان ونشاطاته: من آداب الأكل والشرب، إلى بناء الدولة، وشئون المعاملات والعلاقات الدولية، فهي ليست مقصورة على الشعائر الدينية التعبدية بل تشمل كل أمر يقوم به الإنسان طاعة لله تعالى.

الثمار والفوائد والآثار المتحققة في تطبيق العبادة في الشريعة الإسلامية بكافة أشكالها

الصلاة والصوم والزكاة والحج من العبادات التي يقوم بها المكلفون، وتحقق كثيرًا من الفوائد التي تعود عليها بالنفع العظيم يوم القيامة، وترفع من عزيمتهم، وتمدهم بعناصر القوة، ونحن نحتاج إلى عناصر القوة، وهذه العناصر يمكن أن تتأتى من خلال القيام بالوضوء فهو قوة للجسم ونشاط وغذاء للروح، والوقوف بين يدي الله تعالى في اتجاه واحد، ما هو إلا دليل على قوة وحدة الوجهة والمقصد، وافتتاح الصلاة بالتكبير ما هو إلا قوة للروح وللأمة، تشعرها بأن الله أكبر من كل كبير، وأعظم من كل عظيم، والخروج منها بالتسليم قوة تنهي بالرحمة والسلام، وأي قوة أكبر من القوة التي تربيها الصلاة في نفوس المسلمين.

 

ثمرات العبادة 

للعبادة في الشريعة الإسلامية ثمرات وفوائد وآثار تربوية واجتماعية تعود على الإفراد والجماعات، ولابد من استعراض هذه الثمرات التي تتحقق من القيام بالعبادات، وأول هذه الثمرات العظيمة– وكلنا يدركه من خلال أداء العبادات– أن الإيمان يزداد بالعبادة والعمل الصالح، وينقص بالمعصية والتقصير في أداء حقوق الله التعبدية، ومن العبادات التي تزيد في الإيمان قراءة القرآن الكريم والاستماع إليه، وفهم آياته، قال تعالى: {إنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إيمَانًا وعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} والعلم الشرعي وتعلمه وتعليمه لمن لا يعلم، قال تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.

وثاني الثمرات حصول الأمن والطمأنينة النفسية، التي ترجع إلى تلبية حاجة الفرد الفطرية؛ وهي العبادة فتخضع الجوارح لربها قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وهُم مُّهْتَدُونَ}.

وثالث هذه الثمرات التحرر من العبودية لغير الله تعالى، فالعمل بدون إخلاص يعد شركًا، والشرك ظلم للنفس، والظلم مرتعة وخيم، ولذا شددت الشريعة الإسلامية على بيان أهمية إخلاص العبادة له وحده، والتحرر من عبودية الأصنام والأوثان.

ورابع هذه الثمرات السعي نحو الفضيلة والأخلاق الحميدة التي منبعها أداء الشعائر التعبدية.

وخامس هذه الثمرات تربية الضمير الحي اليقظ في الإنسان، الذي بدوره يوجه سلوك الفرد نحو الخير والابتعاد عن الشر، ومحاسبة النفس على التقصير في أداء حقوق الله، قال تعالى: {ولا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}، فالعبادة تربي في النفس الشعور بمراقبة الله التي تدفع الناس إلى الخوف من الله وخشيته وتقواه وابتغاء رضوانه ورحمته.

وسادس هذه الثمرات أن العبادة هي جانب تطبيقي عملي للاعتقاد، فالهيئة الجماعية التي تؤدَّي بها معظم العبادات، لها دور كبير وفعال في تأليف وتجميع الأفراد، وتقوية وترسيخ للمشاعر الأخوية القائمة على أساس وَحدة الاعتقاد، والحث على التواد والتآلف والتعاون والتراحم، وكل ما من شأنه أن يقوي الروابط الاجتماعية بين المسلمين.

وسابع هذه الثمرات هو أن العبادة تربي في الفرد المسلم عواطف الحب وتنميها، حبًّا لله ولرسوله ولعباده المؤمنين، وبغضَا لأعداء الله من الإنس والجن، وتقوي عنده عقيدة الولاء للإسلام والبراء من الشرك.

وثامن هذه الثمرات أن العبادة غذاء للروح بها يهتدي الفرد المسلم إلى سر وجوده، ويجد بها سعادة روحية دنيوية لا تدانيها سعادة، ويجد للعبادة لذة وحلاوة.

وتاسع هذه الثمرات أن العبادة ابتلاء إلهي من أجل معرفة الشاكرين من الجاحدين، قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، فالعبادة في حقيقتها هي طلب للثواب الإلهي وخوف من العقاب الرباني، فهي حق الله على عباده مقابل ما أنعم عليهم من نعم لا تحصى ولا تعد.

 

من الآثار التربوية للعبادات في الإسلام

لو أمعنا النظر في الأمور لوجدنا أن العبادات في الإسلام تحقق معانيًا سامية وأهدافًا نبيلة، فهي تنمي علاقة الفرد بربه، وبأخيه ومجتمعه، وأمته، ومن العبادات التي تظهر آثارها التربوية في حياة الأفراد والجماعات:

أولًا: الصلاة هي الصلة الدائمة المتكررة بين العبد وربه، وهي المنبه الذي يذكر الإنسان بخالقه، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام، جعلها الإسلام عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، وهي المقياس والميزان للتفاضل بين الكفر والإسلام والإيمان والنفاق، ومما لا شك فيه أن الصلاة التي فرضت ليلة الإسراء والمعراج هي هدية مباركة للنبي ﷺ وأمته.

كيف لا وهي تصل الفاني بالباقي، والضعيف بالقوي، والفقير بالغني، والذليل بالعزيز، ولنتأمل في الحديث القدسي الذي يرويه النبي ﷺ عن ربه: «من صلى صلاةً لم يقرأْ فيها بأمِّ القرآنَ فهي خِداجٌ هي خِداجٌ غيرُ تَمَامٍ، قال أبو السائبِ لأبي هريرةَ: إني أكونُ أحيانًا وراءَ الإمامِ، قال أبو السائبِ: فغمزَ أبو هريرةَ ذراعي فقال: يا فارسيُّ اقرأها في نفسِك، إني سمعِتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: قال اللهُ عز وجل : قَسَمْتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفينِ فنصفُها لي ونصفُها لعبدي، ولعبدي ما سألَ، قال أبو هريرةَ: قال رسولُ اللهِ ﷺ: اقرؤوا يقولُ فيقولُ العبدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فيقولُ اللهُ حمدني عبدي، ويقولُ العبدُ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } فيقولُ اللهُ أثنى عليَّ عبدي، فيقولُ العبدُ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فيقولُ اللهُ مجدني عبدي، وقال هذه بيني وبين عبدي، يقولُ العبدُ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قال أجدُها لعبدي ولعبدي ما سألَ، قال يقولُ عبدي {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَلَا الضَّالِّينَ} يقولُ اللهُ عز وجل هذا لعبدي ولعبدي ما سأل».

فالصلاة فيها من الأسرار والثمرات والآثار التربوية ما لا يحصيه عد، فكل مسلم يستشرف بعضًا منها بحسب إقباله على ربه، ومن هذه الآثار أذكر على سبيل المثال لا الحصر:

  1. المحافظة على الصلاة تجعل المسلم حريصًا على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتقيه من الوقوع في الفواحش والمنكرات، وهي ثمرة وأثر تربوي للصلاة في تنظيم علاقة الفرد بأخيه ومجتمعه، تتمثل في الطهارة والنقاء والصفاء، لأن الصلاة في جوهرها تنهي عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى: {وأَقِمِ الصَّلاةَ إنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ والْمُنكَرِ ولَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ واللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}، ولأن الصلاة توجب على المسلم أن لا يسرق ولا يخون، ولا يكذب، ولا يحتكر ولا يغش، ولا يؤذي الناس بلسانه أو يده أو أي جارحة من جوارحه.
  2. الصلاة طريق للنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، والمحافظين عليها تستقيم أمورهم في الحياة الدنيا ويرثون جنات النعيم في الآخرة، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، وقال تعالى: {والَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، فإقامة الصلاة بالسكينة والطمأنينة، هي مراتب عزيزة وكبيرة لا يصل إليها إلا المحافظون عليها.
  3. الصلاة صلة مباشرة بين العبد وربه، تدخله في رحمته، إذا أداها بروح الإخلاص والنية الصادقة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بْالصَّبْرِ والصَّلاةِ إنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
  4. الصلاة وأداؤها جماعة تحقق عند الفرد المسلم قيمة ضبط الوقت، الذي يساوي قيمة الحياة بالعمل الصالح المستمر من الصلاة إلى وقت الصلاة الأخرى، وهكذا جميع وقت المسلم يكون حريصًا على استغلاله استغلالًا نافعًا.
  5. الصلاة في المسجد رمزًا الوحدة والقوى بين المسلمين على اختلاف الأجناس والألوان، وعلى مختلف الأمكنة والأوطان، والإسلام يركز على إقامة الصلاة جماعة لتظهر ثمراتها في ترسيخ وتعميق مفهوم الوحدة، قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ المُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُم وَكَانُوا شِيَعًا كُلّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}.
  6. الصلاة هي الدواء لكل الأدواء، والنجاة من كل بلاء، والحصن المنيع من كل الفتن، وقد كان رسول الله ﷺ إذا حزبه أمر، أو نزل به هم يفرغ إلى الصلاة فالصلاة حاجة من حاجات الإنسان الضرورية.
  7. الصلاة من خلال الاجتماع لأدائها جماعة في المسجد علاوة على الأجر العظيم المضاعف هي داعٍ من دواعي الحب بين المسلمين، من خلال اجتماعهم في أطهر مكان على وجه الأرض بين يدي رب العالمين، وعندما يختم المسلم صلاته بالتسليم فإن ذلك دلالة على الرحمة والسلام المنشود من هذه الشريعة الغراء، فدلت على أن قوة الإسلام قوة تنتهي بالرحمة والسلام دائمًا، وما أحوج المسلمين اليوم إلى مثل هذه القوة الرحيمة، لتشمل أمم الأرض المعذبة البائسة.
  8. من الآثار التربوية للصلاة في حياة الأفراد، أنها تدفعهم للمبادرة إلى أداء الأعمال في وقتها وعدم التأخر في أدائها، كما أنها تعلمهم وضع كل أمر موضعه، كما أن صلاة الاستخارة تعمل على حسم القرارات وعدم التردد فيها والإقبال على القيام بالأعمال دون خوف أو تردد.

ويمكن القول: إن الصلاة بما فيها من الأسرار والمعاني العظيمة والحكم الجليلة، تحقق ثمرات وآثارًا طيبة في حياة الأفراد والجماعات أعظم من أن يحصرها عادٌّ أو يسجلها قلم، لأنها أمر إلهي نعبد الله بها.

 

ثانيًا: الزكاة، والتي هي قرينة الصلاة، وقد قُرنت بالصلاة في مواضع متعددة، تأكيدًا لبيان أهميتها وأثرها العظيم في حياة الشعوب، والزكاة سبب لحفظ المال وجلب الرزق، وهي برهان على الإيمان، فالزكاة فيها من الأسرار والثمرات والآثار التربوية ما لا يحصيه عد، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. الزكاة بمعناها الواسع: الطهارة والتزكية، فهي تطهر نفس الغني من الشح والبخل، قال تعالى: {ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}، وتطهر نفس الفقير من الحقد والحسد، قال تعالى: {والَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ والْمَحْرُومِ}، وقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وتُزَكِّيهِم بِهَا}، كما أن الزكاة تعني النماء والزيادة، فهي تنمي المال وتطرح فيه البركة، قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}ـ فالمال بالبذل يزداد حاله، لأن من أُمِرَ بالعطاء، وُعِدَ بالعوض والفضل، فوجوب الزكاة له أثر فعال في تنمية المال وعدم تجميده، فإنها تدفع المزكي إلى توظيف ماله وتنميته؛ خشية نفاده من جراء دفع الزكاة كل عام، وما وعد الله تعالى من تعويض للمزكي من الأجر والثواب العظيم في الآخرة، من هنا أولت الزكاة علاقة الفرد بأخيه وبمجتمعه وأمته عناية فائقة من خلال تحقيق جوانب التكافل والتعاون على الخير.
  2. الزكاة تقرب الهوة بين طبقتين من الطبقات الاجتماعية حتى لا يحصل في المجتمع غني فاحش وفقر مدقع، ثراء وبطر، وحاجة وبؤس، فإن الأبعاد التشريعية والاجتماعية للزكاة كبيرة في حياة الأفراد والجماعات.
  3. الزكاة تقضي على العديد من المشاكل وأهمها: مشكلة الفقر التي تدفع الناس إلى ارتكاب عدد من الجرائم من أجل تحصيل المال كالسرقة والسلب والنهب والغصب. فالزكاة من خلال معالجتها لمشكلة الفقر تربي النفوس على الحب والخير والبعد عن الشر والمعاصي، وتوجد في النفس رقابة ذاتية مبعثها الخوف من الله وخشيته ومراقبته في السر والعلن.
  4. الزكاة فيها تربية للمشاعر النبيلة المتمثلة في مشاركة الفقراء المحتاجين مشاركة فعلية، وتخفيف ما تعانيه من هموم وأوجاع.
  5. الزكاة تحقق أعلى درجات التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الإسلامي، وهي وسيلة من وسائل تماسك المجتمع، فتجد المجتمع كله وحدة واحدة من خلالها يعطف الغني على الفقير، فتسود أروع معاني التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.
  6. الزكاة تقرب العبد من ربه، وتسد حاجة المحتاجين عن السؤال، وتربي في النفس ترك السؤال، فتغرس في النفس حب العمل، فهي وسيلة من وسائل التقريب بين العبد وربه وبين الناس جميعًا.
  7. الزكاة تطهر المجتمع من ظاهرة التسول، وتحفز الناس على الحب والتواد والسعي للعمل الصالح، والعلم بأن اليد العليا خير وأحب إلى الله من اليد السفلى، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.
  8. الزكاة تحرر الإنسان من عبودية المال وتحرره من التعلقات المادية، فتدفعه إلى أداء الزكاة رغبة في فعل الخير وطلبًا للأجر العظيم من الله تعالى.
  9. الزكاة يمحو الله بها الخطايا ويرفع بها الدرجات، فالصدقات تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار، وقد وعد الله المزكي بالأجر العظيم على أدائه لحق المال الذي هو مستخلف فيه، قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ويُرْبِي الصَّدَقَاتِ}.

 

ثالثًا: الصوم ركن من أركان الإسلام الخمسة، وقد كتبه الله على أمة الإسلام كما كتبه على أمم قد سبقت، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والصوم عبادة سامية من يؤديها حق الأداء ترتفع به إلى مراتب السعادة ودرجات الفلاح، والصوم الذي خص الله به الأمة المحمدية ما هو إلا دليل على أن الخير كله في أركان الإسلام التي فرضها الله على العباد لتزيد من تعلقهم بحبل الله المتين.

والصوم عبادة جليلة ترتبط مع العبادات الأخرى برباط وثيق، وتؤثر في أخلاق ومعنويات الصائم، من هنا نرى كيف يتأثر الصائم بصيامه، فيتصدق ويقرأ القرآن ويصبر ويجاهد ويسارع في فعل الخيرات، فالصيام طريق موصول إلى تقوى الله وهو مدرسة رائعة للتربية، وفرصة ثمينة لتحسين الخلق والتقرب من الله والوصول إلى تقواه، فأثر الصيام ينبغي أن يلمسه كل من يخالط المسلم الصائم فيلمس أخلاقه، ويوقن بأن الصيام جُنة، فالصيام فيه من الأسرار والثمرات والآثار التربوية ما لا يحصيه عد. أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

  1.   الصيام تربية عملية بجانب كونه عملًا تعبديًا، فهو تربية مباشرة للنفس والبدن والأخلاق والعادات، فهو لا يقتصر على الامتناع عن الطعام والشراب، ولكنه يتضمن البعد عن المحرمات، ليظهر أثر ذلك في حياته متمثلًا بالتقوى الواردة في آيات الصيام.
  2.   الصيام يعين الفرد على نزعات الشيطان وهوى نفسه، من خلال محاربته بالامتناع عن سائر المحرمات.
  3.   الصيام يُعَرِّف الفرد بنعم الله تعالى عليه والتي قد يغفل عنها، لتعوده على حياة الرغد والنعيم، ولكن الجوع والعطش يذكرانه بنعم الله عليه فيشكر المنعم على نعمه وفضله.
  4.   الصيام يعود النفس على الصدقات والبذل في وجوه الخير، بسبب الجوع والعطش الذي يعرض للصائم، فيتذكر ما يعانيه الذين يتعرضون للجوع والعطش.
  5.   الصيام مدرسة للفرد يتعلم منها الأخلاق الفاضلة والابتعاد عن الصفات السيئة، فيبتعد عن الكذب، والخيانة، والسرقة، والغيبة والإفساد في الأرض، والسب واللعن.
  6.   الصيام صحة للأبدان، فكثرة الشبع، وامتلاء البطن من أسباب الأمراض، قال تعالى: {وأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ.
  7.   الصيام له أثر تربوي في تهذيب نفس الأفراد وترويضها؛ حتى تنقاد لصاحبها وتدفعه إلى أعمال البر والخير.
  8.   الصيام فيه تعويد للنفس على العزيمة على القيادة، والصبر على المكاره، واتباع النظام الواحد الذي يساوي بين جميع المسلمين في بداية وقت الصيام وانتهائه، فتظهر الوحدة بأروع وأجمل معانيها العظيمة.

 

رابعًا: الحج مؤتمر إسلامي عالمي إلهي كريم، من خلاله يتم دعوة العباد إلى زياردة بيت الله العتيق، للطواف والسعي والوقوف بعرفات، والقيام بمناسك الحج وواجباته في الأيام المعدودات، وهو مفروض في العمر مرة واحدة للقادر المستطيع قال تعالى: {ولِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا}،  فهي استجابة لنداء إبراهيم الخليل عليه السلام عندما دعا الناس إلى زيارة البيت الحرام، فلبى الناس أفراد وجماعات من مختلف أقطار العالم من كل فج عميق، لينالوا مغفرة ذنوبهم وعتقهم من النار، ورجوعهم إلى الدنيا كيوم ولدتهم أمهاتهم، قال تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.

فالحج مؤتمر إسلامي يأتي إليه المسلمون من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات، فالحج فيه من الأسرار والثمرات والآثار التربوية ما لا يحصيه عد، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

  1.   الحج بما فيه من أركان وواجبات وسنن فيه قوة للجسم، والنفس، والإرادة، من خلال السفر الطويل وتحمل مشاقة، والقيام بأعمال الحج جميعًا.
  2.   الحج فيه تربية لوحدة المسلمين وتجمعهم في صعيد واحد، ووقت واحد، لا فرق بينهم إلا بالتقوى، غنيهم وفقيرهم، كبيرهم وصغيرهم، فتزول الفوارق بينهم، وهو أعظم محقق لمعاني الإخوة الإسلامية {إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ}، فالحج هو ربط وتنظيم لعلاقة الفرد المسلم مع ربه ومجتمعه وأمته.
  3.   الحج مظهر من مظاهر توحيد الله وإفراده بالعبادة الخالصة، فالحج زيارة لبيت الله الحرام البيت الذي أول ما بني على وجه الأرض، والغرض من إقامته هو عبادة الله تعالى وحده، وإخلاص العمل له.
  4.   الحج يربي في نفس المسلم الخوف من الموقف وهوله يوم القيامة، عندما يقف الحجاج في صعيد عرفات، فيقف محاسبًا نفسه على تقصيرها في طاعة الله.
  5.   الحج فيه تربية للنفس على التحلي بالأخلاق الفاضلة، وضبط اللسان فلا رفث ولا فسوق في الحج، وكبح للنفس الإمارة بالسوء.
  6.   الحج فيه تأثير تربوي بتعميق معاني الأمانة في الحياة والمحافظة عليها.
  7.   من خلال الحج ندرك أهمية مراعاة الأحوال الصحية للناس من خلال أحكام الحج فلا تكليف فوق الطاقة.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم