ينظر كثير من الباحثين والمختصين إلى عمليتي التربية والتعليم أنهما عمليتان أساسيتان في أي مجتمع إنساني، لكونهما المدخل والمعيار لوصف مجتمع ما بالتقدم والرقي الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والاستقرار الاجتماعي، لدورهما المتعاظم في تكيف الأفراد مع بيئاتهم ونماء شخصياتهم وإكسابهم المعرفة والقيم الخاصة بالمجتمع المعين.
ومثلما تتعاظم أهمية النظام التربوي والتعليمي في المجتمع، نجد أن تعرض هذا النظام للمعوقات والمشكلات يؤديان في الغالب إلى مشكلات واضطراب في المجتمع بأسره، وبالتالي فإن قضية الفاقد التربوي تعد إحدى أخطر المشكلات التي تهدد أمن وتطور المجتمعات. وهذه الظاهرة لا يكاد يخلو منها مجتمع من المجتمعات إلا أن قدرة المجتمع على محاربة أسبابها المؤثرة تجعل ذلك المجتمع يحافظ على مستوى معين من الكفاءة التربوية والتعليمية.
وفى دراسة للدكتور محمد إسماعيل علي إسماعيل، أستاذ مشارك- قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية- جامعة النيلين- السودان، بعنوان «آثار الفاقد التربوي على أمن المجتمع» -2011-، يهدف إلى التعرف على الآثار المختلفة للفاقد التربوي على مستوى الأفراد والجماعات والنظم والمجتمع، كما يهدف أيضا إلى التعرف على أهم أسباب الفاقد التربوي والعوامل المؤثرة على النظام التربوي والتعليمي، وتقديم مقترحات ورؤية مستقبلية لمعالجة الظاهرة.
مفهوم الفاقد التربوي
نقصد بالفاقد التربوي: حجم الفاقد من التعليم نتيجة الرسوب أو التسرب في أي صف من الصفوف ولأي سبب من الأسباب؛ سواء بتكرار بقاء الطالب بأي صف من الصفوف لأكثر من سنة دراسية أو ترك الطالب للمرحلة التعليمية في أي صف من الصفوف دون نيل الشهادة. أو لم يجد من هم في سن المدرسة الفرصة في الالتحاق بالتعليم، وهذا التعريف تبنته الدارسة في معالجة الموضوع. كما يعرف الفاقد التربوي أيضا بأنه مجموعة ما يفقده النظام التعليمي جراء الرسوب أو التسرب ولهذا للفاقد آثار واضحة على البيئة التربوية والاجتماعية والاقتصادية، كما يعرفه آخر بأنه يطلق على الأطفال الذين درسوا جزءًا من التعليم النظامي ثم تسربوا من الفصول الأولى والمدارس الأساسية أو الثانوية، وكذلك الأطفال الذين هم في سن المدرسة ولكنهم خارجها لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية وهم اليافعين الذين تقع أعمارهم من «9- 14» عامًا.
مفهوم أمن المجتمع
يعرف الأمن بأنه: حالة عامة من الرضا والسعادة والإحساس بالعدل، يكون فيها الإنسان مطمئنًا على دينه ونفسه وعقله وولده وماله بما يتوفر له من ضرورات وحاجيات مادية وروحية تؤمنه من تعب البدن والنفس، ومن خوف الهلاك بالفقر والجوع وأسبابهما.
ونقصد بأمن المجتمع تلك الحالة التي يكون فيها المجتمع في أوضاع مستقرة تقوم فيه المؤسسات والأفراد والجماعات والمجتمعات المحلية بأداء وظائفها بصورة طبيعية وراتبه، تحقق أهداف ومقاصد ذلك المجتمع وبالتالي فإن دخول عوامل مؤثرة فيه سواء كانت خارجية أو داخلية تجعل الأفراد والمؤسسات والجماعات غير قادرة على أداء وظائفها مما يؤثر على استقرار المجتمع وأمنه.
حجم الفاقد التربوي في المجتمع
تبذل معظم الدول العربية وغيرها من دول العالم جهودًا مكثفة وكبيرة لمعالجة قضية الفاقد التربوي، حيث أشارت إحصاءات التعليم في الدول العربية انه يمثل أكثر من 20% من مجمل ما ينفق سنويا على التعليم كما أكدت توصيات المؤتمرات الدولية على حث الأعضاء في اليونسكو بالعمل على التقليل من نسب الفاقد العالية.
وفي السودان بلغت نسبة الفاقد التربوي للتعليم الابتدائي 25% بينما بلغ إجمالي القبول للتعليم الابتدائي على مستوى السودان 74 %. أما الفاقد التربوي للتعليم الثانوي بلغ حوالي 76% بينما بلغ إجمالي القبول للتعليم الثانوي على مستوى السودان 24%. وهذه الإحصائيات تشير إلى تصاعد نسبة الفاقد التربوي كلما انتقلنا إلى المرحلة الأعلى (المرحلة الثانوية) كما تشير أيضا إلى تدني القبول في المرحلة الابتدائية والثانوية، الأمر الذي يؤدي إلى تسرب أو فقد أعداد كبيرة من الطلاب المتوقع دخولهم المرحلة الجامعية وبالتالي يحدث عدم التوازن في سوق العمل ومخرجات التعليم في المجتمع مما يؤدي إلى البطالة بأشكالها المختلفة وعدم الكفاءة البشرية.
وتشير الغايات الثمانية الإنمائية للألفية الثالثة في مجال تحقيق تعميم التعليم الابتدائي في السودان إلى تدني معدل القبول مثلما يلاحظ التدني المتواصل في عدد الذين يكملون تعليمهم حتى الصف الخامس، كما يلاحظ تحسنًا في مستوى التعليم بين الشباب من عمر (15- 24) عامًا.
وحول مستويات الالتحاق بالمدارس الذي يعتمد إلى حد كبير على عاملي وجود التعليم ثم إمكانية أو سهولة الحصول عليه، نجد أن 58.4% من أطفال المرحلة الأولية (7- 12) عامًا في تعداد 1993م قد التحقوا بالمدارس. وكذلك احتفظ تلاميذ المرحلة المتوسطة (13- 15) عامًا بنسبة مقاربة 58.5% بينما تدنت نسبة الالتحاق إلى 24.8% بين تلاميذ المرحلة الثانوية (16- 18) عامًا. وتظهر الإحصاءات أن التحاق الذكور أعلى من مثيله عند الإناث في جميع المستويات وذلك بغض النظر عن نمط الحياة حضري أو ريفي.
ويزداد التفوق العددي للذكور على الإناث، خاصة في الأعمار المتقدمة، مما يدل على ارتفاع معدل التساقط الطلابي out drop وسط الإناث مقارنة مع الذكور ويرجع ذلك في الغالب إلى زواجهن. أما بالنسبة للأطفال الداخلين الجدد إلى التعليم والذين تضيق الفرص المتوفرة لاستيعابهم، فقد أشارت إحصائيات العام 1993م إلى أن 58.4% فقط من الأطفال في سن التعليم الأولي (7- 12) هم الملتحقون الآن بالمدارس هذا بالإضافة إلى نسبة كبيرة من السكان لم تستطع مواصلة تعليمها العالي الأمر الذي يؤثر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية واستقرار المجتمع.
جدول رقم (1) يوضح العدد والتوزيع النسبي والملتحقين بالمدارس (ثلاثة جداول)
بالأقاليم الشمالية حسب تعداد (1993)
الجملة:
النوع |
نمط الحياة |
النوعين |
ذكور |
إناث |
12-Jul |
جملة السكان |
4E+06 |
2E+06 |
2E+06 |
الملتحقون |
2E+06 |
1E+06 |
945938 |
% |
4.58 |
62.5 |
5.53 |
15-Mar |
جملة السكان |
1E+06 |
740566 |
692346 |
الملتحقون |
837918 |
476159 |
361759 |
% |
56.5 |
64.3 |
52.3 |
جملة السكان |
1E+06 |
656594 |
671124 |
16- 18 |
الملتحقون |
568929 |
319624 |
249305 |
% |
42.8 |
48.7 |
37.1 |
جملة السكان |
2E+06 |
889140 |
1E+06 |
19- 24 |
الملتحقون |
413915 |
23746 |
17639 |
% |
|
|
|
|
الحضر:
النوع |
نمط الحياة |
النوعين |
ذكور |
إناث |
12-Jul |
جملة السكان |
1E+06 |
530129 |
51628 |
الملتحقون |
789093 |
412367 |
376726 |
% |
75.4 |
77.8 |
72.9 |
15-Mar |
جملة السكان |
405795 |
230497 |
220298 |
الملتحقون |
338688 |
178284 |
160404 |
% |
75.1 |
77.6 |
72.8 |
جملة السكان |
469840 |
240121 |
229179 |
16- 18 |
الملتحقون |
279144 |
145803 |
133341 |
% |
59.4 |
60.7 |
58 |
جملة السكان |
793812 |
409193 |
384619 |
19- 24 |
|
|
الملتحقون |
261405 |
142971 |
118434 |
% |
|
|
|
|
|
|
الريف:
النوع |
نمط الحياة |
النوعين |
ذكور |
إناث |
12-Jul |
جملة السكان |
3E+06 |
1E+06 |
1E+06 |
الملتحقون |
1E+06 |
771217 |
569212 |
% |
51.6 |
57.1 |
45.6 |
15-Mar |
جملة السكان |
982117 |
510071 |
5E+06 |
الملتحقون |
499230 |
297875 |
201355 |
% |
50.9 |
58.4 |
42.7 |
جملة السكان |
857878 |
173820 |
441406 |
16- 18 |
الملتحقون |
289785 |
416472 |
115965 |
% |
23.8 |
41.7 |
26.2 |
جملة السكان |
1E+06 |
479946 |
631117 |
19- 24 |
الملتحقون |
152510 |
94504 |
58006 |
% |
|
|
|
|
كما تشير نسب الاستيعاب للتلاميذ في مرحلة الأساس والثانوي خلال الأعوام 2001- 2006م (12) أيضًا إلى ضعف البناء التربوي الذي يمكن أن يولد معدلات عالية من الفاقد التربوي بالرغم من التطور الملحوظ في نسب الاستيعاب السنوي.
جدول رقم (2) يوضح الاستيعاب بمرحلة الأساس للأعوام 2001-2006م
الأعوام
|
ذكور%
|
إناث%
|
المجموع
|
200-2002م
|
61.8
|
53.2
|
57.6
|
2002-2003م
|
62.9
|
53.2
|
59.6
|
2003-2004م
|
73.3
|
62.2
|
76.8
|
2004-2005م
|
68.6
|
48.7
|
63.7
|
2005-2006م
|
67.4
|
61.4
|
46.5
|
جدول رقم (3) يوضح الاستيعاب بالمرحلة الثانوية للأعوام 2001-2006م
الأعوام
|
ذكور%
|
إناث%
|
المجموع
|
2001-2002م
|
2.3
|
23.0
|
21.7
|
2002-2003م
|
22.4
|
21.8
|
22.1
|
2003-2004م
|
25.8
|
25.9
|
25.9
|
2004-2005م
|
26.2
|
26.1
|
26.1
|
2005-2006م
|
26.5
|
24.5
|
25.5
|
وإذا نظرنا إلى ظاهرة الفاقد التربوي من خلال وجودها في الولايات نجد أن إحصاءات العام 2003-2004م الصادرة من وزارة التعليم العام تشير إلى أن أربعة ولايات تتصدر قائمة التسرب أو الفاقد التربوي في مرحلة الأساس وهي النيل الأزرق، البحر الأحمر، غرب دارفور، الولاية الشمالية على التوالي وهذا لا يعني أن بقية الولايات لا تعاني من هذه الظاهرة بما فيها ولاية الخرطوم.
عوامل وأسباب الفاقد التربوي
يعزى الفاقد التربوي في الغالب إلى المشكلات التربوية والاجتماعية والاقتصادية والشخصية وهذه العوامل ربما تكون متداخلة أحيانًا. ويلاحظ ازدياد معدل الفاقد التربوي في مراحل التعليم العالي ويعزى ذلك لعدد من العوامل مثل المستوى الاقتصادي للأسر وتدني كفاءة البيئة الداخلية للنظام التعليمي، وقلة معدلات الوعي الاجتماعي لبعض الأسر. وفي ظل التدفق المستمر للفاقد التربوي نجد أن الطاقة الاستيعابية لمراكز التلمذة الصناعية والتدريب الحرفي متدنية وتفي باستيعاب أقل من 1% من الفاقد التربوي كما وأنه وفي ظل نظرة المجتمع غير الودية للعمل اليدوي نجد أن هناك إحجاما من قبل الفاقد التربوي للانخراط في هذا النوع من التدريب.
أولا: الأسباب التربوية:
من الأسباب المؤدية إلى الفاقد التربوي عدم كفاءة البيئة التربوية التي تتمثل في الإدارة المدرسية والمعلمين وطرق التدريس ونظام الاختبارات والمعدات المدرسية والإرشاد الطلابي. وإذا نظرنا إلى هذه العوامل ومدى تأثيرها على الفاقد التربوي نجدها تمثل أساس البناء للنظام التربوي وكلما كانت هذه العوامل قوية ومتوازنة يمكن أن تحصل على نسب أقل من الفاقد التربوي. فمثلا تجفيف الداخليات في المدارس الثانوية والأساس خاصة في الأرياف أدى تسرب أعداد كبيرة من التلاميذ من المدارس وكذلك فرض الرسوم الدراسية وبعض الخدمات على الآباء بالرغم من الإعلان عن التعليم المجاني، هذا بالإضافة إلى تغيير المناهج من فترة لأخرى وعدم التأهيل المستمر للمعلمين وتوفير الإجلاس المناسب بالمدارس... الخ، كلها أسباب مؤدية إلى تزايد ظاهرة الفاقد التربوي. ولعل الشكوى الملازمة للجهاز التعليمي في السودان تتركز أساسًا في عدم مسايرته لحاجة البلد الموضحة في خطط التنمية المختلفة وأنه نظري في مراحله الابتدائية وحتى العليا وكذلك ضعف المناهج التعليمية وعدم التوافق بينها ومتطلبات سوق العمل هذا بالإضافة إلى عدم وجود خطة واضحة للاهتمام بمستقبل التلميذ منذ دخوله الابتدائية وحتى تخرجه من المرحلة العليا أو تخلفه في أي مرحلة أخرى.
ثانيا: الأسباب الاجتماعية:
هناك أسباب اجتماعية كثيرة تؤدي إلى الفاقد التربوي أهمها تفشى الجهل والأمية في المجتمع، وعدم تقدير أهمية التعليم كما تنظر بعض المجتمعات المحلية إلى أن البنات يتم إعدادهن للزواج المبكر بدلًا من الاستمرار في التعليم، وبالتالي فإن الحاجة لهن أكبر للقيام بالأعمال المنزلية مما يؤدي في النهاية إلى عدم رغبة في مواصلة التعليم. كما تنظر بعض الأسر إلى عدم جدوى التعليم لطول الفترة التي تحصل فيها على مردود اقتصادي عندما يتخرج أبنائها.
كما تؤدي نظرة المجتمع السلبية إلى بعض المهن اليدوية والفنية التي يتم الأعداد لها من خلال المساق الفني والتدريب المهني إلى تسرب أعداد كبيرة من التلاميذ والبحث عن سبل أخرى للكسب. هذا بالإضافة إلى أسباب الطلاق والتفكك الأسري.
جدول رقم (4) يوضح الأسباب التي أدت ببعض الفتيات إلى ترك المدرسة بالولايات
الولاية
الأسباب
|
الخرطوم
|
الوسطي
|
الشمالية
|
الشرقية
|
جنوب كردفان
|
دارفور
|
عدم الرغبة في مواصلة التعليم
|
22.2
|
15.5
|
12.1
|
24.2
|
12.4
|
12.1
|
الحاجة للبنت في القيام بالأعمال المنزلية
|
28.4
|
15.5
|
19.9
|
12.1
|
11.7
|
19.9
|
الزواج المبكر
|
11.9
|
5.4
|
13.2
|
11.8
|
10.4
|
13.2
|
التعليم غير مهم بالنسبة للبنات
|
0.9
|
1.2
|
6.8
|
6.2
|
1.7
|
6.2
|
ثالثا: الأسباب الاقتصادية:
تتمثل أهم الأسباب الاقتصادية للفاقد التربوي في ارتفاع معدلات الفقر في جميع ولايات السودان خاصة المناطق الريفية ولذلك نجد كثير من الأسر تستعين بأبنائها في المدارس أو في سن المدرسة لمساعدتها في توفير أسباب المعيشة (عمالة الأطفال). وبالتالي فإن الفقر وانخفاض مستويات المعيشة ودخول الأسر تعد من أهم الأسباب المؤدية إلى تسرب الأطفال من المدارس وتدهور العملية التربوية، مثلا ولاية البحر الأحمر اضطرت إلى إعلان برنامج الغذاء مقابل التعليم (المدارس) لمعالجة الظاهرة.
رابعا: الأسباب الشخصية:
هناك أسباب ذاتية ترتبط بشخصية التلميذ أو الطالب تتمثل في استعداداته ومهاراته وقدراته النفسية والعقلية والصحية. وقد أثبت عدد كبير من الدراسات وجود ارتباط واضح بين بعض السمات الشخصية للطالب وبين التسرب من التعليم، وهي ترتبط إلى حد كبير بالنواحي الوجدانية واتجاهاته وسلوكياته.
خامسا: الظروف الطبيعية والحروب والنزوح والهجرة:
أدت الحروب والظروف الطبيعية في كثير من ولايات السودان إلى هجرة ونزوح واسع خاصة ولايات دارفور والنيل الأزرق، مما تسبب في عدم الاستقرار الأمر الذي أفرز أعداد كبيرة من الفاقد التربوي والمتسربين من المدارس.
آثار الفاقد التربوي على المجتمع وأمنه
تترتب على ظاهرة الفاقد التربوي آثار أمنية واجتماعية واقتصادية وثقافية كثيرة نتناولها في الموضوعات التالية:
1- الفاقد التربوي والأمية:
يعتبر الفاقد التربوي بأشكاله المختلفة سواء كان في شكل عدم التحاق الأطفال من هم في سن المدرسة أو التسرب من المدرسة في الصفوف الأولي أو غيره من أهم الأسباب المؤدية لظاهرة الأمية في المجتمع بأنواعها المختلفة كما للفاقد التربوي دور كبير في ارتداد من تركوا المدرسة إلى الأمية وبالتالي فكلما ازدادت أعداد الفاقد التربوي تزداد معدلات الأمية في المجتمع؛ الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف نماء وتطور ذلك المجتمع ومدعاة لتخلفه ولذلك تأتي أهمية التوسع في إنشاء مراكز محو الأمية للمتسربين الذين ارتدوا لأمية وتدريبهم على مهن تمكنهم من المساهمة الفاعلة في المجتمع. وقد بلغت نسبة الأمية في السودان للفئات التي تتراوح أعمارهم ما بين 15-45 عامًا 47.3% في العام 2001م.
2- الفاقد التربوي والبطالة:
ينظر بعض الباحثين إلى ظاهرتي البطالة والفاقد التربوي بأنهما مكملان لبعضهما البعض وذلك لتحول الفاقد التربوي إلى عطالة مقنعة أو عطالة كاملة إذا لم يتم رعايته وتوجيهه وبالتالي فإن هناك آثار نفسية واجتماعية واقتصادية تقع على الأسرة والمجتمع وعلى الشخص نفسه من جراء عطالته وفقده التعليمي. وقد أثبتت كثير من الدراسات أن العطاله تزيد من التفكك الاجتماعي حيث يلجأ المتعطلون إلى الانعزال والانفصال عن جماعتهم الاجتماعية التي غالبا ما تنزل من قدرتهم وتقلل من شأنهم، ويميلون إلى مجموعات المتعطلين الذين يعانون من نفس الظروف وتميل تلك الجماعات بدورها إلى اكتساب اتجاهات وقيم جديدة يمكن اعتبارها ضد المجتمع. كما أشارت بعض الدراسات إلى احتمالات سلوك الفرد المتعطل التي تتمثل في احتمال زيادة النشاط في البحث عن العمل ولو كان العمل أقل من مستوى الطموح، والاحتمال الثاني أن يميل المتعطل إلى الجنوح كالسرقة. فالاحتمال الأول يعكس لحد كبير ضائقة سوق العمالة ويعكس الاحتمال الثاني مدى فداحة خسارة المجتمع من جراء إقدام بعض أفراده المتعطلين على الجريمة سعيًا وراء كسب المال.
3- الآثار النفسية للفاقد التربوي:
تظهر الآثار النفسية للفاقد التربوي في شخصية المتسرب وسلوكه في فقدانه الرؤية المستقبلية لنفسه ولغيره والمجتمع؛ وبالتالي يمكن أن يبتعد الفاقد التربوي عن المجتمع وغاياته وتدني أدواره الاجتماعية في المجتمع مما يؤدي إلى ضعف الإحساس بالوطنية وبنفسه، وبالتالي يصبح لا يملك صفات المواطن الصالح على النحو الذي ينشده المجتمع. كما يتسبب الفاقد التربوي في خلق معاناة لأسرته، وقلقًا متواصلا على مستقبله وشعورها بالفشل وخيبة الأمل من جراء إخفاق الابن برسوبه أو تسربه. كما ينعكس الفشل الدراسي على الحالة النفسية للتلميذ مما يجعله يعيش في دائرة مفرغة ربما تدفعه إلى النزعة الفردية والعدوانية والأنانية بقصد التعويض عن عدم التوافق.
4- الآثار الاقتصادية للفاقد التربوي:
بالرغم من أن الفاقد التربوي تترتب عليه خسارة اقتصادية كبيرة سواء كان بسبب إعدادهم «برنامج اليافعين، محو الأمية» أو التكلفة المالية التي أنفقها المجتمع على هؤلاء المتسربين إلا أن هناك آثارًا اقتصادية أخرى خطيرة تترتب على الفاقد التربوي مثل الفقر الذي سيلازمه فترة طويلة ولربما إلى الأبد وبالتالي يمكن القول إن الفاقد التربوي يمكن أن يزيد من أعداد الفقراء في المجتمع كما يؤدي ضعف التنمية، إلى التخلف الاقتصادي باعتبار أن التعليم هو الطريق إلى التنمية والاستقرار. كما يؤدي الفاقد التربوي إلى عدم فعالية القوى العاملة في المجتمع مما يؤدي إلى ظاهرة العطاله المقنعة أو العمالة غير المهرة أو العمالة الهامشية؛ وبالتالي يمكن القول إن الأعداد المتزايدة للفاقد التربوي يمكن أن تزيد من معدل التبعية الاقتصادية في المجتمع كما تعزى ظاهرة الفاقد التربوي أيضا قضية اجتماعية اقتصادية أخرى هي «عمالة الأطفال».
5- التسول والتشرد والفاقد التربوي:
تشير الإحصاءات إلى أن 69% من المتشردين بولاية الخرطوم خلال الأعوام 85- 2001م ثم كان سبب التشرد هو عجز الأسر عن دفع الرسوم الدراسية وأن نصف أطفال الشوارع تتراوح أعمارهم ما بين 15- 19 عامًا تقريبًا، وبالتالي فإن الفقر والرسوم الدراسية يلعبان دورًا أساسيًا في ظاهرة التشرد والفاقد التربوي في المجتمع. ويترتب على ظاهرتي التشرد والتسول آثارًا اجتماعية وأمنية واقتصادية خطيرة باعتبارهما قضيتان مزدوجتان ومتلازمتان، مما يزيد من آثارهما على المجتمع وبالتالي ينبغي معالجة الفاقد التربوي في المجتمع لتقليل أعداد المتسولين والمتشردين، وتحويلهم إلى مواطنين صالحين ومساهمين في المجتمع من خلال تفعيل الخطط التعليمية وبنود الدستور الانتقالي لعام 2005م الذي ينص على كفالة الدولة لمجانية التعليم وإلزاميته في مرحلة الأساس وبرامج محو الأمية وإتاحة فرص تعليم أساس جيد النوعية ومتميز للجميع يراعي مبدأ التوازن في المدخلات التعليمية... الخ.
6- المشاركة في الحروب والنهب المسلح:
يعزى كثير من الباحثين قضيتي النهب المسلح وتفاقم الحروب في دارفور والنيل الأزرق وغيرها من المناطق إلى الفاقد التربوي من خلال ربطهما بسياسة تجفيف الداخليات التي عانى منها الكثير من الطلاب في دارفور وبعض المناطق الأخرى في السودان في المدارس الثانوية والأساس. «وسياسة تجفيف الداخليات خلقت مشكلة كبيرة لا يزال السودان يعاني منها، وهي قضية النهب المسلح في دارفور حيث جعلت هذه السياسة كثيرًا من الطلاب يخرجون من المدارس، وأدى هذا إلى زيادة الفاقد التربوي الأمر الذي أدى إلى اتجاه كثير من الطلاب إلى النهب المسلح والتي أصبحت فيما بعد مشكلة تعاني منها البلاد والتي بدورها أدت إلى أن تكون نواة لحركات التمرد في دارفور».
الفاقد التربوي وانحراف الأحداث والجريمة
أشارت دراسة حديثة إلى أن المستوى التعليمي للأحداث منخفض حوالي 60% كان مستواهم التعليمي في مرحلة الأساس، ولكن الأغلبية منهم انقطعوا عن التعليم منذ فترات زمنية مختلفة وأن نسبة 30% من الأحداث حسب العينة لم تتلقى أي تعليم، وتعيش أمية كاملة، وإذا نظرنا إلى نسبة الأميين الذين درسوا مرحلة الأساس وسط الأحداث نجد أنها تمثل حوالي 90% وهي نسبه كبيرة وهذا يدل على أن انخفاض المستوى التعليمي للأحداث له علاقة وطيدة بالفاقد التربوي الذي يسهل عملية التهيؤ للإصابة بالأمراض الاجتماعية، ومن ضمنها جنوح الأحداث. وأشارت الدراسة إلى أن حوالي 37% من الأحداث يتعاطون المخدرات خاصة السلسيون وهم غالبا الأحداث المتشردين في الأسواق الذين لا توجد عليهم رقابة أسرية. وإن الأحداث يرتكبون جرائم كثيرة أهمها السرقة 47%، القتل 13%، الاغتصاب 8%، الخمور 17%، أذى 5%، وجرائم أخرى 10% وبالتالي فإن معظم هذه الجرائم تؤثر على أمن المجتمع وعلى استقراره بصورة كبيرة.
وعموما يمكن القول أن للفاقد التربوي آثارًا خطيرة على أمن المجتمع وعلى استقراره نظرًا لأنه يترتب عليه مشكلات خطيرة مثل البطالة والفقر والأمية والتسول والتشرد والمشاركة في الحروب والنهب المسلح وانحراف الأحداث والجريمة وغيرها من المشكلات النفسية والاجتماعية والاقتصادية الأخرى مثل ضعف الانتماء القومي والوطني وتدني الأدوار والمكانة الاجتماعية في المجتمع... الخ.
الإجراءات المنهجية للدراسة
تحاول الدراسة الإجابة على سؤال رئيسي يتمثل في ماهية الآثار الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المترتبة على ظاهرة الفاقد التربوي على المجتمع وأمنه استقراره وكيفية معالجة تلك الآثار، وبالتالي تهدف الدراسة إلى التعرف على أهم الأسباب المؤدية إلى الظاهرة. واتبعت الدراسة منهج دراسة الحالة عن طريق العينة التصادفية واستعان الباحث بأدوات منهجية مختلفة مثل الاستبيان، الملاحظة، مقياس الاتجاهات الخماسي، وبعض الأساليب الإحصائية البسيطة.
تم اختيار محلية امبدة بولاية الخرطوم كدراسة حالة وذلك لحداثة المنطقة باعتبارها منطقة متداخلة ثقافيا وجغرافيا لسبب النزوح في فترة الثمانينيات من القرن الماضي، بالإضافة إلى وجود أسواق كثيرة تمارس أعمال هامشية مثل أسواق المواشي ودلالة العربات والمطاعم الشعبية... الخ. بلغ حجم العينة 50 مفردة تم توزيعها على خمس مناطق هي:
سوق ليبيا، سوق أبو زيد، منطقة قندهار، دلالة العربات، سوق المواشي. بواقع 10 استمارات لكل منطقة. يتكون الاستبيان من ثمانية عشر سؤالا غطت البيانات الأولية والعوامل المؤدية إلى للفاقد التربوي والآثار المختلفة للفاقد التربوي، وأخيرًا سؤال عن مقترحات المبحوثين لمعالجة المشكلة.
تحليل البيانات ومناقشة النتائج
النوع والفئات العمرية لأفراد العينة:
اتضح من الدراسة أن أفراد عينة الدراسة من الجنسين (ذكور وإناث) ممثلين في عينة الدراسة بنسب متقاربة 54% ذكور و46% إناث وبالتالي يمكن القول بأن الفاقد التربوي لا يرتبط بالنوع وإنما يرتبط بالوضع الاقتصادي والأسرى لأفراد العينة الذي يسمح بعمل النساء والأطفال، ربما يرجع لطبيعة الأعمال التي كانوا يزاولونها في مناطقهم الأصلية قبل نزوحهم لمنطقة الخرطوم. وتشير الفئات العمرية لأفراد العينة إلى أن 62% منها تقع أعمارهم بين 16-18 سنة من الجنسين.
المستوى التعليمي والمهنة والوطن الأصلي للأفراد العينة:
تؤكد نتائج الدراسة بأن 50% من أفراد العينة تلقوا تعليمًا أساسيًا فقط، وأن عينة الدراسة انتظمت في السلم التعليمي ولكن الظروف المختلفة لم تمكنهم من مواصلة تعليمهم ولذلك ترك أغلبية أفراد العينة المدرسة من مرحلة الأساس والمرحلة المتوسطة خاصة في الفصل الرابع والخامس والسادس. كما يوجد من بين أفراد العينة 22% أميون ويقرؤون ويكتبون فقط. ويلاحظ هناك تناسب بين مستوى التعليم ونوع المهنة التي يمارسونها التي تتمثل في أعمال النظافة وغسيل العربات وعمال في المطاعم (ذكور وإناث)، كمساري، بائعات شاي بالنسبة للإناث. وعاملين في زريبة المواشي وعاملات في البيوت وغيرها من الأعمال الهامشية.
أما من حيث توزيع أفراد العينة حسب الوطن الأصلي نجد أنها تكاد تغطي كل ولايات السودان ولايات كردفان، الولايات الوسطي، ولايات دارفور، ولاية الخرطوم ولايات الجنوب، ولاية النيل الأزرق (46%، 26%، 14%، 10%، 6%، 4%، على التوالي) وبالتالي يمكن القول أن الفاقد التربوي يوجد في كل ولايات السودان بغض النظر عن الريف أو الحضر.
مهنة الوالدين والحالة العامة للأسرة وحجم الأسرة:
توضح النتائج أن معظم أولياء أمور أفراد العينة (العائل أو الوالدين) أحياء أو على قيد الحياة ولم يتمكنوا من مساعدة أبنائهم لمواصلة دراستهم بالرغم من مساهمتهم في تربيتهم. ولذلك تبين النتائج أن 90% من الأسر استفادت من عمل أبنائهم عن طريق مساعدتهم عن طريق المصاريف (84%) ومساعدة الأخوة في المدارس (10%) وغيرها من أنواع المساعدات وذلك ربما يرجع إلى أن وظائف أولياء أمور أفراد العينة إما أن تكون هامشية أو عاطلين عن العمل، كما أشارت نتائج الدراسة (انظر الجدول رقم 10) ولذلك جاءت نتائج الحالة العامة للأسرة سيئة الحال (82%) لغالبية عينة الدراسة. وتشير النتائج أيضا إلى أن حجم الأسرة كبير لأفراد العينة حيث نجد 62% منهم يؤكدون أن عدد الأشقاء في الأسرة حوالي (1-5) أشقاء، هذا بالإضافة إلى أن 26% منهم يؤكدون أن عدد الأشقاء في الأسرة حوالي (6-10) وعمومًا فإن متوسط عدد أشقاء في عينة الدراسة ما بين (1-7) للأسرة الواحدة.
أسباب ترك أفراد العينة للدراسة ومرحلة التسرب:
تشير نتائج الدراسة إلى أن هناك أسباب كثيرة تسببت في الفاقد التربوي لأفراد العينة أهمها كثرة الرسوم الدراسية التي تمثل السبب الأساسي بنسبة 48% يليها أسباب تتعلق بمساعدة الأسرة 24% بالإضافة إلى الأسباب الأخرى تمثل 22% بالإضافة إلى 6% لأسباب مرضية. ويلاحظ أن هذه الأسباب التي تسببت في ترك الدراسة ترتبط بالحالة العامة لأسرة المبحوثين التي تتميز بالضعف وعدم القدرة على مساعدة الأبناء لمواصلة دراستهم. وتشير الدراسة إلى أن أغلبية أفراد العينة تركوا الدراسة في الصف السادس (18%) ثم يلي الصف الخامس (16%) ثم الرابع والثالث (12%) بالنسبة لمرحلة الأساس. أما المرحلة الثانوية فإن معظم أفراد العينة تركوا الدراسة في الصف الثاني. وتؤكد الدراسة أن 44% من أفراد العينة يؤكدون وجود شخص في الأسرة ترك المدرسة للظروف الاقتصادية والأسرية.
رغبة أفراد العينة في العودة للمدرسة وإحساسهم بالمشكلة:
وحول رغبة أفراد العينة للعودة للدراسة نجد أن (98%) منهم يؤكدون رغبتهم في العودة للدراسة لمواصلة تعليمهم وهذا ربما يشير إلى الظروف القاهرة جعلتهم يتركون الدارسة دون إرادتهم وهم في سن الدراسة (80%) ويحسون أيضا بضياع المستقبل (20%).
الفاقد التربوي والجريمة والنهب المسلح والحروب الأهلية:
تشير نتائج الدراسة إلى أن أغلبية أفراد العينة يؤكدون على أن الفاقد التربوي يؤدي إلى ارتكاب الجريمة (96%). كما تشير أيضا إلى أنهم يؤكدون على أن الفاقد التربوي يؤدي إلى انضمام الشخص إلى الجماعات المسلحة وجماعات النهب المسلح (94%) بسبب البطالة والفراغ أو عن طريق استغلالهم لتدني وعيهم التعليمي. وبالتالي تؤكد نتائج الدراسة الإجابة على التساؤل الذي يتعلق بمدى العلاقة بين الحروب الأهلية والنهب المسلح بالفاقد التربوي.
البطالة والتشرد وجرائم الأحداث والفاقد التربوي:
يؤكد كل أفراد العينة (100%) أن الفاقد التربوي يؤدي إلى تشرد من هم في سن الدراسة، كما يؤكدون أيضًا أن الفاقد التربوي يؤدي انحراف إلى الأحداث والحقد على المجتمع (100%) بالإضافة إلى تأكيد أفراد العينة على أن الفاقد التربوي يؤدي إلى البطالة والاتكال على الآخرين ويزيد من معدل التبعية في المجتمع (84%) بينما يجري (14%) منهم بأن الفاقد التربوي لا يؤدي إلى ذلك ومن خلال نتائج الدراسة توجد علاقة بين البطالة والتشرد وجرائم الأحداث والانحرافات السلوكية والفاقد التربوي.
الفاقد التربوي وضعف الانتماء الوطني والقومي:
اتضح من خلال تأكيد عينة الدراسة أن (96%) منهم يؤكدون أن الفاقد التربوي يجعل الشخص ضعيف الانتماء الوطني بينما يرى 4% فقط غير ذلك. وإذا ربطنا بين تأكيدات أفراد العينة حول دور الفاقد التربوي في الحقد على المجتمع وانضمام الأفراد إلى الجماعات الخارجة على النظام في شكل جماعات نهب مسلح أو جماعات مسلحة يمكن القول بأن الفاقد التربوي يؤدي إلى أضعاف الانتماء الوطني وعدم تقدير المصلحة العامة.
الفاقد التربوي وتدني المكانة والأدوار الاجتماعية في المجتمع:
تشير نتائج الدراسة إلى أن الفاقد التربوي يؤدي إلى تدني الذات وعدم الثقة في النفس (100%) لتدني فرص العمل والفرص المستقبلية له ولأسرته سواء بسبب ارتداده للامية التي يؤكد أفراد العينة احتمال حدوثها بنسبة (96%) أو انحرافه أو اتكاله وتبعيته اقتصاديًا لآخرين (84%) أو نوع المهمة التي يمارسها والمشاركة العامة في المجتمع.
ضعف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والفاقد التربوي:
يؤكد أفراد العينة إلى أن الفاقد التربوي يؤدي إلى التخلف وضعف التنمية (98%) بينما لا يوافق 2% على ذلك. كما يرى أفراد العينة أن الفاقد التربوي يؤدي إلى زيادة الأشخاص غير الفاعلين في المجتمع والذين يعتمدون على غيرهم أو تتدني كفاءتهم بسبب قلة التعليم أو الأمية. بالإضافة إلى أنه يؤدي إلى عدم كفاءة العملية التعليمية ويهدر المال العام (100%) بسبب الإنفاق والتكاليف العالية للتعليم والتي لا يؤدي إلى تحقيق أهداف المجتمع من التعليم.
الطلاق والهجر والفاقد التربوي:
يؤكد (66%) من أفراد العينة أن الطلاق أو انفصال الوالدين والهجر يؤديان إلى ظهور الفاقد التربوي، بينما يرى 34% منهم غير ذلك. وبالتالي يمكن النظر للطلاق بأنه عامل ذو أثر مزدوج يؤدي في كثير من الأحيان إلى التشرد والانحراف وارتكاب الجريمة وغيرها من المشكلات بالنسبة للأطفال.
العادات والتقاليد في تعليم البنات والفاقد التربوي:
يرى (88%) من أفراد العينة أن العادات والتقاليد السائدة في المجتمع التي تتعلق بتعليم البنات تؤدي إلى الفاقد التربوي لأسباب مختلفة مثل الرغبة في الزواج المبكر وإعداد النساء كربات بيوت فقط.. الخ. بينما يرى 12% منهم غير ذلك. ويمكن النظر للآثار المستقبلية لأوضاع النساء في المجتمع إذا كانت العادات والتقاليد لا تحفز على تعليم البنات وبالتالي يمكن توقع استمرار ظاهرة الفاقد التربوي في المجتمع.
مجانية التعليم وإلزاميته والفاقد التربوي:
يؤكد (96%) من أفراد العينة أن عدم مجانية التعليم الأساسي وعدم والزاميتة يؤدي إلى الفاقد التربوي، بينما يرى 4% فقط منهم غير ذلك. وهذا ما يؤكده أفراد العينة أن 50% فقط منهم تلقى تعليمًا أساسيًا بالرغم من انتظامهم في السلم التعليمي. كما تشير إفادات أفراد العينة أن 48% منهم ترك الدراسة بسبب كثرة الرسوم الدراسية المفروضة في المدارس بالرغم من رغبتهم في الاستمرار في الدراسة وتأكيد القوانين الرسمية في الدولة على مجانية التعليم وإلزاميته في مراحل الأساس. ويقترح أفراد العينة أن مجانية التعليم يمكن أن تكون المعالجة المناسبة لظاهرة الفاقد التربوي.
الفقر الأسري والتوجيه والفاقد التربوي:
تشير نتائج الدراسة إلى أن الفقر الأسري يؤدي إلى الفاقد التربوي بنسبة 100%. كما يؤكد (88%) من أفراد العينة أيضًا على أن عدم وجود التوجيه وأمية الأسرة يؤديان إلى الفاقد التربوي بينما يرى 12% منهم غير ذلك. ويقترح أفراد العينة على ضرورة تقديم العون المادي لأسرهم للخروج من دائرة الفقر وتوفير فرص عمل لآبائهم.
النتائج:
- أن الفاقد التربوي يرتبط ارتباطًا وثيقا بالأوضاع الاقتصادية والأسرية وليس بالنوع (ذكور وإناث).
- أن الفاقد التربوي وسط أفراد العينة تنحصر أعمارهم بين 10-18 سنة.
- أن أفراد العينة انتظموا في السلم التعليمي وترك بعضهم المدرسة في مرحلة الأساس والمتوسطة في الفصل الرابع والخامس والسادس.
- هناك تناسب بين مستوى تعليم أفراد العينة ونوع المهن التي يمارسونها.
- تنتشر ظاهرة الفاقد التربوي في معظم ولايات السودان بغض النظر عن المناطق الريفية أو الحضرية.
- تؤكد الدراسة أن معظم أولياء أمور أفراد العينة أحياء أو على قيد الحياة ولم يتمكنوا من مساعدة أبنائهم لمواصلة تعليمهم.
- استفادت أسر أفراد العينة من عمل أبنائهم في مقابلة المصاريف اليومية ومساعدة إخوتهم الآخرين في المدارس.
- تشير الدراسة إلى سوء الحالة الأسرية العامة لأفراد العينة، وأن متوسط عدد الأشقاء في الأسرة يتراوح بين (1-7 أفراد) للأسرة الواحدة.
- تمثل كثرة الرسوم الدراسية أهم العوامل التي تؤدي إلى ترك الدراسة تليها أسباب تتعلق بمساعدة الأسرة.
- يؤكد معظم أفراد العينة رغبتهم في العودة للدراسة لمواصلة تعليمهم ويحسون بالألم وضياع المستقبل.
- يؤدي الفاقد التربوي إلى ارتكاب الجريمة والانضمام إلى جماعات النهب المسلح.
- يؤدي الفاقد التربوي إلى البطالة والتشرد وجرائم الأحداث والاتكال على الآخرين ويزيد من معدل التبعية في المجتمع.
- يتسبب الفاقد التربوي في إضعاف الانتماء الوطني وعدم تقدير المصلحة العامة.
- يؤكد أفراد العينة أن الفاقد التربوي يؤدي إلى تدني المكانة والأدوار الاجتماعية في المجتمع.
- الفاقد التربوي يسبب التخلف وإضعاف التنمية في المجتمع.
- هناك أثر للفاقد التربوي على العملية التعليمية بسبب إهدار المال العام وعدم تحقيق أهداف المجتمع من التعليم.
- عدم مجانية التعليم تؤدي إلى ترك الأطفال للدراسة.
- هناك تأثير للعادات والتقاليد التي تتعلق بتعليم البنات على ظاهرة الفاقد التربوي.
- يلعب الطلاق والهجر دورًا أساسيًا في ظاهرة الفاقد التربوي المركبة.
- تعاني أسر أفراد العينة من الفقر ويعتمدون على أبنائهم في المعيشة.
التوصيات:
- تطبيق مجانية التعليم وإلزاميته في التعليم العام، وإلغاء جميع أشكال الرسوم الدراسية في المدارس.
- محاربة العادات والتقاليد التي تعوق تعليم البنات في المجتمع.
- تشجيع الأسر والمجتمعات المحلية من خلال محفزات خدمية وعينية؛ مثل برنامج التعليم مقابل الغذاء، أو مقابل الحيوان، أو مقابل تشغيل ولي الأمر وإنشاء الداخليات المدفوعة.
- منع استغلال الأسر لأطفالهم من خلال تطوير آليات مراقبة تشغيل الأطفال في المجتمع.
- الالتزام بتطبيق المعايير الدولية في مجال التعليم العام؛ ليس من أجل الوفاء بالالتزامات الدولية بل من أجل تحقيق التنمية البشرية في المجتمع.
- تشجيع الصناديق الاجتماعية في توفير تمويل أصغر للأسر التي لديها أطفال بالمدارس والأساس.
- زيادة الإنفاق على التعليم العام وإعطائه الأولوية القصوى في الصرف.
- إنشاء مراكز رصد الفاقد التربوي بالمركز والولايات.
- إنشاء مراكز للتوجيه الأسري في الأحياء السكنية وربطها بوحدة حماية الأسرة والطفل.
- إدخال نظام المرشدين والأخصائيين الاجتماعيين في مدارس الأساس.
.