Business

عبده دسوقي يكتب: الشباب وقصة غلام

 

الشباب في كل عصر ومكان هم عماد الأمة، ومبعث فخرها، ورمز قوتها، ولذا اهتم الإسلام بالشباب اهتمامًا عظيمًا؛ حيث قامت نهضة الإسلام من قبل على أكتافهم وسواعدهم.

فالله أكبر نداؤهم، والجهاد سبيلهم، والموت في سبيل الله أسمى غاياتهم، ولا يُمكن للشباب أن يقوموا بدورهم، ويَنهضوا بمسؤوليَّاتهم، ويؤَدوا رسالتهم- إلاَّ بعد أن تكتملَ شخصيَّتهم العلميَّة والدعويَّة والاجتماعية على حدٍّ سواء.

ويشهد هذا الزمان حرب شعواء على الشباب، فتأتيه سهام الغدر من كل صوب، للنيل من إرادته وإقعاده عن استكمال مسيرته، ولقد فجعنا بانسياق الكثيرين خلف شعارات كاذبة، وصيحات براقة، ومن صمد غيب خلف المحن، وأرهقته الخضوب، أو سود في التراب دفينا.

لقد كان الشباب في كل قبيلة وفي كل مدينة مصدر عزها، حتى جاء الإسلام فزاد من عزتهم وصلابة قلوبهم، وقوة إيمانهم، فانطلقت ألسنة صحابة الرسول ﷺ مزلزلة أمام العداء بهذا النداء: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله».

هذه الكرامة التي لخص أهدافها ربعي بن عامر أمام رستم قائد الفرس حينما صدع بها مجلجلة: «لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة».. فيا شباب أمتنا هذه غايتكم التي حددها لكم دينكم، ورسم الطريق بها أمامكم، وذلل السبل بها أمامكم، ورفع من شأنكم وقدركم بها أمام أعدائكم، فلما نعطى الدنية في ديننا.

لقد كان فيما قبلنا غلام عاش وسط أهله وقومه، وسعى على العلم لدى من اختاره له ملكه فكان مع الساحر الذي أفاض عليه من عمله، وأسرّ له بأسراره، وفتح له كنوز علمه، ليخلفه بعد رحيله عند الملك فينال الحظوة، ويكن مسموع الكلمة.

لكن ما أن أضاءت قناديل الهدى في قلبه حينما التقى بمن دله على ربه تناسى القلب ما أشرب من سحر وعقيدة زائفة، وانكب على تعاليم ربه ينهل منها، ويعرض لدى الساحر وأهله بأمره حتى يستطيع الاستزادة من أسرار هذا الدين الذي أضاء له قلبه وأحيا به صدره.

ثم كان الصمود والتضحية بالنفس حينما تأكد من رفعة الدين الذي يحمله، فوقف أمام الظالم صارخًا ربى الله، مضحيًا بكل زخارف الدنيا التي كانت تحيط به، معلنا بكل قوة: الله ربى لا رب سواه.

فسمت عنده الغاية وترسخت الأهداف، وانجلت الغشاوة عن عينه، ورغم الصعاب التي واجهها إلا أنه ظل واثقا.. متيقنًا من نصر ربه.

إن الحياة– أيها الشباب- لن تحمل دائما الورود والراحة فذلك مناقض لسنن الله الكونية التي قال سبحانه: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} (البلد:4)، فاعلموا أن المحن إثقالًا لقلوبكم، وتمحيصًا للغبن الذي يحيط بإيمانكم، فأعلنوها مدويةً: إنا إلى الله راغبون، وعلى الحق ثابتون، وكونوا كالغلام الذي ضحى بنفسه من أجل أن يعيش دينه ويرتفع، فاحرصوا في تربيتكم على:

  1. أن تتعرفوا على غايتكم الحقيقية من وجودكم، وادفعوا بأنفسكم لتكونوا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
  2. الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر– دون غلو- مع تعلم أخلاقيات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حتى تصبحوا شامة وسط الناس فتقبَل نصائحكم ويستجاب لكلامكم.
  3. تفاءلوا بالنصر واقطعوا من إحساسكم دابر اليأس والقنوط، فبالرغم مما يحدث للإسلام ولكم إلا أن الإسلام حثنا على التفاؤل والثقة التامة بموعود الله سبحانه، قال تعالى: ﴿وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ [يوسف: 87].
  4. لابد أن تدرك الأخطار التي يتعرض لها الإسلام وأهله، ولا تقل ما حيلتي، وماذا أفعل وسط كل ذلك، وغيرها من كلمات اللامبالاة التي تتملك البعض أحيانا.
  5. استحضار القدوة العملية من صحابة رسول الله ﷺ، ومن شباب أعلى الله شأنهم وسط الناس بعلمهم وجهادهم وخلقهم والذي لم يعيقه لغة أو عرق؛ فانطلق يذود عن دين ربه، فقد حمل زيد بن ثابت مهمة جمع القرآن من صدور الرجال ونقش الأحجار ومن الجذوع والجلود، ونهض الشاب البخاري بجمع صحيح السنة، وكان قطز خير الشباب وزخر التاريخ بسير هؤلاء الأفذاذ، فلما لا تكون واحد مثلهم بسمو غايتك وجهد وعملك.. ولا تكن ممن يولدون ويموتون ولا يُسمع عنهم إلا يوم ينادى عليهم المنادي.

إن شباب اليوم يمرون بعقبات متعددة، وتحيط بهم مدلهمات خطيرة، وتكتنفهم تيارات عديدة أكثر مما أحاط بشباب الأمس، لأنه قد رُكِّز نحوهم غزو متعمد، بقصد بلبلة أفكارهم، ونصبت لهم الشباك بطرق شتى لمباعدتهم عن دينهم، وتشكيكهم في قدرة شرائعه على حل ما يعترضهم، ومحاولة صم آذانهم عن فهم تعاليمه فهمًا صحيحًا، أو أخذها من مصادرها الموثوقة.

ولذا فإن الحماية من تلك الأخطار تحتاج إلى جهد يبذل، وعمل يتواصل، وجهود تتضافر، مع فهم عميق، وإدراك وروية.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم