ليس التطور مقصورًا على الآلات والتكنولوجيا، بل رهين بتطور الإنسان ونموه وارتقائه، وهذا النهج يضع لبناته الحقيقية القادة وأصحاب القرار في كل قطاع وفي كل مكان؛ فالتطور والارتقاء الإنساني اليوم أصبحا ضرورة ملحة تتوقف على الإبداع والابتكارية في ظل بيئة محلية وعالمية تنافسية مستمرة ومتسارعة متجددة ومتغيرة.
وفى دراسة للباحثين أ.د. كوثر إبراهيم رزق– رئيس قسم علم النفس التربوي كلية التربية بدمياط– جامعة المنصورة بمصر، و أ.د. حسني هاشم السيد الحديدي– أستاذ مشارك الصحة النفسية– جامعة أم القرى بالسعودية، بعنوان: «القيادة التربوية المبدعة رهينة الارتقاء بالعملية التعليمية في المؤسسات التربوية»، تناولا فيها أهمية الدور الذي يلعبه القادة التربويون في مؤسساتهم التربوية في تحفيز وتنمية الإبداع لدى العاملين، وأهمية الإبداع وحاجة المؤسسات التربوية له في زمن متغير في بيئة متغيرة.
خصائص القيادة
إن نجاح أو فشل أي جماعة أو مؤسسة يعتمد إلى حد كبير على خصائص القيادة فيها؛ فالقارق بين المؤسسة الناجحة أو الفاشلة يرجع إلى طبيعة القيادة في كل منهما؛ لذا لابد أن يتوفر في القائد بعض الصفات العامة التي تمكنه من القيادة إلى جانب كفايته الفنية ومنها:
- القدرة على التأثير في الآخرين الذين يقودهم فيتمتع بقوة الشخصية والسيطرة والشجاعة والثقة بالنفس والطموح لتسلم زمام قيادة الآخرين.
- القدرة على الاتصال بالآخرين والتعامل معهم والقدرة على العمل الجماعي.
- القدرة على التخطيط والتنظيم.
- يتمتع بمستوى عالٍ من ذكاء وطلاقة اللسان وحسن التعبير وسعة الأفق وسعة التفكير وسداد الرأي؛ أكثر من أتباعه كما يتمتع بالاتزان العاطفي والنضج العقلي.
- حساسية المشاعر فيستطيع أن يعبر عما يشعر به، بل يشعر بالآخرين حتى في صمتهم وفهم إيماءاتهم.
- قوة المركز أو الهالة، وينبغي للقائد أن يوظف هذه القوة المتأصلة في مكانها بما يجعله قادرًا على تحقيق أهداف الجماعة.
وحددت الرابطة الأمريكية للإداريين التربويين مهام القيادة ويمكن تلخيصها فيما يلي:
- تضع الخطوات والإشراف على نتاج العمل التعاوني.
- ترشد البرنامج التعليمي وتميل إلى الاعتماد على المشاركة في اتخاذ القرار.
- تعطي فهمًا مشتركًا للأهداف المشتركة.
- تخلق تلاحمًا لا يمكن أن يتم التعاون بدونه.
- تنشئ بين العاملين بالمؤسسة التربوية الفهم المتبادل والولاء المشترك لمثاليات التربية.
- تولد إحساسًا إيجابيًا تجاه العمل وتوصي بالعمل من أجل إنجازه.
- تحل الخلافات التي تنشأ في المؤسسات التربوية بما يحقق مصلحة العمل فيها.
هذا وتتكون عملية القيادة من أربع مراحل هي:
- توزيع المهام، وتشمل: التخطيط والتوجيه والتعليمات.
- التنفيذ، ويشمل: التوجيه والرقابة والتفويض وتدعيم أداء المرؤسين.
- التقويم، ويشمل: الرقابة وتقويم العمل.
- التحفيز، ويشمل: مكافأة العاملين والمعلومات والتغذية الراجعة حول مدى أداء المرؤسين للأهداف المرجوة.
أنماط القيادة
تعددت أنماط القيادة لدى علماء الإدارة وعلماء علم النفس تبعًا لاختلاف شخصيات القادة والجماعات وذكروا تصنيفات مختلفة لأنماط القيادة وفقًا لوجهات نظرهم ومن هذه التصنيفات:
1- التصنيف حسب الإنجاز والعلاقات الإنسانية:
النوع الأول: ويتميز بقدرة كبيرة على الإنجاز، وعلاقات إنسانية جيدة؛ وهو النوع المثالي للقيادة.
النوع الثاني: ويتميز بقدرة كبيرة على الإنجاز، وعلاقات إنسانية محدودة؛ وهو يميل إلى النمط التسلطي مع قدرة على الإنجاز السريع، ترتبط بوجود القيادة وتتأثر بغيابها.
النوع الثالث: ويتميز بقدرة محدودة على الإنجاز، وعلاقات إنسانية جيدة؛ وهو نوع محبوب من القيادة على حساب مصلحة العمل والصالح العام.
2- التصنيف حسب الهيكل التنظيمي:
القيادة الرسمية: هي عملية التأثير على الآخرين لمتابعة الأهداف التنظيمية الرسمية؛ وتتم عن طريق الاختيار حسب أسس معينة أو التعيين.
القيادة غير الرسمية: هي عملية تأثير على الآخرين لمتابعة الأهداف غير الرسمية؛ التي قد تخدم أو لا تخدم مصالح المؤسسة، وهي تنشأ بلا انتخاب ولا تعيين بل من خلال التفاف أعضاء الجماعة حول شخص يحبونه ويتوحدون معه.
3- التصنيف حسب ابتكارية القائد:
القائد المبتكر: ويتسم بكل خصائص الإبداع حيث يفجر آفاقًا جديدة، ويفتح ميادين جديدة حتى يدخل كثير من الأفراد في هذه الميادين ليعملوا فيها.
القائد المطور: وهو يعتبر عامل مساعد ومعاون وعونًا للأفكار الجديدة التي يولدها الآخرون.
القائد المدعم: وهو يسمح ويشجع الآخرين من حوله على الإبداع، وبهذا يخلق مناخًا أكثر ملائمة من حوله.
القائد الصامت: وهو لا يتمتع بأي صفة مميزة حيث ينفذ ما يملى عليه من أوامر أو قواعد.
4- التصنيف حسب سلوك القائد:
أ- القيادة الأوتوقراطية: ويعرف هذا النوع من القيادة بأسماء مختلفة؛ كالقيادة العسكرية أو القيادة الاستبدادية أو التسلطية أو الديكتاورية أو الأرغامية أو التحكمية.
ب - القيادة الحرة: ويعرف هذا النوع من القيادة بأسماء مختلفة؛ كالقيادة المنطلقة أو القيادة غير الموجهة أو سياسة إطلاق العنان أو القيادة المتخلية أو القيادة الترسلية أو القيادة المتسيبة أو القيادة المتساهلة.
ج - القيادة الديمقراطية: ويطلق عليها عدة مسميات منها؛ القيادة المشاركة أو القيادة الاستشارية أو القيادة الإقناعية أو القيادة الجماعية أو القيادة التشاورية.
خصائص القيادة المبدعة
تعرف القيادة المبدعة على أنها تلك القيادة التي تساهم في إنتاج فكرة جديدة، أو منتج جديد، أو وضع نظرية، وطرق عمل جديدة، وقد يشمل ذلك إجراء التغيرات الملائمة لكي يكون المنتج النهائي بمواصفات وخصائص لم يعهدها السوق من قبل.
يعرف الأداء الإداري المبدع بأنه: «القدرة على ابتكار أساليب ووسائل وأفكار مفيدة للعمل بحيث تلقى هذه الأفكار والأساليب التجاوب الأمثل من قبل العاملين في المنظمات وتحفز ما لديهم من قدرات ومواهب لتحقيق الأهداف الإنتاجية بصورة أفضل»، وهذا يعني أن الإبداع عملية تتضمن ثلاثة عناصر متداخلة ومتشابكة:
العنصر الأول: يتمثل في الفكرة القيادية والرؤية المتميزة للإداري.
أما العنصر الثاني: فإنه يتمثل في تحريك وتشغيل وإذكاء مواهب ومهارات الأفراد والفريق.
والعنصر الثالث: يتمثل في استثمار نتائج هذه التركيبة وتحويلها إلى القنوات الإنتاجية الصحيحة مما يعمل على تطوير العمل.
يشير عبد المعطي عساف إلى أن الإبداع الإداري يمثل أحد الضرورات الأساسية والهامة لنمو المؤسسات وبقائها وتطورها واستمراريتها، ويذكر نماذج عديدة منها:
أنه عملية ينتج عنها عمل جديد ويرضي الجماعة حيث يقول سمبسون: «فهو العملية القادرة على تحقيق نوع من الانشقاق عن مسارات التفكير العادي لتقديم تصورات جديدة ومختلفة كلية».
وهو يركز على الإنتاج الإبداعي وحل المشكلات فالإبداع يسعى لتحقيق إنتاج يتميز بالجدية والملائمة وإمكانية التطوير.
ويركز على السمات والخصائص التي تميز الأشخاص المبدعين؛ وهناك من بين الباحثين الذي يركزون على مثل سمات: «المخاطرة– والاستقلالية– والمثابرة– والانفتاح– والطلاقة الفكرية– والأصالة والمرونة».
يركز على الإمكانية الإبداعية أو الاستعدادات النفسية الكامنة للإبداع وعلى اعتبار أن الإبداع استعداد كامن للتفوق والتميز.
يركز على المراحل الأساسية التي يمر بها الإبداع وهي: «مرحلة الإعداد– الاختمار– الإشراف– التحقيق».
ويؤكد ذلك حسين حريم على أهمية الإبداع الإداري كمورد قيم مهم ينبغي تعزيزه وتطويره وبقدر ما تولى المؤسسات اهتمامها وعنايتها لإدارة الإبداع بقدر ما سيكون لذلك تأثير بالغ على بقائها وازدهارها، فالمؤسسات تواجه تحديات كبيرة؛ كالعولمة والثورة المعلوماتية والتعامل مع قوى بشرية متعددة الجنسيات مما يحكم النظر للإبداع باعتباره وظيفة مثل الوظائف الأخرى، ويجب إدارة هذه الوظيفة بطرق مختلفة عن الوظائف الأخرى.
أما عبد المعطي عساف فيرى أن بيئة المنظمة تحتاج إلى محفزات للإبداع فمن خلال القيم التنظيمية المحفزة للإبداع الإداري، حيث تستطيع المنظمة أن تجعل كل فرد فيها قادرًا على العمل المبدع إذا هيئت له الثقافة القيم التنظيمية المبدعة.
يواجه الإبداع الإداري العديد من المعيقات، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة أو في المؤسسات التربوية التي تتداخل مع بعضها البعض، لأن ما ينطبق على الفرد قد ينطبق على الجماعة والمؤسسة التربوية باعتباره جزء منها، ومن ثم تؤثر بدورها سلبًا على أداء المديرين لأعمالهم، وعلى حل المشكلات التربوية بطريقة إبداعية، لذلك حظي موضوع معيقات الإبداع باهتمام الكتاب والباحثين. وتم التوصل إلى عدد من النتائج المتباينة فيما يتعلق بعدد هذه المعيقات وسماتها، وأن كان هناك تكامل فيما بينها، إلا أنه يكمن في أربع مجموعات هي: معيقات عقلية، وانفعالية، ودافعية (الخوف والتردد)، وتنظيمية.
الخصائص التي يتفرد بها القادة التربويون المبدعون
- رؤية مستقبلية واضحة تنعكس بدورها على وضوح الأهداف والأساليب، والوسائل المتبعة لتحقيق تلك الأهداف والرؤى.
- اعتماد مبدأ تفويض السلطات والصلاحيات وتمكين العاملين.
- تشجيع العاملين على طرح أفكارهم ومقترحاتهم.
- تشجيع العاملين على تحمل المسئولية وعلى المبادرة في حل المشاكل التي تواجههم.
- الثقة بالنفس، وبالتالي يمثلون قدوة صالحة للعاملين ونموذج يحتذى به.
- لديهم قدر جيد من الذكاء والخبرة في مجال أعمالهم.
- يملكون روح المبادرة وتشجيع الإبداع في منظماتهم.
- تمكين العاملين ومنحهم الثقة، والحرية في التصرف بالطريقة التي يرونها في ظل ثقافة من الإبداع والتميز.
وهذه الصفات ربما تساهم في خلق ممارسة قيادية داعمة للإبداع؛ وهناك من يقسم الخصائص التي يتفرد بها القادة المبدعون إلى خصائص عقلية وخصائص شخصية دافعية وخصائص معرفية نعرضها فيما يلي:
1- الخصائص العقلية:
وتتمثل في القدرة على إنتاج أكبر قدر من الأفكار الجديدة المفيدة في وقت محدد، والمرونة في التفكير، والقدرة على تغيير اتجاه التفكير بسهولة، لكي يستطيع التكيف مع الظروف المتغيرة، والقدرة على تنظيم الأفكار في أنماط أوسع وأشمل قبل التوصل إلى بناء النموذج التفكيري الجديد، من خلال التخيل، والتأليف، والتركيب، والبناء، والتحليل، وإعادة التنظيم، والخروج الدائم عن المألوف؛ وتبنى فكر كسر الإطار، والتفكير بطريقة لماذا؟ وكيف؟ وإدراك العلاقة المباشرة بين الطريقة التي ينظر إليها للمستقبل وبين ما سيكون عليه المستقبل فعلًا، والاعتماد على التفكير التباعدي، الذي يقوم على التشعب، وأنه ليس هناك طريقة أو حل واحد صحيح للمشكلة، والاستقلال في التفكير.
2- الخصائص الشخصية والدافعية:
وتكمن في الميل إلى المخاطرة، وتقبل الغموض، وعدم التقيد بالتعليمات والأنظمة، وكسر القيود الذاتية، بالميل إلى الدعاية والمرح، وتحويل الأزمات إلى فرص، حتى ولو كانت وسط مجموعة من المتغيرات، التي تبدو من الوهلة الأولى أنها تندد بوقوع أزمة، وعدم التفكير في بذل الجهد بقدر التفكير في تحقيق النتيجة، والاهتمام بإحراز النجاح أكثر من تجنب الفشل، وتحليل احتمالات النجاح بدقة، والتمتع بشخصية مبادرة، والالتزام الشخصي القوي تجاه المؤسسة، وامتلاك ضبط وتحكم داخليين، والاهتمام بالآخرين وآرائهم، والتمتع بالثقة بالنفس، وتحمل المسئولية، والتحمس للأفكار وتنفيذها في الواقع، والانفتاح على الخبرات الجديدة، والالتزام بالعمل والتأمل، والقدرة على التكيف، والجرأة في إبداع الآراء، وتقديم المقترحات اللازمة.
3- الخصائص المعرفية:
وتتمثل في حب القراءة والإطلاع، والميل إلى البحث والتحقيق، واستخدام المعرفة الموجودة كأساس لإنتاج أفكار جديدة، والقدرة على التعامل مع النظم الرمزية والأفكار المحردة، وتنويع الاهتمام والهوايات.
وجدير بالذكر أن الخصائص التي تميز المديرين المبدعين يختلف توفرها من فرد لآخر طبقًا لعدد من المعايير منها: البيئة التي نشأ بها المدير، ودرجة الاستعداد الشخصي عنده، والمواقف التي تعرض لها، ولأقران، وفرق العمل والعاملين في المؤسسة.
الممارسات القيادية الداعمة للإبداع
يعد تحديد الأهداف ووضوحها من الأسباب التي تحفز الإبداع وتشجعه لدى العاملين؛ وفي دراسة أجرتها «شتات» وجد أن تحديد الهدف ذو علاقة مباشرة، وإيجابية مع تحقيق الإبداع المؤسسي، ويشير «إساكسين» وآخرون إلى أن تحديد أهداف الأفراد أو الجماعات يعد من أهم الممارسات المطلوبة لحفز الإبداع. ويؤكد الباحثون على أن هناك فائدتين أساسيتين من تحديد، ووضوح الأهداف، مع وجود رؤية واضحة وأهداف محددة للمنظمة، الأولى: أن المنظمة ستجذب إليها أفرادًا مبدعين ومنتجين، والثانية: أن الأهداف ستعمل على تركيز جهود العاملين وإبداعاتهم في اتجاهات محددة نحو تحقيق الأهداف.
يتمثل التمكين في منح العاملين حرية في التصرف، واستقلالية في العمل، وروح المبادرة، ومشاركة في الرأي؛ وعليه، فقد أكد الكثير من الباحثين على أن هذه المعاني التي يتضمنها مفهوم التمكين في المنظمة تساهم في تعزيز الإبداع لديهم، فشعور الفرد بالتحكم بزمام المبادرة، والتمكن من مهام عمله يؤدي إلى استعماله لقدراته الذهنية بشكل أكبر، وبالتالي يكون في هذا مجالٌ للإبداع؛ وقد أكد «أرجيرس» على أن المديرين التنفيذين لا يمكنهم تحقيق أية رؤية استراتيجية أو خطة طويلة المدى بدون مشاركة الموظفين الذين يتمتعون بقدر من التمكن والاستقلالية.
يمثل الاتصال الفعال أحد الركائز المهمة التي لا تستغنى عنها المنظمات، ويلعب الاتصال الفعال دورًا مهمًا في تنمية الإبداع في المنظمات، كما أن انسياب المعلومات داخل المنظمة وتدفقها بشكل حر يساهم في تعزيز الإبداع فيها بحيث تتدفق المعلومات بجميع الاتجاهات، أفقيًا، وعموديًا، وقطريًا.
ويفسر «فان دي فن» هذه العلاقة بأن الأشخاص الذين لديهم قدرة على الوصول إلى المعلومات المتعلقة بأعمالهم سيكون لديهم القدرة على ربط الأشياء والحصول على صورة أوضح للمشاكل ولحلولها.
وفي دراسة ميدانية مستفيضة أجراها «استوك» وآخرون أشارت تلك الدراسة إلى وجود علاقة في الاتصال بين القائد، والمرؤسين من جهة، وبين إبداع العاملين من جهة أخرى.
من العوامل المساعدة في إثارة الإبداع لدى العاملين توفير الحوافز، فوجود نظام حوافز فعال من شأنه أن يستثير طاقات العاملين، وإبداعاتهم. وتقسم الحوافز إلى مادية ومعنوية، وفي حين تمثل الحوافز المادية محفزًا أساسيًا للعاملين لتحقيق المزيد من الإبداع والتطوير، فإن الحوافز المعنوية تشكل دافعًا جوهريًا قويًا للإبداع. وهناك دراسات عديدة بينت أهمية الحوافز المادية، والمعنوية وكما بين فورد أهمية الحوافز المادية، والمعنوية، وأهمية الإشادة المستمرة بالمبدعين وتشجيعهم على الاستمرار في برامج إبداعية. ومن الجدير ذكره هنا أهمية تفريق القيادة بين دوافع العاملين المتباينة، فمنهم من يرغب بحوافز مادية، ومنهم من يرغب بالحوافز المعنوية، في حين أن هناك أفرادًا تثيرهم الحوافز المادية، والمعنوية على حد سواء.
إن إبداع العاملين، وتفوقهم في العمل، وتميزهم في الأداء لا يأتي بدون موارد ومستلزمات من أجل خلق الأفكار الجديدة، واختبارها، وتجربتها، ومن ثم تنفيذها؛ ويقصد بالموارد هنا كل ما يحتاجه الفرد لكي يبدع ضمن إمكانيات المنظمة. ومن هذه الموارد: ميزانية خاصة بالأبحاث والتطوير، والوقت الكافي لخلق وتطوير الأفكار الجديدة، والمعدات والتكنولوجية اللازمة لها، والموارد الضرورية لتطبيق المقترحات. ويعد المال، والوقت أهم موردين يؤثران على الإبداع. وتخصيص هذه الموارد يجب أن يكون بعناية فائقة لإطلاق الطاقات الإبداعية عند الجميع، وعلى العكس فتوزيعها بشكل غير متساوٍ يؤدي إلى تثبيط الهمم والشعور بالإحباط لدى العاملين.
يمثل التدريب أحد اللبنات الهامة في عملية الإبداع، فهو يزيد من كفاءة وفاعلية العاملين، ويرى «روبينز» أن المنظمات المبدعة هي تلك التي تركز على تدريب العاملين لكي تتطور قدراتهم ويعود هذه بالفائدة على الفرد والمنظمة، وقد بينت بعض الدراسات علاقة تربط بين التدريب والإبداع، ففي دراسة أجراها «كلفر» وآخرون وجد أنه يمكن تنمية وتطوير قدرة العاملين على الإبداع عن طريق التدريب، وخصوصًا لدى الأفراد من ذوي الاستعداد للتعلم والتدريب المستمر، فالفرص العظيمة لا تأتي إلا للعقول المستعدة.
كل ما سبق من تدريب وتوفير الموارد والدعم ومشاركة وتمكين وحوافز واتصال فعال ووضوح في الغايات والأهداف، هذه كلها عوامل تشترك مع بعضها بشكل تفاعلي، وتبادلي نحو تعزيز الإبداع. وموجهة لإبداع العاملين في العمل.
فلابد من توفر هذه الممارسات القيادية باعتبارها مقومات أساسية داعمة وموجهة لإبداع العاملين في المؤسسات التربوية.
مقومات الإبداع الإداري
المدير المبدع هو الذي يملك مجموعة من القدرات الأساسية للإبداع يظهر تأثيرها في سلوكه، وبدونها لا يمكن التحدث عن وجود إبداع وهي:
1- الحساسية للمشكلات:
قدرة المدير على رؤية الكثير من المشكلات في الوقت الواحد، وتحديدها تحديدًا دقيقًا، ويتطلب الإحساس بالمشكلة من المديرين المبدعين القدرة على الرؤية الواضحة لأبعاد المشكلة، ومراقبة نواحي القصور، والثغرات في الأفكار الشائعة، ورؤية الأسباب، واستيعاب كافة النتائج (الآثار) التي تظهر من خلال الفهم العميق للدور المناط أو الموضوع قيد الدراسة، لأنه كلما زاد التعمق في المشكلة أدى ذلك إلى ظهور أفكار جديدة ومفيدة في آن واحد.
الطلاقة تقسم إلى:
الطلاقة الفكرية: القدرة على إنتاج أكبر قدر ممكن من الأفكار في فترة زمنية محددة.
الطلاقة اللفظية: القدرة على إنتاج أكبر قدر من الألفاظ والجمل ذات المعاني المختلفة.
طلاقة التداعي: القدرة على التوصل إلى أفكار ترتبط بفكرة ما.
الطلاقة التصويرية: القدرة على إنتاج تصورات ترتبط بموقف ما.
الطلاقة كما نراها هي: قدرة المدير على إنتاج أكبر قدر من الأفكار والجمل والألفاظ ذات المعاني والتوصل إلى أفكار ترتبط بفكرة ما، وإنتاج تصورات ترتبط بموقف ما في فترة زمنية محددة.
2- الأصالة:
إنتاج أفكار جديدة لم يفكر بها أحد من قبل، تخرج من المألوف والمتوقع والتقليدي، بشرط أن تكون ذات قيمة على مستوى الفرد أو المنظمة أو المجتمع.
ومن العوامل التي تساعد على عدم التقييد بالأفكار المألوفة، توسيع الاهتمام، وتقبل الغامض، ومنح الاهتمام للخبرات التي تتناقض مع الأفكار المألوفة والنظر إلى الافتراضات التي توضع حول الموقف، وعدم التسرع في قبول أو رفض الفكرة.
ويمكن الحكم على أصالة الفكرة من خلال عدة معايير، منها أن تتسم بالنفاذ والعمق، وأن يكون لها مغزى ودلالة ذات قيمة، وأن تكون في شكل تداعيات بعيدة وغير مباشرة، كنتائج يمكن أن تترتب على الموقف.
وتعد الأصالة أعلى درجات الإبداع، وتختلف عن الطلاقة والمرونة من حيث:
أن الأصالة لا تشير إلى كمية الأفكار الإبداعية التي يولدها الفرد كما في الطلاقة، وإنما إلى جدة الأفكار ونوعيتها وقيمتها. أي أن الأصالة لا تشير إلى رفض الفرد تكرار تصوراته أو أفكاره هو شخصيًا كما في المرونة، وإنما تشير إلى الرفض والابتعاد عن تكرار أفكار الآخرين، وعدم الخضوع للأفكار الشائعة.
3- المرونة:
ويقصد بها النظر إلى المشكلة من عدة زوايا، وإنتاج أكبر عدد من الأفكار المختلفة والمتميزة وعدم التفكير داخل حدود وأطر ثابتة، للوصول إلى الجديد.
4- التحليل:
يقصد به إنتاج إبداعي أو ابتكاري يتضمن عملية انتخاب أو اختيار وتفتيت أي عمل جديد إلى وحدات بسيطة ليعاد تنظيمها.
5- المخاطرة:
يقصد بها أخذ زمام المبادرة في تبني الأفكار والأساليب الجديدة؛ ولديه الاستعداد لتحمل المخاطرة الناتجة عن الأعمال التي يقوم بها والمسئوليات المترتبة على ذلك.
العوامل التي تساعد على تحقق الإبداع الإداري
ويستخلص «دركر» عدة عوامل تتبناها الإدارة المبدعة باعتبارها محفزة للإبداع وهي:
1- التحدي:
حيث يوضع الشخص المناسب في المكان المناسب لكي يمارس الخبرة ومهارات التفكير الإبداعي؛ ويجب على المدير أن يكون واعيًا بشكل جيد لكل المعلومات الخاصة بالعاملين وهذا بدوره يحفز الدوافع الجوهرية الكامنة للشخص لخلق القدرة الإبداعية والطاقة الابتكارية.
2- الحرية:
حيث تعتبر من العوامل الداخلية للشعور بالتملك وحب العمل والانتماء إليه عندما يقوم العاملون بالطريقة التي تروق إليهم؛ وللأسف الشديد فإن المديرين يميلون إلى سوء الإدارة بتغيير الأهداف بشكل مستمر ويمنحون الحرية أسماء دون تطبيق.
3- المصادر والموارد:
إن الوقت والمال يدعمان الإبداع فالمنظمات للأسف تقتل الإبداع روتينيًا وذلك من خلال تبني سياسة تحديد الزمن مما يستحيل معه إنجاز المهام.
4- سمات وصفات مجموعة العمل
على الإدارة إيجاد فرق عمل جماعية تتميز بالتنوع والاختلاف في وجهات النظر؛ فكلما تكون هذه المجموعات مختلفة ومتنوعة اكتسب الأفراد رؤى جديدة وإبداع وتفكير إبداعي.
5- التشجيع التوجيهي والإشرافي:
يهمل المديرون المدح للأفكار الإبداعية والجهود التي قد لا تكلل بالنجاح مما يخلق الإبداع؛ فالأفراد بحاجة إلى الشعور بأهميتهم وأهمية ما يقومون به من القدرة على التسامح للأخطاء وبالتالي يمكن للأفراد العمل بنجاح.
6- الدعم المنظمي:
هو الدعم الذي تقدمه المؤسسة للعاملين سواء كان هذا الدعم في حالة تحقيق النجاح أو حتى في وجود الأخطاء بهدف تلافيها وقبول الخطأ؛ وهذا هو دور القادة الذين يدعمون الجهود الإبداعية.
وعلى ذلك فإن العوامل السابقة تساعد على تحقيق الإبداع وتحقق لمدير المؤسسة قدرته على قيادة التغيير المبدع وإحداثه، كما أن ما يؤمن بهمن قيم تنظيمية هي المحققة للإبداع، فالقيم هي المفتاح الذي يقوده إلى النجاح أو العكس حيث تمارس القيم بما هي عليه لا تغيير ولا تطوير، وهاجس الخوف هو الذي يطغى على الجميع.
ويؤكد ملهم بأنه لكي تصبح مديرًا أكثر إبداعًا ليس فقط معناه تطبيق أساليب وطرق حديثة إنما يتطلب أن تكون على وعي ودراية بالعمليات الداخلية وهذا يتضمن تبني واعتناق أساليب تفكير جديدة ويتضمن كذلك رؤية أنفسنا والمشاكل من حولنا بطرق جديدة وهذا ما يتطلب النظر إلى الثقافة بشكل إبداعي.
إعطاء صورة كاملة عن المؤسسة– طرح آلية المؤسسة– توضيح مفهوم المنافسة– تشجيع المخاطرة الذكية– ابتداع روح المبادرة والتجديد.
وتتطلب هذه الخطوات الإجراءات التنفيذية التالية:
- تنظيم برامج تدريبيبة لتوضيح آلية العمل في المنظمة، وتوفير الوثائق التي تشرح خطط المؤسسة وأهدافها.
- السماح للعاملين باتخاذ القرارات التي تتضمن نوعًا من المجازفة، والتعامل مع الأخطاء على أنها دروس وخبرة، وتشجيع المبادرات الناجحة وتحفيزها، وتوضيح مفهوم المخاطرة المحسوبة والمخاطرة غير المحسوبة.
- تخصيص وقت لدراسة الطرق الجديدة في العمل للوصول إلى أفكار مبدعة.
- إسناد ودعم الأفكار الجديدة وتنفيذها، وتنظيم حلقات تحث على الإبداع والتجديد.
- إطلاع العاملين على أفكار زملائهم بالإعلان عنها عن طريق المنشورات.
- استخدام وسائل الترفيه في العمل؛ لإسهام العاملين في الإبداع وعدم معاقبة المبادرات التي باءت بالفشل.
وهناك دراسة قامت بها إحدى الجامعات الرئيسة في الولايات المتحدة الأمريكية وهي جامعة (UCLA) جامعة لوس أنجلس بكاليفورنيا للتوصل إلى كيفية رفع الأداء في تقديم خدماتها، وخلصت الدراسة إلى تقرير بعنوان: «تحويل وتغيير أسلوب الإدارة في جامعة (UCLA) رؤيا واستراتيجيات للاحتفاظ بالتفوق والامتياز في القرن الحادي والعشرين» وقد ذكر مدير الجامعة في خطابه عددًا من التوصيات من أهمها:
- غرس ثقافة التفكير المبدع وروح الابتكار والخلق والمبادأة وركوب المخاطرة.
- إلغاء المركزية ومنح الصلاحيات للموظفين في المستويات الدنيا لاتخاذ القرار، والتخلص من رفع القرار للجهات العليا في الإدارة.
- خفض المعاملات وكثرة القيود والنظم واللوائح وتشجيع العمل بروح الفريق والتعاون.
- الانفتاح ورحابة الأفق والأمان والصدق والتبادل الحر للأفكار.
- تحويل وتغيير القادة إلى قادة تقنية المعلومات ومديريها.
ومما سبق نرى أن على مديري المؤسسات التعليمية القيام بتوفير مناخ تنظيمي يساعدهم على تقديم إبداعاتهم وابتكاراتهم بطريقة تحقق الأداء الإداري المبدع والذي يسهم في تطوير العملية التعليمية.
القيم التنظيمية المحفزة للإبداع الإبداي في المؤسسات التعليمية
يذكر إسماعيل عبد الكافي أن القيم تحدد الأفكار والمبادئ والمفاهيم التي يمكن قبولها واستيعابها وتذكرها؛ وأن القيم تلعب دورًا مؤثرًا في نوعية الأفراد الذين يتأثرون بها، وتوفر القيم العديد من المبادئ والأخلاقيات التي يمكن الاحتكام إليها في مختلف السلوك الفردي، وتحدد القيم اتجاهات الفرد بخصوص الأمور الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها من الموضوعات التي تتعلق بمجريات الحياة اليومية.
والكثير من القيادات الإدارية في الدول النامية يعتنون بشكل كبير بالهياكل التنظيمية واللوائح والإجراءات لأنها أشياء ملموسة، ويهملون في الوقت نفسه الجوهر الحقيقي لتماسك أي تنظيم؛ وهو القيم التي يلتزم بها التنظيم، ولهذا فقد وصلت هذه المؤسسات إلى ما وصلت إليه من التأخر في التقدم والتطوير وكادت أن تصل للانهيار.
ولأهمية القيم في المؤسسات التعليمية توضحها إيناس شتات: «بأن القيم التنظيمية هي جوهر الثقافة التنظيمية، وهي التي تحدد الإطار الذي يوضح طريقة أداء العمل في المنظمة والمقبول غير المقبول من الأعمال والتصرفات والسلوكيات».
.