نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى القدوة الصالحة والمثل الأعلى بسبب الضعف الذي أصاب حياة المسلمين من خلال غلبة الأهواء وإيثار المصالح الخاصة وقلة القادة المخلصين والعلماء العاملين والدعاة الصادقين، لذلك فإن حاجة المسلمين في مختلف بلدانهم تتطلب وجود القيادات والقدوات التي تكون نموذجًا حيًا بحيث يرى الناس فيهم كل معاني الخير والصلاح قولًا وفعلًا، فينجذبون إليهم ويتأثرون بهم، لأن التأثر بالأفعال أبلغ بكثير من التأثير بالكلام وحده، فقد جاء على لسان شعيب عليه السلام قوله تعالى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} (هود:88).
وتشتد الحاجة إلى الأسوة الحسنة في هذه الفترة العصيبة لنحقق من أنفسنا النموذج التطبيقي الصحيح لمنهج رب العالمين، لكي يحقق الله لنا النصر والتمكين من أعدائنا، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد:7)، فإذا أردنا أن يحفظ الله لنا ديننا الذي ارتضاه لنا ويستتب الأمن والسلام في مجتمعنا ونكسر شوكة أعدائنا فَلْنُقِم هذا الدين في حياتنا وسلوكنا علمًا وعملًا.
وفى دراسة للدكتور عصام العبد زهد، الأستاذ المشارك في التفسير وعلوم القرآن بالجامعة الإسلامية بغزة، بعنوان: (القدوة الصالحة وأثرها على الفرد والمجتمع) -2010م-، يرى أن المسلم القدوة أشد خطرًا على أعداء الإسلام من كل عدة وأكثر تأثيرًا فيهم من كل سلاح، فهو أغلى ما يملكه المجتمع وبه يسود وينتصر، ونسأل الله أن يجعلنا من المتأسيين برسول الله المهتدين بهدى الإسلام، وأن يمكن لنا في الأرض وأن يجعلنا أئمة ويجعلنا من الوارثين.
تعريف القدوة وأنواعها
القدوة لغةً: القُدوة والقِدوة لغةً تقرأ بالضم والكسر وهي تعني من يقتدي به الإنسان ويستن بسنته، فيقال: فلان قدوة يُقتدى به، والقدوة: المثال الذي يتشبه به غيره، فيعمل مثل ما يعمل، ويحذو حذوه في كل صغيرة وكبيرة.
والقدوة مثل الأسوة، ويقال: تأسيت به إذا اقتديت به، واتبعته في جميع أفعالي وأقوالي، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} (الأنعام:90)، تعني أولئك الذين قبلوا هدى الله فاقتدِ بطريقهم في التوحيـد وتبليغ الرسالة وتطبيق الأحكام الشرعية، وقال تعالى: {وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (الزُّخرف:23)، أي سائرون على منوالهم ومنهجهم وطريقتهم في هذه الحياة.
ويعني الاقتداء في كلام العرب بالرجل، اتباع أثره والأخذ بهديه، فيقال: (فلان يقدو فلانًا) إذا نحا نحوه وسار على دربه واتبع أثره.
نخلص مما تقدم أن القدوة والأسوة شيء واحد يعني أن كل ما يتخذه الإنسان مثالًا حيًا في سائر أفعاله وأقواله يعتبر قدوة وأسوة في حياته.
القدوة اصطلاحًا: القدوة الصالحة هي مثال من الكمال النسبي المطلوب، يثير في الوجدان الإعجاب فتتأثر به تأثرًا عميقًا، فتنجذب إليه بصورة تولد في الإنسان القناعة التامة به، والإخلاص الكامل له. وهذا ينطبق على رسول الله حيث كانت حياته مثار إعجاب الجميع مما جعلهم يتأثرون به.
أنواع القدوة:
إذا نظر الإنسان في كتاب الله وسنة نبيه وفي أوضاع الناس وأحوالهم يتضح له أن القدوة تنقسم إلى نوعين:
- القدوة الحسنة: وهي التي تتخذ الاقتداء برسول الله منهجًا وسلوكًا وتتأسى به- صلى الله عليه وسلم- في تطبيقها العلمي في واقع الحياة، وهذا النوع إنما يسلكه ويوفق إليه من كان يرجو الله واليوم والآخر، ودخل الإيمان قلبه، فعمل بالتنزيل وخشي من الجليل واستعد ليوم الرحيل رجاء الثواب الجزيل وخوف العقاب الشديد.
- القدوة السيئة: وهي على عكس ذلك تمامًا، فهي لا تتأسى برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا تتشرف بحمل الإسلام، بل إنها تعتز بانتسابها لغيره، كقول المشركين حين دعتهم الرسل للتأسي بهم، قال تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} (الزُّخرف:23)، فقولهم هذا عين التقليد والمحاكاة يكون ضارًا ومفسدًا وطريقًا لوصول المقلدين إلى دركات النقص التي انحدرت إليها أسوتهم السيئة.
ولقد عرف دعاةُ الشر والفساد ما للقدوة الصالحة من أثر محمود بين الناس، لذلك أخذوا يصنعون أمثلة ونماذج بشرية على طريقتهم ذات مفاهيم وعقائد باطلة وأعمال ضالة فاسدة ومفسدة وأحاطوها بالأصباغ والألوان الخداعة وسلطوا عليها الأضواء الإعلامية لإثارة الإعجاب بها في نفوس الجماهير حتى تكون أسوتهم التي تقتدون بها.
ومن هذه الأمثلة البشرية المصطنعة شخصيات ذات مذاهب هدّامة وآراء باطلة، أحاطها المفسدون بعبارات التمجيد والإكبار ليتخذها الناس أسوة لهم يقتدون بها في آرائها وأفكارها، وخير دليـل على ذلك ما يسمى بنجوم الفن والأناقة والغناء الماجن من رجال ونساء، ليكونوا أسوة للناس يقتدون بهم في تفاهاتهم وسلوكهم والمنحرف حتى أمست هذه الأمثلة الساقطة هي القدوة التي تقلدها الأجيال.
أما القدوة الصالحة فهي أيضًا تنقسم إلى قسمين:
- القدوة المطلقة:
وهي تعني الاقتداء برسول الله- صلى الله عليه وسلم- في سائر أعماله وتصرفاته وذلك لأنه بُعث ليُقتدى به وليطاع بإذن الله فهو لا ينطق عن الهوى وإنما يوحى إليه، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النَّجم:3-4).
والاقتداء به والسير على نهجه هو النجاة الحقيقية للإنسان في الدنيا والآخرة، فهو القدوة الحسنة في أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته لكي يستلهم الناس سلوكهم من هذه القدوة، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21).
ولقد كان رسول الله الأسوة الحسنة للناس جميعًا في جميع جوانب الحياة فإذا تفكر الإنسان في أحوال القادة والمصلحين والسياسيين فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يضرب بقيادته وصلاحه أروع الأمثلة في هجرته إلى المدينة وإقامته للدولة والمسجد وتأليفه بين الأوس والخزرج وفي سائر غزواته.
وإذا بحث الناس في ميادين التربية وجدوا رسول الله يتربع على عروش المربين فإذا هو المربي الكريم والقائد والمعلم الذي ربى أصحابه الكرام على الفضيلة والقيم العليا النبيلة وصدق الشاعر:
أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الصحراء أحياه
ولقد اعتلى- صلى الله عليه وسلم- أعلى مراتب الأخلاق والعلم؛ لأنه تربية رب العالمين ليكون السراج المنير والمثل الأعلى والقدوة العظمى للإنسانية جمعاء، أدبه ربه فأحسن تأديبه، فكان قرآنًا نابضًا حيًا متحركًا، وحينما سُئلت عائشة عن أخلاقه أجابت: كان خلقه القرآن.
وكان- صلى الله عليه وسلم- في كل شيء وكأنه متخصص فيه، فإذا نظرت إلى عبادته وجدته رجل عبادة، وإذا جاهد وحمل السلاح قلت: إنه رجل حرب وجهاد تكفي قيادته للجنود الغازية في سبيل الله، أنها تفوق عشرات القواد، وفي حياته الزوجية مسئوليات أسرة كبيرة تشمل تسع نسوة يعدل بينهن ويعاملهن أكرم معاملة.
وكان- صلى الله عليه وسلم- واعظًا ومرشدًا أمينًا يصدع بالحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان متحليًا بمحاسن الأخلاق وهي التي جعلت منه أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل، بل كان- صلى الله عليه وسلم- مربيًا وهاديًا بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بالكلام، لهذا أمر الله المؤمنين باتباع الرسول وطاعته، وجعل هذا من مؤشرات الحب في الله، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} (آل عمران:31).
2.القدوة المقيدة:
نعني بالقدوة المقيدة، أي بما شرعه الله لأنها غير معصومة، كما هي في الصالحين والأتقياء من عباد الله وتتمثل في الاقتداء بالصحابة والعلماء والاقتداء بالوالدين وبالمعلم في المدرسة والجامعة والسبب في ذلك أنهم ليسوا معصومين من الخطأ فهم بشر يصيبون ويخطئون والمسلم يقتدي بهم عندما يصيبوا الحق، ويجتنب الاقتداء عند مجانبتهم للصواب حيث رغب الحق تبارك وتعالى أن يكون الإنسان قدوة في الخير وحذره أن يكون قدوة في الشر، قال- صلى الله عليه وسلم-: «من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غيـر أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».
نأخذ من الحديث أن الوسطية التي هي إحدى مرتكزات العملية التربوية في الإسلام، إن الدين لا يلغي حسنات الآخرين لخطأ وقعوا فيه، ولا يُقرر أخطاء القدوة المخطئ وإن أصاب في بعض الجوانب، وإنما يربي الشخصية الإسلامية على قبول الحق من أي وعاء صدر ورفض الخطأ من أي مصدر كان. حيث جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة قال: قال- صلى الله عليه وسلم-: «الكلمةُ الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها».
أهمية القدوة ومصادرها
أولًا، أهمية القدوة الصالحة:
لقد أعطى الإسلام جانب القدوة الحسنة اهتمامًا كبيرًا حيث لم يقف الأمر عند إنزال الكتاب على الرسل الكرام والحديث عن قصصهم وعرض سيرتهم، بل أمر باتباعهم والاقتداء بهم، فقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} (الأنعام:90).
وأرسل الله محمدًا- صلى الله عليه وسلم- قدوة للناس يترجم الشريعة إلى واقع الحياة، فيرى الناس في سلوكه وتصرفاته أوامر القرآن ونواهيه، وهو بشر مثلهم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ويتمثل هذه الأخلاق ويعمل بهذه التوصيات، سهّل عليهم الاقتداء والمتابعة له حتى أصبح يعتقد كل واحد أنه مخاطب بهذا القرآن ومأمور باتباعه.
وتكمن أهمية القدوة الصالحة من خلال الآتي:
- إن القدوة الصالحة تثير في نفوس الآخرين الإعجاب والمحبة التي تتهيج معها دوافع التنافس المحمود فيتولد لديهم حوافز قوية لأن يتمثلوا أخلاق وأفعال قدوتهم.
- القدوة الصالحة المتحلية بالقيم والمثل العليا الحميدة تعطي للناس قناعة بأن بلوغ هذا المستوى الرفيع من الأمور الممكنة وأنها في متناول قدرات الإنسان وطاقاته.
- إن واقع الناس اليوم يشكو القصور والانحراف رغم انتشار العلم، ما لم يقم بذلك العلم علماء وقادة عالمون مخلصون يصنعون من أنفسهم قدوات في مجتمعاتهم، يترجمون ذلك العلم إلى واقع عملي يفهمه الجميع، وهذا يُسهّل في إيصال المعاني الأخلاقية ويحدث التغيير المنشود إلى الأفضل.
- إن غياب القدوة الصالحة من المجتمع عامل رئيس في انتشار المنكرات واستفحالها وإفشاء الجهل بين الناس، ومن هنا تكمن أهمية القدوة الصالحة، فكلما ازدادت القدوات انتشر العلم واختفت المنكرات، لذلك فنحن نحتاج إلى قدوات يدعون الناس بأفعالهم لا بأقوالهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصَّف: 2-3).
- لا ينكر أحد ما للمدرس القدوة من الأثر الكبير في الرقي وإصلاح المجتمع الإنساني علميًا وخلقيًا وأدبيًا وصحيًا واجتماعيًا لأن أثر المدرس الصالح يظهر على نفوس تلاميذه فيغرس فيهم الفضائل والأخلاق الحسنة وما يراه خيرًا للأمة والوطن.
والقدوة الصالحة أعظم من المناهج الدراسية والقوانين الجامعية أو الأبنية الفخمة لأن للأستاذ الجامعي أثرًا كبيرًا على طلابه في علمه وأدبه وعمله ومهارته التدريسية وسائر أخلاقه وتصرفاته.
ولم تصل التربية الحديثة إلى أبدع من اتخاذ القدوة الصالحة وسيلة إلى بناء الجيل الطلابي، فالمعلم القدوة هو الذي يرتقي بالأمة إلى أسمى درجات الحضارة والمدنية، وبالمدرسين المخلصين تنهض الأمة من كبوتها وتنتصر على أعدائها.
ثانيًا، مصادر القدوة الصالحة:
تكمن مصادر القدوة الصالحة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وأقوال السلف رضوان الله عليهم أجمعين، وهي كالتالي:
أولًا، القرآن الكريم:
يعتمد القرآن الكريم أسلوب التربية بالقدوة حينما أمر الله سبحانه نبيه بالاقتداء بمن سبقه من الأنبياء والمرسلين، فقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} (الأنعام:90)، بمعنى أيها الرسول اتبع ملة هؤلاء الأنبياء الأخيار، وقد امتثل فاهتدى بهدي الرسل من قبله وجمع كل كمال فيهم فاجتمعت لديه فضائل وخصائص فاق بها جميع العالمين.
وأكد على أسلوب التربية بالقدوة فطلب من المؤمنين اتخاذ الرسول- صلى الله عليه وسلم- القدوة والأسوة الحسنة وطالب المؤمنين بطاعته فيما أمر ونهى طاعة مطلقة، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب:21).
لقد اعتبر ابن كثير هذه الآية أصلًا كبيرًا في التأسي برسول الله- صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وسائر أحواله، ولهذا أمر الحق تبارك وتعالى الناس جميعًا بالاقتداء بالنبي الكريم في غزوة الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه، سواء وهو مكروب ومحروب فهو يصبر صبر المستعلي ويثبت ثبات المستولي.
وحذر القرآن الكريم من يحيد عن القدوة الصالحة ويتبع الظالمين، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} (الفرقان: 27-28).
يقول الإمام ابن كثير: «إن الله يخبر عن ندم الظالم الذي فارق طريق رسول الله والذي جاء به من الحق المبين وسلك طريق غير سبيل المؤمنين، فإنه يوم القيامة يندم حيث لا ينفعه الندم ويعض على يديه حسرة وأسفًا».
ثانيًا، السنة النبوية المطهرة:
لقد قررت السنة النبوية مبدأ القدوة الصالحة في التربية من خلال الدعوة إلى الاقتداء بكل من دعا الناس إلى الخير والصلاح والهدى الذي جاء به النبي الكريم، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الآتي:
أوصى- صلى الله عليه وسلم- باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، حيث جاء عن أبي نجيح العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبدٌ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عَضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة».
وما رواه البخاري دليل واضح في طاعته- صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى».
وقرر- صلى الله عليه وسلم- أن من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من اقتدى بها إلى يوم القيامة، عن أبي عمرو جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».
وأوصى- صلى الله عليه وسلم- بالاقتداء بأبي بكر وعمر بن الخطاب بنص صريح فقال: «اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر)، كما أمر- صلى الله عليه وسلم- بالاقتداء به في الصلاة فقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، وأمر المؤمنين بالاقتداء به في تأدية مناسك الحج فقال- صلى الله عليه وسلم-: «خذوا عني مناسككم».
ثالثًا، أقوال السلف:
ذكر عبد الله بن مسعود محامد الصحابة وفضائلهم ووجوب الاقتداء بأفعالهم الحميدة وأخلاقهم النبيلة فقال: «من كان متأسيًا فليتأسّ بأصحاب رسول الله فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوبًا وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا وأحسنها حالًا، اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم».
وذكر الشاطبي في الاعتصام عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «اتبعوا آثارنا ولا تبتدعوا فقد كفيتم».
الصحابة كلهم عدول بتعديل الله لهم، وهم أولياء الله تعالى وأصفياؤه وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله، وهذا مذهب أهل السنة فلا يجوز لأحد أن يبغض أحدًا منهم حيث جاء عن الإمام مالك أنه قال: «من كان يبغض أحدًا من أصحاب محمد أو كان في قلبه عليهم غلّ فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر:10).
مقومات القدوة الصالحة وأثارها
تعتبر التربيـة بالقدوة أسلوبًا إسلاميًا أصيلًا بدأه رسول الله وربّى أصحابه على ذلك، وحينما رأوه قـدوة فيما يأمر وينهى أحبوه من سويداء قلوبهم وتسابقوا في تنفيذ أمره، وعملوا بما علموه من سلوكه، فصنعوا من أنفسهم قدوات في الخير والهدى والرشاد، فقادوا البشرية إلى طريق الحرية والكرامة والرفاه الاجتماعي والأمن والسلام العالمي.
ونحن اليوم في حاجة إلى القدوات التي تبرز في ميادين الحياة القدوة التي تدعو إلى صفاء المعتقدات الإيمانية ووضوح المنهج، القدوة التي تدعو إلى أداء الشعائر التعبدية وتكون هي أحرص الناس على أدائها، القدوة التي تدعو إلى مكارم الأخلاق وإلى التضحية والفداء والبذل والعطاء، القدوة التي تترجم الكلمات إلى مواقف خالدة في تاريخ الأمة، ولتحقيق ذلك جعلنا الحديث في هذا المبحث عن مقومات القدوة الصالحة وأهم المواصفات التي تتصف بها ليكون ذلك عونًا في إيجاد القدوات الصالحة في الميادين العملية المتعددة من حياة الناس.
أولًا، مقومات القدوة الصالحة:
- الإخلاص في القول والعمل:
إن الإخلاص في القول والعمل من أهم المقومات التي تساعد في وجود القدوة الصالحة ولأن الإخلاص أمر به الحق تبارك وتعالى فقال في كتابه الكريم: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (البيِّنة:5)، وقوله تعالى: {قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} (الزُّمر:14)، لذلك ينبغي على القدوة أن يتزود بالإخلاص في عبادته وذكره لله وفي جهاده وسائر أعماله، وما يقوم به من وعظ وإرشاد وتوجيه ونصح وما يقدمه من خدمات لأمته ومجتمعـه وبقـدر ما يملك من تطبيق وعمل صادق مخلص يكون نجاحه في عمله وثقة الناس به تزداد لأنه يعمل بما يقول مخافة الله بعيدًا عن أغراض النفس ونظر الناس، يبتغي وجه الله وتحقيق مرضاته، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (الزُّمر:2).
2.الاستقامة على الإيمان:
يوجد الكثير من الصالحين في مجتمعاتنا، ولكن القليل من يخلص العمل ويستقيم على الإيمان ويسير في موكب الرحمن، ولا خير ولا صلاح في شخص حاد عن الإيمان ولم يستقم على دين الله؛ لأنه سرعان ما ينعطف أمام التحديات وأمام الإغراءات، لذلك ينبغي الاستقامة على أمر الدين وخاصة القدوة ومعلم الناس الخير، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (فصِّلت:30)، فالقدوة مشغول في مجاهدة نفسه واستقامتها وسياستها، وهذا المطلوب الأعلى والنهج الأسمى في بناء القدوات المستقيمة في حياتها وفق معتقداتهم الإيمانية حيث جاء في الحديث الشريف عن سفيان الثقفي قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: «قل آمنت بالله ثم استقم».
3.استقلال شخصية القدوة:
إن استقلال الشخصية ركن رئيس وسمة بارزة من سمات القدوة، فهو شخص متحرر من التبعية والتقليد الساذج، فيكون مؤثرًا لا متأثرًا، فلا يليق بمن هو في موقع المسئولية والقدوة أن يكون إمعة يخضع لضغوط الجهال والسفهاء فيميل معهم حيث مالوا، لذلك حذر رسول الله من التقليد الأعمى كما أوضحنا سابقًا في هذا البحث.
4.الاعتدال والتوسط في أمور الحياة:
ينهج القدوة منهج التوسط في جميع أمـور الحيـاة مع مراعـاة الآداب الشرعية، ولا سيما في اللباس والمظهر والمأكل والاقتصاد وعلاقاته الاجتماعية مع الناس، والتوسط يعني الاعتدال والاستقامة، وبالتالي يجعل الناس ينظرون إلى هذه الشخصية المتعادلة المستقيمة نظرة إعجاب فتدخل في قلوبهم لأن مظهر القدوة وتعامله مع الآخرين ينسجم مع المنهج الذي يدعو إليه، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة:143).
5.التقوى:
إن التقوى هي الأصل الكبير الذي تقوم عليه شرائع الدين وتوجيهاته وآدابه وأخلاقه، فالقلب الذي يستشعر مخافة الله ويستسلم لإرادته ويتبع المنهج الذي اختاره الله ويتوكل عليه وحده هو المؤهل للقيادة وأن يكون قدوة للناس.
والتقوى تجعل القلـب طاهرًا لا يعمل عملًا إلا وهو مراعٍ لله طالبًا رضاه، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} (الطَّلاق:5)، ولأهمية التقوى كان- صلى الله عليه وسلم- يسأل ربه التقوى، عن ابن مسعود أن النبي كان يقول: «اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى».
ثانيًا، الآثار التربوية للقدوة الصالحة:
لا شك أن القادة والمعلمين والدعاة بجهودهم تنهض الأمة، فهم يمثلون الطبقة المثقفة فيها، ويقومون بكل عمل من شأنه أن يقوي من وحدة الأمة ويساعد في تحقيق الرفعة والتقدم والازدهار في حياة المجتمع بأسره، وبهم تنهض الشعوب وتنتصر على أعدائها وتسمو إلى أعلى درجات المدنية والحضارة.
إن للقدوة الحسنة آثارًا حميدة وطيبة على الفرد المسلم في حياته الدعوية يدركها ويلمسها في ذاته عندما يقتدي بصاحب صالح فيتأثر به ويظهر ذلك في سلوكه الحياتي وفكره ومنهجه، وهي سبب فعّال في مصير الإنسان وسعادته الدنيوية والأخروية، فإن الإنسان يتأثر بقدوته ويصطبغ بصبغته فكرًا ومعتقدًا وسلوكًا، وقد برهن على ذلك الوحي والعقل والواقع والتجربة والمشاهدة، قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} (الفتح:29).
ونستطيع أن نحصر أبرز الآثار التربوية للقدوة الصالحة على الفرد والمجتمع بشكل عام في الآتي:
- الآثار التربوية للقدوة الصالحة على الفرد، وهي تتمثل في الآتي:
1- إن القدوة الصالحة يجعل المسلم على اتصال دائم بالخالق؛ لأنه يُذكّره بالطاعة والإخلاص في النية والعمل، وإذا تمكن الإخلاص من القلب أصبح الإنسان يبتغي مرضاة الله ورضوانه في كل عمل يقوم به، ويجعل الله رقيبًا عليه في حركاته وسكناته، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ} (ق:16).
2- القدوة الصالحة تربي الشخصية المسلمة القوية ذات الشكيمة والإرادة الحديدية؛ لأنها تنشئ في روح الفرد العزة والكرامة ورفض الظلم والاحتلال، فلا تلين له قناة أمام الطغاة والمتجبرين لأنه يعتز بقدوته التي جاءت بكل ما تملك من أجل تحقيق معاني الخير للمجتمع، فقدمت النفس والمال والنفيس في سبيل الله.
3- تُنمي القدوة الحسنة الفضائل والأخلاق الحميدة في نفوس الأفراد ويتضح ذلك من خلال حديثنا عن صفات القدوة الحسنة حيث وجدناها تتصف بصفات أخلاقية وقيم عليا إذا تحققت في الفرد المسلم أصبح في قمة سامقة ينظر نظرة إنسانية إلى جميع القضايا التي تواجه الناس جميعًا.
4- القدوة الحسنة تشحن الأفراد بالتقوى ومعرفة الله وتعزز في نفوسهم الثقة والأمل بالمستقل المستمد من نصر الله وثوابه للمؤمنين فينطلق المؤمن بشحنات إيمانية مستمدة من قادته وقدواته يدفعه إلى فعل الخير والبر والإحسان وبالمقابل محاربة الفساد والمنكر وكل ضارٍ في المجتمع.
5- التربية بالقدوة تعمل عملها في تكوين الإنسان الصالح الذي يظهر عليه ملامح التقوى والخشوع والحياء، وهو المؤمن القوي الذي لا يدخل الوهن إلى قلبه، الإنسان الذي يحب لأخيه كما يحب لنفسه الحب الخالص الذي لا ينتظر جزاءً ولا شكورًا ولا يهدف إلا لكسب الحب في الله سبحانه.
6- الاقتداء بالقدوة الصالحة ينشئ التوازن والاعتدال في سلوك الأفراد وشعوره؛ لأن طاقته في ظل المنهج الرباني كلها تعمل وتأخذ نصيبها من الحياة بحيث يُصبح قوة فاعلة في المجتمع، فهو إيجابي واجتماعي حريص على مصلحة مجتمعه.
7- ومن آثار القدوة الصالحة أنه يُبصّرك بعيوبك ويرشدك إلى الأسلوب الأمثل في التخلص منها، من خلال مقارنة أعمالك وسلوكك بما عليه قدوتك الصالح فتتأسى به وتصلح تلك العيوب.
8- ومنها أن القدوة الصالح يعلم الإنسان ويرشده إلى فعل الخيرات، فيدلك على أمور واجبة كنت غافلًا عنها أو متكاسلًا عن أدائها ويشجعك على المشاركة في مشروعات الخير والبر والإحسان.
9- إن القدوة الصالحة سببٌ في دخول الإنسان ضمن الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون يوم القيامة، وهي ضمانٌ لاستمرار الصحبة، قال تعالى: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} (الزُّخرف: 67-68).
- أمثلة للانعكاسات التربوية على الأفراد:
المثال الأول:
هذا المثل الرفيع يُبيّن أثر القدوة الحسنة في النفوس فأصبحت دعامة قوية في تربية الفرد المسلم على مبادئ الإسلام، فهذا سعد بن الربيع أحد هؤلاء المقتدين والمحبين لرسول الله يروي زيد بن ثابت بشأنه: بعثني رسول الله يوم أحد أطلب سعد بن الربيع فقال لي: «إن رأيته فأقرئه مني السلام وقل له: يقول لك رسول الله كيف تجدك؟» قال: فجعلت أطوف بين القتلى فأتيته وهو بآخر رمق وفيه سبعون ضربة ما بين طعنة رمح وضربة سيف ورمية سهم فقلت: يا سعد إن رسول الله يقرأ عليك السلام، فقال: وعلى رسول الله السلام قل له يا رسول الله أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف وفاضت نفسه من وقته.
المثال الثاني:
ولنا الأسوة الحسنة في أصحاب رسول الله جميعًا ومنهم عمرو بن الجموح الأعرج الشديد العرج له أربعة بنون شباب يشاركون مع رسول الله في غزوة أحد ويأبى هو إلا أن يشارك فيقول له بنوه: إن الله قد جعل لك رخصة فلو قعدت ونحن نكفيك وقد وضع الله عنك الجهاد، فيذهب عمرو إلى رسول الله يشكو إليه أمر أبنائه ويقول: إن بني هؤلاء يمنعونني أن أخرج معك ووالله إني لأرجو أن أستشهد فأطأ بعرجتي الجنة، فيقول له رسول الله: «أما أنت فقد وضع الله عنك الجهاد وقال لبنيه: وما عليكم أن تدعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة»، فخرج مع رسول الله فقتل يوم أحد شهيدًا.
المثال الثالث:
وهذه أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب يأتي والدها إلى المدينة وهو على الكفر ويدخل عليهـا في بيت رسول الله فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله طوته عنه! فقال: يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله وأنت رجل مشرك نجس.
إن هذا الحب الذي استولى على قلوب الصحابة رضوان الله عليهم دفعهم إلى البذل والعطاء حينما رأوا من رسولهم خير قدوة للناس.
الآثار التربوية للقدوة الصالحة على المجتمع
إذا كانت التربية بالقدوة لها الدور الكبير في إعداد الفرد الصالح فإن ذلك يؤدي إلى النجاح في تكوين المجتمع الصالح؛ لأن الفرد نواة الأسرة، والأسرة هي نواة المجتمع، وبذلك نستطيع حصر هذه الآثار في الآتي:
- إن القدوة الحسنة لا يعيش مشغولًا بذاته بل يمد يديه بالخير والعون ويعطي إلى المجتمع ما يزيده أمنًا وسلامًا؛ لأنه يعرف معنى الإنسانية ويدرك مسئوليات الأخوة في المجتمع، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ} (المائدة:2).
- التربية بالقدوة تعمل على توحيد المجتمع الإسلامي بحيث يعمل أعضاؤه في بوتقة واحدة متضامنة في مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا مطلب تربوي إحياء المنهج الإسلامي من خلال جعل المسلمين جسمًا واحدًا يشعر الجميع بشعور واحد، قال تعالى: {وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ} (التوبة:71).
- إن التربية بالقدوة تغرس الروح الجماعية في قلب الفرد المسلم من خلال أن الجميع يقتدون بقدوتهم الذي هو المثال الحي في البذل والعطاء والتضحية والفداء، وعندما أحب الناس القدوة الأولى محمدًا- صلى الله عليه وسلم- قام المجتمع الإسلامي الفريد، مجتمع البذل والعطاء، مجتمع كل فرد فيه يشكل أمة لأنه تربى على الينبوع الأساسي القرآن الكريم وأخذ منه توجيهاته الربانية.
- التربية بالقدوة تعمل على تربية الناس خلقيًا وروحيًا وتربطهم بالله رب العالمين، كما أنها تقوي المجتمع من الناحية الإرادية؛ لأن الجميع تربى على الصبر والمصابرة وتحمل الصعاب من أجل المبدأ والفكر الذي آمن به.
نتائج البحث
- إن التربية بالقدوة من أفضل الأساليب التربوية وأكثرها انتشارًا قديمًا وحديثًا.
- إن القدوة الصالحة تعمل على تهذيب الأفراد وإصلاحهم كما تجعل من المجتمع وحدة مترابطة عقائديًا وشعوريًا واجتماعيًا وتعمق مفهوم الأخوة بين المؤمنين، وتجعل منهم أمة متضامنة ذات قوة وتأثير وفاعلية إلى الأفضل في حياة المجتمع، والقدوة الحسن رمزٌ لوحدة الأمة وتماسكها وخاصة أمام التحديات والصعاب فتقف شامخة وهي مطمئنة لوعد الله لها بالنصر والتمكين والاستخلاف، قال تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (النور:55).
- التربية بالقدوة تنمي محبة الناس لمن يتخذونه قدوة لهم.
- القدوة الصالحة تولد القناعة التامة بما يطرحه على الناس ويدعو إليه من إصلاحات في المجتمع.
- المصادر الأساسية للقدوة هي الأسرة، والأخلاء والمعلمون ورجال الوعظ والإرشاد والقادة والحكام.
- تعمل القدوة الحسنة على سرعة الامتثال والتطبيق لكل ما هو مفيد للمجتمع، بدون حرج ولا ممانعة من المقتدين، بل استجابة وتطبيق، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال:24).
.