أولادنا

الطفل المبدع.. ابن الحرية والوعي

 

حنان عطية

 الأطفال يولدون مبدعين وبداخلهم مزايا إبداعية لا نهائية.. لكن قليل منهم من يسعفه الحظ وتري إبداعاته الطريق إلى النور.. فما السبب في كون البعض يولد مبدعا ويكبر مبدعا، بينما هناك آخر يولد مبدعا وينتهي إلى لا شيء؟

قد أثبتت الدراسات أنّ الكثير من الأطفال العباقرة الذين ظهرت لديهم مواهب خارقة وقدرات براقة في سن مبكر- أثبتت أنّ البيئة كانت تجعل الطفل شغوفا بالتعلم وحب الاطلاع، وتجيب على أسئلته المتعددة وإن كثرت وطالت، ولا تنهر فضوله أبدًا، كما أنها بيئة خلابة لتحفيز إبداع الطفل معنويًا ولفظيًا؛ حيث الكلمات المشجعة له، والألقاب المرموقة التي تعزز ذاته، وتبني في داخله حلمًا كبيرًا وطموحًا عاليًا، لا سيما إذا اقترنت باسمه.

 أما البيئة الطاردة القاتلة لبذور الإبداع والموهبة فهي كثيرة الانتشار وواسعة المدى في مجتمعاتنا؛ حيث الاستهزاء والسخرية بقدرات الطفل وطموحاته ونهيه عن أحلام اليقظة أو التوغل في الخيال، وأشد من ذلك بلاءً حين تتسم تلك البيئة باضطرابات نفسية ومشاكل عقيمة، وغيرها من أساليب الكبت والضغط النفسي.

 إذن فهناك بيئة تقتل الإبداع ولا تقدم تحفيزًا ولا تشجيعًا وتغيب عنها الحرية ويسيطر القهر والسلطوية؛ فيكبح جماح التفكير الحر والخيال، ويغلب على نظام التعليم فيها التلقين وغياب النقاش المثمر، وهذا النمط يخرج أفرادا جامدين لا يبدعون ولا يتطورون ويتقاتلون على الوظيفة الحكومية ويؤدون مهامًا روتينية لا تسهم بحال من الأحوال في تقدم الإنسانية.

 

أجواء مناسبة

وصناعة الإبداع لا تجدي نفعا إلا من خلال تنمية حب الاستطلاع، والخيال، وتوفير الحرية، والتدعيم والتحفيز والتشجيع، ولا يكون الإبداع أبدا نتاجا للتعلم بالحفظ والتلقين.

والبيئة الراعية للطفل هي تلك المنظومة التي تبدأ من الأسرة إلى المدرسة فالمجتمع كله بنظامه السياسي والاجتماعي والثقافي، وكما يقول الدكتور علي سليمان أستاذ علم النفس الإرشادي بجامعة القاهرة، فإن هذا المكون البيئي المتكامل يهتم ويوفر أسباب الدعم والتحفيز فيوفر بيئة مكانية ونفسية للعب من غير قيود وخوف سواء في البيت أو في المدرسة أو خارجهما. كما يوفر جوًّا من التكيف مع أفكارهم بدون تسفيه أو وضع قيود عليها، حتى لا تتوقف عملية توليد الأفكار، والتي تعد أحد أهم أسس الإبداع، مع إمكانية تعديل بعض الأفكار الخاطئة بمرونة بدون عنف أو صدام.

 

التفكير الحر

ويؤكد سليمان أن تلك البيئة الراعية تعمل على إعطاء الفرصة للطفل ليكتشف إمكانياته ويبتكر الحلول لكي يعتمد على نفسه، وهذه البيئة أيضا لا تعتمد الحلول الجاهزة وإنما تدفع إلى بذل المحاولة لإيجاد حلول أخرى وهي تركز على طرق التفكير أكثر من التركيز على النتائج، فليس مهمًا أن يكسب الطفل المسابقة، أو يحصل على الأول بقدر ما يهم ما قام به من طرق للتفكير توصل بها لذلك الحل، وذلك بالثناء على طرق تفكيره أمام الآخرين ورصد هدايا للحلول الصحيحة وهدايا بطرق التفكير السليم.

ويضيف سليمان أن تشجيع روح المغامرة تعطي فرصة للطفل للتحدي والمغامرة عن طريق بعض الألعاب والمنافسة بينه وبين إخوته، أو بعض الألعاب، وهذا سيساعده كثيرًا على رؤية أفكار جديدة، فهناك الكثير من الألعاب التي تساعد على تنمية روح الابتكار والإبداع، وخصوصا ألعاب التركيب.

وشدد على ضرورة تقديم إجابات عن جميع التساؤلات مهما كانت هذه التساؤلات، وأن نقدم إجابات مفتوحة تثير تفكيره وتحفزه لمزيد من التساؤلات، وأن الاختراع لا يأتي إلا بعد تجربة وأخطاء.

 

القتلة

ويتهم الدكتور عبد الرحمن النقيب الخبير التربوي نظام التعليم العربي والبيئة الأسريّة غير الواعية، بقتل بوادر الإبداع عند الطفل العربي إضافة إلى غياب مؤسّسات رعاية الطفولة؛ موضحا أن الدولة يجب أن تهتم بالطفل وترعاه علميّا وصحّيا كما هو متوفّر للطفل في جميع الدول التي نهضت به.

وأوضَحَ أن هناك فارقًا بين منزل يوفّر للطفل احتياجاته والبيئة المناسبة لنموّه السليم والصحيح، وبين منزل آخر في بيئة قد تكون قاتلة، وأسرة لا تتوفّر لها أيّ فرص لنمو المواهب أو حتّى اكتشاف الموهبة ثمّ رعايتها بعد اكتشافها. الأسر العربيّة في معظمها لم يتعلّم فيها الأب ما واجبه ودوره ومسؤوليّته تجاه الابن، وكذلك الأمّ.

 

وأشار إلى أن المدرسة قد تكون بيئة قاتلة ومعوقة لذكاء الأطفال، حتّى المدارس الأجنبيّة أو الأهليّة الراقية تقدّم قشورا وجماليّات وكماليّات، وهي في الغالب تنعزل وتنفصل عن الثقافة الوطنيّة والبيئة العربيّة، ومن ثمّ فإنّها قد تقتل الإبداع. فإذا تركنا المدرسة وذهبنا إلى المرحلة الجامعيّة، وجدنا أنّ التعليم الجامعي تحوّل -مع الأسف- إلى أداة لحفظ المعلومات فقط، ولم تصل الدراسة إلى مستوى ومعنى الجامعة، الذي يجمع بين العلوم ويناقش ويحاور، بل أخذت صيغة المحاضرات ومذكّراتها والامتحانات، وهي أيضا بيئة طاردة للتفكير الحرّ المنطلق.

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم