Business

إعداد المعلم في الفكر التربوي الإسلامي

 

شغـلت قضية إعداد المعلم وتدريبه مساحـة كبيـرة من الاهتمام من قبل أهل التربية وذلك انطلاقـا من دوره الهام والحيوي في تنفيذ السياسـات التعليمية في جميـع الفلسفات وعلى وجه الخصوص في الفكر التربوي الإسلامي، ففي هذه الورقة البحثية سيتضح الفرق بين هذه الفلسفات من حيث كونه كاهنا أم راهبا أم ساحرا أم فيلسوفا أو كما في الفكر الإسلامي بانيا للحضارة وهاديا للبشر ومنيرا للطريق.

 

ولأن قيمة الإيمان تتحدد إلى حد كبير بقيمة العمل الذي يقوم به، ولما كان المعلم له قيمة عظيمة في التراث الفقهي والتربوي، احتل المعلم موقعا متقدما من حيث التقدير والتبجيل، مما جعل قضية تكوينه تتأثر باهتمام علماء التربية والفقهاء.

 

فالمعـلم ليس خازنًا للعلم يغترف منه التلاميذ المعارف والمعلومات، ولكنه نموذج وقدوة. ولأن المعلم أمين على ما يحمل من علم كان لا بد له من صياغة وأن يحافـظ على كرامته ووقاره، ولا يبتذل نفسه رخيصة، فذلك من شأنه أن يحفظ هيبته مكانته بين الناس.

 

ومن هنا تناول الباحث التربوى إيهاب محمد أبو ورد، فى دراسة له بعنون (إعداد المعلم في الفكر التربوي الإسلامي)، باهتمام الإسلام في إعداد المعلم وعلاقته بالتغيرات الحديثة، ومدى تأثير هذه التغيرات على بنيته وانعكاسها على تنمية عقول المتعلمين وخلقهم ومهاراتهم وإكسابهم المعارف والآداب المختلفة.

 

  •  الحاجة لوجود معلم ينهج الفكر التربوي الإسلامي:

إن الناظر في حال مجتمعاتنا الإسلامية والعربية يلمح بوضوح أنواعا من الخلل قد انتظمت كافة مناحي الحياة وشرائح الأمة، فالخلل واضح والقصور فاضح سواء كان على الأداء السياسي، أم على الأداء الاجتماعي وكذلك على الاقتصادي والتعليمي، حيث تدني مستوي التعليم والذي يرجع إلى ضعف القائمين على التعليم بشكل عام والمعلم بشكل خاص.

فدور المعلم خطير حيث أنه حلقة الوصل بين المتعلم والكتاب، ويجب أن يكون قدوة، مربيًا، مدربا، موجها مرشدا، فالتعليم واحد من مؤسسات مجتمعاتنا التي أصابها الخلل نتيجة الأفكار التي يحملها المعلمون.

وأيضا من الأسباب التي أدت إلى وجود أزمة في العملية التعليمية حسب رأي (الأغا، 1992) عدم تأهب المعلمين للتدريس وغياب الإعداد المسبق، فدخولهم الفصل في هذه الحالة يفقدهم السيطرة على الطلاب وعلى المادة الدراسية.

كما أن عدم كفاءة بعض المعلمين للتدريس في المستوى الذي وضعوا فيه وعدم اجتهادهم لإثبات أنفسهم في هذا المستوى وقصور النمو الأكاديمي للمعلم الذي يخضع للعشوائية والذاتية، بالإضافة إلى قلة الاطلاع ولا سيما في الموضوعات التربوية وعدم امتلاك المعلمين المهارات الأساسية كالتمهيد واستخدام الوسائل والأسئلة والتعزيز وإدارة الفصل والتلخيص، كلها تجمعت وساعدت على ضعف العملية التعليمية لذا كان لا بد من بيان منزلة المعلم في الفكر التربوي الإسلامي.

 

    فالمعلم في الفكر التربوي الإسلامي يتسم بعدة صفات منها:

  • النية الخالصة في أداء واجبه، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء ولا تخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار»، أي ألا يقصد المعلم دنياه فحسب بل والآخرة أيضا، قال تعالى: «ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم»، ويضع التعليم كرسالة لا مجرد وظيفة.
  • يحمل هم أمته، فالمعلم يتفاعل مع قضايا أمته.
  • أن يكون المعلم المسلم قدوة لغيره لما له من تأثير على غيره.
  • أن يكون معطاء لا ينتظر الثناء، قال تعالى: «قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم»
  • أن يراعي الفروق الفردية وتخصصه، حيث لا نجد ذلك في باقي الفلسفات والثقافات الأخرى، وهناك الكثير من سمات المعلم المسلم الذي يحمل الفكر التربوي الإسلامي حيث نلاحظ اهتمام الإسلام المتوازن الشامل الكامل في شتى جوانب شخصيته والتي أدت إلى الحاجة لمعلم ينهج الفكر الإسلامي، ويقوم بإحياء هذه الأمة والتي سبق وأن أوضحت أهمية مهنة التعليم في بناء الحضارات والثقافات ومواجهة التحديات التي تتكالب على العرب المسلمين وضربهم في عقر دارهم وما نلاحظه من سياسات تغيير المناهج وضرب المعلم للطلاب في شتى بقاع المسلمين لإخراج جيل غير واع بما يدور حوله وإنتاج شعوب تابعة مستهلكة لا تعرف لماذا نحيا بل كيف تأكل.

 

ويدلل ابن جماعة في كتابه (تذكرة السامع والمتكلم) على أن تحقيق أهداف التعليم منوطة بحسن اختيار المعلم بقوله: «وإذا سبرت أحوال السلف والخلف لم تجد النفع يحصل غالبا والفلاح يدرك طالبا إلا إذا كان للشيخ (المعلم) من التقوى نصيب وافر، وعلى شفتيه ونصحه دليل ظاهر».

لذا فليس كل أحد يصلح للتعليم، إنما يصلح من تأهب له وأُعِد إعدادا طيبا فالإنسان لا ينتصب للتدريس إلا إذا كان أهلا لذلك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور».

وتعتبر هذه دعوة صريحة لاختيار أفضل المعلمين للتعليم وبخاصة الذين تتوفر إليهم غزارة المادة العلمية وحسن إلمامه بها وسيطرته على مختلف مهاراتها، وتوافر حد من الثقافة العامة لديه لكي يعينه على توجيه المتعلمين ورعاية مصالحهم، كما يعينه على إرشادهم إلى مصادر المعرفة المختلفة ثم معرفته الكاملة بخصائص المتعلمين وصفاتهم

كما أن من دواعي ضرورة إيجاد معلم ينهج الفكر التربوي الإسلامي التحديات التي تواجهها المجتمعات الإسلامية.

إن العصر الذي نعيشه مليء بالتحديات، فكل يوم يظهر على مسرح الحياة معطيات جديدة تحتاج إلى خبرات جديدة وفكر جديد وأساليب جديدة ومهارات جديدة وآليات للتعامل معها بنجاح، أي أنها تحتاج إلى إنسان مبتكر ومبدع، بصيرته نافذة، قادرة على التكيف مع البيئة وفق القيم والأخلاق والأهداف المرغوبة.

وهذا كله يحتاج إلى تربية لمعلم في ظل انتهاج تربية متقدمة لتستنفر جميع طاقاتها البشرية والمادية إلى أقصى ما يكون، ألا وهي التربية الإسلامية.

 

بعض التحديات التي تواجه المعلم في ظل تربية إسلامية:

  • التحديات التي تتعلق بواقع تربية المعلم.

ومن هذه التحديات التي عمد الغرب على نشرها في المجتمع الإسلامي هو إعدام الهوية الإسلامية وذلك بسرقة الحضارة وتدميرها عند المسلمين، وأهم مظاهر سرقة الحضارة تجريد الأمة من لغتها حتى أصبح المعلم لا يجيد التحدث باللغة العربية -لغة القرآن- وكنتيجة لذلك أصبح ولاة الأمور في العملية التعليمية ليس أهلا لها فاعترى برامج التعليم الضعف والقصور مما أدى إلى ضعف إعداد المعلم، وعدم تلبية حاجات الطلاب المعلمين. وبالتالي عمل ذلك على عدم تنمية القدرة على التفكير السليم والتعبير وعدم بناء الطلاب المعلمين في النواحي الشخصية والاجتماعية.

 

  • تحديات تتعلق باختيار المعلم.

إن اختيار المعلم يضع الأساس لإعداده ممارسة مهنته، فإن اختير على الوجه الحسن وروعي متطلبات مهنته في هذا الاختيار، يؤدي ذلك إلى إيجاد معلم قوي مفكر وناقد، ولكن ما نراه الآن من عدم إقبال الطلاب المتفوقين على دخول كليات التربية (مهنة التعليم) إنما يرجع إلى عدة أسباب، منها:

  • احتقار المجتمع لمهنة التعليم وعدم تقديرها لها.
  • القيود التي تضعها السلطات المسؤولة على كاهل المعلم.
  • تدني رواتب الموظفين في قطاع التعليم.
  • كثرة الأعباء الملقاة على المعلم ..... وغيرها

لذلك عزف الطلاب المتفوقون عن دخول كليات اعداد المعلمين مما أدى ذلك إلى تدني مستويات القبول في تلك الكليات وعدم التقيد بمعايير للقبول ونتج عن ذلك ضعف الطلاب المعلمين. وللمطلع على أدبيات اختيار المعلمين في الاسلام، فلا بد من توفر شروط في المعلم وأولها الالتزام بالأخلاق الإسلامية، وثانيها اتقان مهارة التعبير باللغة العربية الفصحى وثالثها اتساع ثقافته الإسلامية خاصة والعلمية عامة. هذا بالإضافة إلى الرغبة في العمل بمهنة التعليم والثبات الانفعالي والثقافة التكنولوجية.

 

        تحديات تتعلق بتزايد حملات الغزو الثقافي:

ولكي يسيطر المعلم على هذا التحدي يجب أن يعمل على اكتساب مهارة:

- مساعدة المتعلمين على التمسك بالعقيدة الإسلامية والعمل على تربيتهم تربية إسلامية.

- مساعدة المتعلمين على إدراك أن الدين الحنيف يستوعب جميع أنواع العلوم التقنية ومختلف عوامل الحضارة طالما لا تتعارض مع القيم الإنسانية الفاضلة.

- ترسيخ مجموعة من المعايير عند المتعلم لمقاومة البرامج المختلقة وتقييمها في وسائل الاعلام. لذلك فإن التحديات التربوية التي تواجه العاملين في حقل التربية خاصة في العالم الاسلامي والعربي كثيرة وصعبة وتحتاج إلى صبر ومثابرة، ويتحمل المعلم العبء الأكبر في هذا كله، فلا عودة لمهابة المسلمين ولا جمعا لشملهم ولا تحقيقا لتقدمهم إلا بالعودة إلى التربية الإسلامية التي تعمل على تحكيم شرع الله وتحقيق التكامل بين المسلمين.

 

ثانيا: كفايات المعلم في الفكر التربوي الإسلامي:

وتنقسم كفايات المعلم إلى كفايات علمية ومهنية وأخلاقية وجسدية.

  • الكفايات العلمية:

 ويقصد بها إلمام المعلم بتخصصه العلمي ومادته التدريسية، فاهما لمعانيه، ليس مدعيا لذلك بل متحققا من ذلك، فإذا تم له الإلمام بمادته حيث محتواها من تفاصيل وفروع، مستوعبا لها متفهما لأمورها، يمكنه ممارسة مهنة التعليم. ويشير ابن جماعة لضرورة تنمية الكفاءة العلمية أثناء الخدمة، فينصح المعلم بدوام الحرص على ملازمة الجهد والاجتهاد والاشتغال قراءة وإقراء ومطالعة وتعليقا وحفظا وبحثا، ولا يضيع شيئا من أوقات عمره في غير ما هو بصدده من العلم إلا بقدر الضرورة. ولم يكتف المفكرون بذلك بل طالبوا المعلم أن يكون ذا ثقافة واسعة في غير تخصصه أيضا وربما كانت هذه شائعة في العصور الإسلامية الأولى حيث كانت الموسوعية سمة العلماء والمفكرين، فينصح ابن جماعة بالمعلم لأن يكون مبدعا في فن من الفنون ليخرج من عداوة الجهل.

وأن يكون غزير المادة العلمية، يعرف ما يعلمه أتم معرفة وأعمقها وعلى المعلم ألا ينقطع عن التعليم وأن يداوم على البحث والدراسة وتحصيل المعرفة (أن دوام الحرص على الازدياد بملازمة الجد والاجتهاد والاشتغال قراءة وإقراء ومطالعة وتعليقا وحفظا وتصنيفا وبحثا ولا يضيع شيئا من أوقات عمره في غير ما هو بصدده من العلم إلا بقدر الضرورة).

ويستدل ابن جماعة بقول سعد بن جبي: «لا يزال الرجل عالما ما تعلم، فإذا ترك التعليم واستغنى، واكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون»، يقول بعض العرب في إنشادهم:

وليس العمى طول السؤال وإنما       تمام العمى طول السكوت على الجهل.

فالمعلم إذا شاء أن ينجح في تعليمه فلا مفر له على أن يقبل على الاستزادة من العلم بمادته وتخصصه ولتكن همته في طلب العلم عالية وعليه أن يبادر أوقات عمره إلى التحصيل ولا يغتر بخدع التسويف والتأمل.

 

  • الكفاءة المهنية:

ويقصد بها مهارات التدريس التي يجب توافرها في المعلم لكي يستطيع أن يؤدي عمله على أكمل وجه لتحقيق أهدافه التربوية.  ومن هذه المهارات:

(أ) استثارة الدافعية عند التلاميذ ووجودها عنده، فالمفكرون التربويون ينصحون المعلم بأن يثير دافعية المتعلم وأن يرغبه في العلم في أكثر الأوقات بذكر ما أعد الله للعلماء من منازل الكرامات وأنهم ورثة الأنبياء وعلى منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء، ويحبذ الزرنوجي أن تكون الدافعية نابعة من المتعلم بنفسه: «فينبغي للمتعلم أن يبعث نفسه على التحصيل» ويقول: «وكفى بلذة العلم والفقه والفهم داعيا وباعثا للعاقل على تحصيل العلم».
(ب) مراعاة الفروق المهنية: فلا ينبغي للمعلم أن يشرك الطالب عالي التحصيل مع متدني التحصيل وذلك لاختلاف قدرة كل منهما، ففي ذلك عدم إنصاف، ويؤكد الغزالي بقوله بضرورة «ضرورة مخاطبتهم على قدر عقولهم».

(ت) طريقة التدريس: حيث أشار المفكرون لأهمية طريقة التدريس للمعلم بأن لا ينقلهم من علم إلى علم حتى يحكموه فإن ازدحام الكلام في القلب مشغلة للفهم.

ويؤكد ابن جماعة أن على المعلم أن يقرب المعنى للتلاميذ ويحتسب إعادة الشرح وتكراره ويبدأ بتصوير المسائل وتوضيحها بالأمثلة، وما ورد في مجامع العرب بأن العلم هو (ما حوته الصدور لا ما طوته السطور) مع عدم الحفظ الصم دون وعي وإجادة.

ومن طرق التعليم التي استخدمها المعلمون المسلمون أمثال ابن سينا هو التعليم التعاوني فيقول: «إن الصبي عن الصبي ألقن وهو عنه أخذ به وآنس».

 (د) إدارة الصف: وهي مهارة يجب أن يتمتع بها المدرس حني يستطيع تحقيق أهدافه في أحسن جو وأن يصون مجالس درسه في الغوغاء واللغط وسوء الأدب وأن يعامل طلابه بأدب، فهذا ابن سحنون يروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قال: «أيما مؤدب ولى ثلاثة صبية من هذه الأمة ولم يعاملهم بالسوية فقيرهم وغنيهم حشر يوم القيامة مع الخائنين».

(هـ) الثواب والعقاب: وهناك مسألة خلافية كبيرة بين مفكرين العصر ومفكرين الثقافة الإسلامية حيث أن الإسلاميين وضعوا ضوابط للعقاب حتى لا يساء استخدامه من قبل المعلم وألا يلجأ للعقوبة البدنية إلا عند الضرورة القصوى ويجب ألا يكثر من استخدامها حتى لا تكون روتينا عند التلاميذ فتفقد أهميتها، وأن يكون مؤدبا في عقابه رحيما.

وقد وضح الإسلام العلاقة بين المعلم والمتعلم في ضوء الفكر التربوي الإسلامي، فقد أخذ القابسي بالقاعدة التي تقول: «إن الله ليملي للظالم حتى يأخذه أخذ عزيز مقتدر، فالعفو أسبق من العقاب، والصبر مقدمة الحساب».

فأمر المعلمين بالرفق مع الصبيان وإن كان العفو مع أصحاب الذنوب من الكبار واردا، فهو مع الصبيان واجب لصغر سنهم وطيش أعمارهم وضيق حلومهم وقلة مداركهم.

فالمعـلم ينزل من الصبيان منزلة الوالد، فهو المأخوذ بآدابهم والقـائم على زجرهم وهو الذي يوجههم إلى ما منه مصلحة أنفسهم وهذا التوجيه يحتاج إلى سياسة ورياضة حتى يصل المعلم بالطفل مع الزمن إلى معرفة الخير والشر.

 

الكفايات الأخلاقية: ومن الكفايات الأخلاقية التي يجب توافرها في المعلم المسلم:

(أ) القدوة: يقول الشاعر

لا تنه عن خلق وتأتي مثله           عار عليك إذا فعلت عظيمُ

يجب أن يكون المعلم قدوة حسنة لتلاميذه في تعليمه للأخلاق، فالمعلم في فكر التربوي الإسلامي بإشراط الغزالي على المعلم أن يعمل بعلمه واستشهد بقوله تعالى: «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم».

ويشير ابن جماعة إلى أثر القدوة الحسنة بقوله: «ويسلك –أي التلميذ– في الهدي مسلكه –أي مسلك العلم– ويراعي في العلم والدين عاداته وعبادته ويتأدب بآدابه ولا يدع الاقتداء به».

ولقد حرص الغزالي على أن يبين أن التمسك بالمبادئ والعمل على تحقيقها يجب أن يكونا من صفات المعلم المثالي، فنصح المعلم بأن لا ينادي بمبدأ ويأتي أفعالا تتناقض مع هذا المبدأ ولا يرتضي المعلم لنفسه من الأعمال ما ينهى عنه تلاميذه، وإلا فالمعلم يفقد هيبته ويصبح مثارا للسخرية والاحتقار فيفقد بذلك قدرته على قيادة تلاميذه ويصبح عاجزا عن توجيههم وإرشادهم.

يقول الغزالي: «مثل المرشد من المسترشدين مثل النفس من الطين بما لا نقش فيه ومتى يستوي الظل والعود أعوج؟».

(ب) الزهد والتواضع:

 ويتمثل ذلك في أن يقتصد المعلم في ملبسه ومطعمه ومسكنه وحدها ابن جماعة بأن يكون (من غير ضرر على نفسه وعياله).

فالتواضع من صفة العلماء وألا يستنكف أن يستفيد ما لا يعلمه ممن يعلمه سواء كان دونه منصبا أو نسبا أو سنا.

(ج) الوقار والهيبة

 ينصح ابن جماعة المعلم بأن يتجنب مواضع التهم وإن بعدت ولا يفعل شيئا يتضمن نقص مروءته أو ما يستنكر ظاهرا وإن كان جائزا باطنا فإنه يعرض نفسه للتهمة وعرضة للوقيعة.

وألا يضحك مع الصبيان ولا يباسطهم لئلا يفضي ذلك إلى زوال حرمته عندهم، كذلك في مشية المعلم يجب أن تكون مشية العلماء وأن ينزه نفسه عن المهن الوضيعة وأن يصطحب الوقار والهيبة مع إخلاصه في العمل ليكون رزقه حلالا.

ويظهر ذلك جليا في أفكار المسلمين الأوائل فعند إخوان الصفا المعلم له شروط وصفات أوجزها في (الزهد في الدنيا وقلة الرغبة في ملاذها مع التهيؤ الفعلي في العلوم والصنائع، صارفا عنايته كلها إلى تطهير نفسه قادرا على تحمل كافة المشاق من أجل العلم وأن يكون مشتملا برداء الحلم، حسن العبادة أخلاقه رضية، وآدابه ملكية، معتدل الخلقة، صافي الذهن خاشع القلب).

 

الكفايات الجسدية:

يهتم الفكر التربوي الإسلامي اهتماما بالغا في الجانب الجسدي عند المعلم فيصف القلقشندي المعلم بأنه: «حسن القد، واضح الجبين، واسع الجبهة».

ويبدوا أن ابن جماعة كان أكثر موضوعية حيث وصف المعلم أن يكون دائما بالمظهر المناسب من حيث نظافته ونظافة ثيابه وتطيبه لإزالة كريه الرائحة، فالمدرس إذا عزم على مجلس التدريس تطهر من الخبث وتنظف وتطيب ولبس أحسن ثيابه اللائقة به بين أهل زمانه قاصدا بذلك تعظيم العلم.

ويبدو أن ذلك مستوحى من اهتمام الدين الإسلامي بالصحة والنظافة بشكل عام فالوضوء والاغتسال وأخذ الزينة عند كل مسجد مظاهر تأثر بها المفكرون في التربية الإسلامية وحرصوا عليها لأن النظافة من الإيمان.

فقد قال ابن جماعة مختصرا المعلم بأنه: «هو الذي كملت أهليته وكان أحسن تعلما –أي كفايته العلمية- وأجود تفهما -أي الكفاية المهنية– وظهرت مروءته وعرفت عفته –أي الكفاية الأخلاقية- ولعلنا مما سبق عرضه لاحظنا بأن النظريات العلمية والإنسانية الحديثة قد ظهرت عند علماء التربية العرب والمسلمين منذ مئات السنين حيث ظهرت إسهاماتهم جلية بعيدة عن اجتهاد الجهال ونزوات المخلفين، بل بذلوا عصارة فكرهم في بيان أصول التربية وفلسفتها وطرق تدريسها فظهرت عدة خلاصات وإيضاحات منها:

  • النظرة الخاطئة نحو التعليم كوسيلة ارتزاق حيث بين الإسلام أهمية هذه المهنة ووظيفتها.
  • بيان أهمية مهنة التعليم في الإسلام بعد أن تحقرت عند المجتمعات كمهنة إنشاءات وخطابات.
  • توضيح العلاقة بين الكم والكيف في إعداد المعلم في ظل الفكر التربوي الإسلامي.

   وهذه البنود الثلاثة هي التي تحدد المعلم صاحب الرسالة من المعلم العادي.

 

الحاجات التكوينية اللازمة للمعلم في ظل الفكر التربوي الإسلامي:

بالإضافة إلى ما سبق ذكره من سمات للمعلم والتي يجب أن تكون في المعلم الذي ينتهج الفكر التربوي الإسلامي لكي يكون متكاملا قدر الإمكان، فهناك عدة أمور يجب توافرها في المعلم ليكون معاصرا، منها:

       مواكبة التغيرات الحادثة:

فالتغير سمة من سمات الكون وناموس التغير وارد في القرآن الكريم، قال تعالي: «كل يوم هو في شأن» (الرحمن:29)، فالثورة التكنولوجية الحادثة حاليا جعلت هناك تدفقا هائلا للمعرفة الدقيقة وإرسال كميات هائلة من المعلومات، يجب على المعلم في ضوئها أن يحسن استخدامها، ويسخرها داخل عمليته التعليمية لمواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مما يساعده على محاربة جميع التحديات التي باتت تغزو بلاد المسلمين.

لقد أصبحت الثقافة العامة الآن بعدا هاما من الأبعاد الأساسية لإعداد المعلم والتي تزيده سعة وتعمقا في الفهم وميولا عقلية تدفع بصاحبها إلى البحث والاستزادة من العلم وقدرة على متابعة الجديد وتفسير الاتجاهات وتفهمها.

ومن هنا كان توجيه ابن جماعة للمعلم: «بأن لا يدع فنا من الفنون أو علما من العلوم إلا نظر فيه، فإن ساعده القدر وطول العمر على التبحر فيه فذاك، وإلا فقد استفاد منه ما يخرج به من عداوة الجهل بذلك العمل، ويعتني من كل علم بالأهم فالأهم».

 

  • تحديد مصادر برامج إعداد المعلمين وفق الفكر الإسلامي:

 لأن النظام التعليمي ينمو ويترعرع في ظل فكر فلسفي يغذيه، ويتم تحديد الأهداف لتكوين المعلم في ضوئها مما يساعد المعلم على الحكم السليم في معالجة المشكلات. ومن المصادر التي يجب أن ينبثق عنها إعداد المعلم:

- القرآن الكريم والسنة المطهرة، لما لها من أصالة في توجيه المعلم والاقتداء بالرسول المعلم والمربي عليه أفضل الصلة والسلام بحيث يصبح مثله الأعلى في بناء شخصيته.

- التراث العربي الإسلامي، فعلى المعلم أن يجتهد في الانفتاح على ثقافات العرب والمسلمين الغنية في شتى المجالات وضرورة الاستفادة من القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية الصالحة لمواكبة العصر.

- نتائج الدراسات العربية والإسلامية السابقة.

- الانفتاح غير المطلق على ثقافات الآخرين.

- الجمع بين التربية المستمرة والنمو الذاتي للمعلم، فمهنة التعليم في ظل الإسلام يتطلب نموا مستمرا، لمواكبة التطور العلمي والتكنولوجي، والزيادة المتراكمة في مجال المعرفة.

 

  • إعداد المعلم الباحث:

وذلك بامتلاك المعلم وسائل المعرفة العلمية والتقنية، ويتم ذلك من خلال تنمية المهارات العلمية، ومحو الأمية التكنولوجية لدي المعلم وفي مقدمتها التعامل مع الحاسوب لمواجهة المشكلات وحلها بطرق علمية صحيحة، وقد قام (سليمان، 1982) بإجمال بعض النقاط التي يجب أن تتوفر في المعلم الناجح وهي:

- من يتوفر لديه الشعور بالمسئولية ويتفانى في أداء واجبه

- هو الذي يعيش في مجتمعه بكل كيانه ومقوماته

- الذي يستجيب لتطورات الحياة من حوله

- هو الذي يشعر تلاميذه نحوه بالتقدير والاحترام

- هو القدوة الحسنة لتلاميذه في مظهره وهندامه وتصرفاته

- أن يكون متمتعا بصحة جسمية ونفسية

- أن يكون مجيدا لمادة تخصصه وأن يلم بطبيعتها

- أن يكون متعاونا.

لذا فقد اقترح (البوهي وغبن) (7) بوضع برنامج تدريبي أثناء الخدمة وذلك لـ:

  • رفع مستوى أداء المعلمين في المادة والطريقة وتحسين اتجاهاتهم وتطوير مهاراتهم التعليمية ومعارفهم وزيادة قدراتهم على الإبداع والتجديد.
  • زيادة إلمام المدرسين بالطرق والأساليب الحديثة في التعليم وتعزيز خبراتهم في مجالات التخصص العلمية.
  • تبصير المعلمين بمشكلات النظام التعليمي القائم، ووسائل حلها وتعريفهم بدورهم ومسئولياته في ذلك.

 

أهم الاتجاهات الحديثة المناسبة لتربية المعلم للمجتمع المسلم:

1- التأكيد على تأهيل المعلم لتربية تلاميذه تربية إسلامية

وهذه العبارة تعني في جوهرها توجيه سلوك المتعلم بمساعدة المعلم على أن ينمو بشكل كامل وشامل ومتوازن، ومنها اكتساب الخبرات الخاصة بالقيم الإلهية والخبرات البشرية مما يجعل سلوكه قولا وعملا وفق منهج الله.

قال تعالى: «ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون» (الأعراف)، ويقول أيضا: «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره» (الزلزلة).

2- العناية بتزويد المعلم بالثقافة الإسلامية: فالثقافة الإسلامية هي الأساس التي يبنى عليها نظام المجتمع ويقوم عليها البناء التعبدي وهي منطلق تحرر النفس الإنسانية من العبودية لغير الله ولذا فهي تستنفر المعلم لتربية تلاميذه وتوجيههم وإرشادهم وحفز هممهم نحو دفع الأمة إلى الانطلاق الحضاري تحت راية دين الله الحنيف وتعريفهم بماضي أمة الإسلام وحاضرها.

3- العناية بالتوجه الإسلامي للعلوم وبإسهامات العلماء المسلمين فيها.

4- تمكين المعلم من مهارات التعبير باللغة العربية الفصحى ومن التعليم فيها.

5- ويدخل في إطار هذا البند الاتجاه نحو تعريب جميع المعلومات ورفع مستوى المعلم فيها وتقوية المعلم في التحدث باللغة العربية لما لها من إسهامات في تقوية المعلم وانعكاسها على شخصية الطالب في اللغة.

6- الأخذ بمبدأ التعليم مدى الحياة والنظر إلى تربية المعلم في إطار نظام موحد؛ ذلك لكي يبقى المعلم متصلا بعالم التربية والعلم ومطلع على التجديدات الحديثة.

7- رفع مستوى برامج تربية المعلم وتكاملها وتنوع خبراتها؛ لأن برامج اعداد المعلمين هي الركيزة الأساسية لنواة تكوين المعلم، لذلك من الضروري على الجامعات والجهات المختصة أن تقوم بتعديل خطة إعداد المعلم والاهتمام به في جميع الجوانب، المهنية، العلمية، الاجتماعية، الأخلاقية.

8- الأخذ بالتطورات المعاصرة في التقنية التربوية ومحو الأمية التكنولوجية، لأن عصرنا الحاضر هو زمن التقدم العلمي والتكنولوجي، تطورت معها طرق تدريس المواد، وتقدمت أساليبها لمراعاة تغيرات العصر كما أسلفت آنفا.

لذلك كان من الضروري تنمية قدرات المعلمين على الأخذ بالتطورات الحاصلة في العالم شريطة ألا يتنافى ذلك مع الشريعة الإسلامية. والتأكيد على البحوث وتطبيقاتها الميدانية وذلك لما لها من أهمية في تقدم العلوم والارتقاء بشخصية المعلم.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم