كان من توصيات مؤتمر الإخوان السادس الذي عُقد عام 1941م بأن سمح للإخوان بالترشح للانتخابات البرلمانية، وبالفعل حينما تولى النحاس باشا الوزارة في 4 فبراير 1942م حل البرلمان ودعى لانتخابات جديدة فتقدم الإمام حسن البنا للترشح على دائرة الإسماعيلية والتي اهتم أهلها بهذا الترشح وعقدوا له المؤتمرات الدعائية، غير أن الإنجليز غضبوا وضغطوا على النحاس باشا بحل جماعة الإخوان وسحب حسن البنا قرار الترشح وإلا سيكون لهم شأن آخر وبالفعل التقى النحاس بالبنا في فندق مينا هاوس وطلب منه التنازل وأطلعه على الموقف فطلب الأستاذ البنا عرض الموقف على الإخوان فكان رأى الأغلبية عدم الانسحاب لكن الأستاذ البنا ووفق المخاطر التي تحدث عنها النحاس باشا قرر الانسحاب مقابل أن يسمح النحاس للإخوان بالعمل دون اضطهاد وبأن يصدر قرار بإلغاء البغاء وتحريم الخمر فوافق الأخير فقرر الأستاذ البنا الانسحاب فأحدثت ضجة وسط الإخوان.. فكان هذا الموقف الذي يحكيه أ/ محمد حامد أبو النصر فيقول:
ولما طرح هذا الأمر عل الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين مجتمعة تبلور الحوار عن وجهتي نظر إحداهما عدم التنازل ويمثل الأغلبية والآخر ترك الأمر لفضيلة الإمام الشهيد على اعتبار أنها مسألة شخصية، وعلى ذلك فقد تصرف الإمام الشهيد على هذا الوضع الأخير، فاحدث ذلك اضطرابا في صفوف الإخوان فمنهم الموافق ومنهم المعارض وعمت هذه الموجة الغاضبة جميع الإخوان داخل القطر مما اضطر مكتب الإرشاد إرسال بعض أعضائه إلى الأقاليم لعرض المسألة وشرحها بما يطمئن النفوس. فكان أن زارنا في الصعيد الأستاذ المرحوم/ عبد الحكيم عابدين سكرتير عام الجماعة وعقد لذلك اجتماع لنواب الإخوان في دارهم بأسيوط وأعطيت الكلمة للأستاذ/ عبد الحكيم عابدين فتناول الموضوع بالشرح والإسهاب وانتهى به الأمر إلي أن التنازل مسألة خاصة بفضيلة الإمام الشهيد ولا يصح أن تكون موضع قلق أو اضطراب الإخوان وبعد ذلك عقبت في كلمتي قائلا: إن التنازل مساءلة انتهت ولا يصح تضييع الوقت في الكلام فيها لكني أرجو من أ/ عبد الحكيم عابدين أن يرفع إلى فضيلة الإمام الشهيد أننا قد سلمنا بما انتهي به الأمر ولكن على فضيلته أن ينزل مستقبلا على رغبة الأغلبية مهما كانت النتيجة، وما إن سمع أ/ عبد الحكيم عابدين كلامي حتى وقف معقبا وأعلن أن هذا معناه عدم الطاعة لفضيلة مرشد الجماعة والتمرد بل هو الخروج على مبادئ الجماعة وصور ذلك في قوة شديدة وثورة عارمة، وعلى إثر ذلك انصرفت من الاجتماع محتجا، ومن ثم عدت إلي منزلي بمنفلوط وقضيت بقية الليل اكتب رسالة مطولة لفضيلة الإمام الشهيد اشرح فيها ما حدث في الاجتماع موضحا رأيي بصراحة ووضوح وموقف الأخ الأستاذ/ عبد الحكيم عابدين نحوي وكررت طلبي النزول على رأي الأغلبية مستقبلا وما إن وصل خطابي إلى فضيلة الإمام الشهيد حتى اتصل بي هاتفيا من القاهرة معتذرا عن ما حدث من أ/ عبد الحكيم عابدين ووعدني بأنه سوف يأخذ بما أشرت في خطابي من احترام قرارات الهيئة مهما كانت الظروف وأكبر فيّ هذا المعني الصريح فسعدت بهذا أيما سعادة وفهمت أن الدعوة الإسلامية بين يدي رجل يعشق الحرية ويحترم الرأي الآخر مهما تعارض مع ما أصدر من قرارات وشكرت لفضيلته روح التفاهم العالية وسماحة قلبه الكبير لتصحيح الأوضاع وإرساء قاعدة الشورى واحترامها والعمل حفظا على وحدة الكلمة وجمع الصف وفي هذا قوة الجماعات.
الأستاذ عبد الحكيم عابدين كان السكرتير العام لجماعة الإخوان المسلمين وهو من مواليد عام 1914م بقرية مطرطارس، الفيوم، وتخرج في كلية الآداب وكان شاعرا وسياسيا، وله ديوان بعنوان (البواكير) اعتقل في عام 1948م وهو من تقدم بمذكرة للقضاء لإلغاء قرار الحاكم العسكري بحل الجماعة عام 1948م وبالفعل حكمت المحكمة بعودة الجماعة عام 1951م.
نجا عبد الحكيم من اعتقالات 1954م وظل بالخارج حتى عاد لمصر عام 1975م وعمل مع المرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني وتوفي عام 1976م.
أما الأستاذ محمد حامد أبو النصر فهو من مواليد منفلوط – أسيوط في 6 ربيع الآخر 1331 هـ الموافق 25 مارس 1913 وهو من أسرة ثرية في الصعيد تعرف على الإخوان عام 1933م واختير عضوا بمكتب الإرشاد في عصر الأستاذ البنا وما بعده.. تم اعتقاله عام 1954م حيث قضى 20 عاما في السجون وحينما خرج شارك إخوانه العمل على عودة الجماعة وتم اختياره مرشدا عاما بعد وفاة الأستاذ التلمساني عام 1986م وظل حتى توفى عام 1996م.
.