قراءة في مشروع التغيير عند الإخوان المسلمين (2-4)

قراءة في مشروع التغيير عند الإخوان المسلمين

معالم ومكونات حراك المشروع داخل الوطن

  • يتحرك المشروع في مجالين: الأول محلي وطني والثاني إقليمي دولي
  • تنطلق حركة المشروع في المجال الوطني في ثلاث مهام رئيسة: دعوية وثورية وسياسية
  • يتحرك المشروع خارج حدود الوطن في مجالين، الأول: داخل الكيان الإسلامي، والثاني: في المجال الإنساني الرحب.
  • الفرد والأسرة والمجتمع هي مجال العمل للمكون الدعوي.
  • السلطان الأجنبي يقف عقبة كؤودًا أمام استكمال حرية المجتمع السياسية، لذا كان التخلص منه من أبرز أولويات المشروع.
  • تغول السلطان الأجنبي يحرم المجتمع من التعبير عن حريته في اختيار مؤسساته التشريعية والتنفيذية
  • الانتقال من مرحلة البناء الدعوي للمجتمع إلى مرحلة تمكينه من التشريع والحكم لن يكون سلسًا إلا بالتخلص الكامل من السلطان الأجنبي.
  • السلطان الأجنبي غير المسلم يتغول على هوية المجتمع وينسف كل الجهود الدعوية ما لم يتم الخلاص منه.
  • المكون الثوري ينطلق في اتجاهين، الأول: يتمثل في المقاومة المشروعة ضد أي احتلال أجنبي، والثاني: في الثورة السلمية ضد الاستبداد المدعوم من السلطان الأجنبي.
  • إذا تخلص المجتمع من المحتل والمستبد؛ نال حريته وتأهل للحصول على حقه في اختيار مؤسسات التشريع والحكم.

 

عادل الأنصاري

للوقوف على معالم المشروع ومحدداته وملامحه وأبعاده نبدأ من حيث بدأت الفكرة التي شرحها مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا، والتي شكلت في جمل مختصرة وعبارات محدودة ورسائل معدودة ملامح هذا المشروع، الذي بذل في سبيل تحقيقه وتطبيقه على أرض الواقع مئات الآلاف من المسلمين، في أرجاء المعمورة الأعمار والأرواح بهدف نقله من عالم الفكرة إلى عالم الشهادة.

ولعل حديث الإمام البنا عن خطوات العمل ومراحل التغيير التي تكلم عنها في رسائله تكون هي البداية المناسبة في هذا المقام، والتي يمكن أن ننطلق منها إلى غيرها ونتوسع منها إلى ما يشرحها، حيث أسس البنا لمشروعه بالحديث عن مراحل سبعة للعمل الإسلامي حددها بصورة واضحة:   

  •  إصلاح الفرد حتى يكون: قوى الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا فى شؤونه، نافعًا لغيره.
  •  وتكوين البيت المسلم: بأن يحمل أهله على احترام فكرته، والمحافظة على آداب الإسلام فى كل مظاهر الحياة المنزلية، وحسن اختيار الزوجة، وتوقيفها على حقها وواجبها، وحسن تربية الأولاد وتنشئتهم على مبادئ الإسلام.
  • إرشاد المجتمع: بنشر دعوة الخير فيه، ومحاربة الرذائل والمنكرات، وتشجيع الفضائل، والأمر بالمعروف، والمبادرة إلى فعل الخير، وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائما.
  • تحرير الوطن: بتخليصه من كل سلطان أجنبي – غير إسلامي – سياسي أو اقتصادي أو روحي.
  • الحكومة: حتى تكون إسلامية بحق، وبذلك تؤدى مهمتها كخادم للأمة وأجير عندها وعامل على مصلحتها.
  • إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية: بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافاتها وجمع كلمتها، حتى يؤدى ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة.
  • أستاذية العالم: بنشر دعوة الإسلام فى ربوعه.

والناظر إلى هذه المكونات السبعة للمشروع الحضاري لجماعة الإخوان- كما صاغه المؤسس- يمكنه أن يقسم المشروع إلى مستويات عدة ومراحل متداخلة ومكونات متراكبة، حيث يمكن تقسيمه إلى مكونين أساسيين كلاهما على مستوى المجال الذي يتحرك فيه، المجال الأول: هو المحلي الوطني، والمجال الثاني: هو الإقليمي والدولي.

وترتكز حركة المشروع في المجال الأول على العمل داخل القطر الواحد أو داخل الوطن الواحد- وفقًا لتعبير البنا – ويكون أمام المشروع في هذا المجال الوطني عدد من المهام تنقسم بدورها إلى ثلاثة مهام رئيسة: المهمة الأولى دعوية، ومجالها إصلاح الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع، والمهمة الثانية تتجلى في تحرير الوطن من السلطان الأجنبي غير المسلم، أما المهمة الثالثة فسياسية، ومهامها النضال السياسي لتحقيق إرادة المجتمع وتقرير حقه في اختيار سلطة تشريعية «برلمان» وسلطة تنفيذية تتمثل في «الحاكم والحكومة».

أما المجال الثاني للمشروع فيكون في الفضاء الإقليمي والدولي، والذي يكون بمثابة المحددات السياسة الخارجية للمشروع، حيث تكون أمام المشروع مهمتان: الأولى داخل الكيان الإسلامي، أو الأمة بمجملها، والمهمة الثانية تكون خارجه، بالعمل على التأثير ونقل فكرة المشروع من داخل الأمة الإسلامية إلى المجال الإنساني الرحب.

ونقف في هذا الملف بشيء من التفصيل على محاولة لقراءة المشروع الذي تطرحه جماعة الإخوان في المجالين المحلي الوطني من جهة، والإقليمي والدولي من جهة ثانية، ونستمر لنتعرف على المكونات التفصيلية داخل كل مجال لنقترب بذلك من رسم صورة متكاملة عن طبيعة المشروع ومجالات عمله.

أولًا: الحراك داخل المجال الوطني

وبالوقوف عند المجال الوطني للمشروع نجد أنفسنا أمام ثلاثة مكونات رئيسة للمشروع:

  • المكون الدعوي والتربوي.
  • المكون الثوري.
  • المكون السياسي.

 

المكون الأول: الدعوي والتربوي

ويرتكز المكون الدعوي والتربوي على ثلاث مهمات رئيسة يسعى لتحقيقها وهي:

  •  بناء الفرد ليكون قوى الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا فى شؤونه، نافعا لغيره.
  •  تكوين الأسرة، التي يستهدف المشروع أن تتشرب قيم الإسلام وتحافظ على آدابه وتؤسس جيلا جديدا على مبادئ الإسلام.
  •  إرشاد المجتمع، والتي تهتم بنشر دعوة الخير وكسب الرأي العام إلى جانب الفكرة الإسلامية، وصبغ مظاهر الحياة العامة بها دائما؛ وهي المرحلة التي إن تحققت بصورة مناسبة يكون المجتمع مؤهلا للانتقال بالمشروع الإسلامي من المستوى الاجتماعي إلى المستوى السياسي، من خلال ممارسة حقه في أن تكون التشريعات داخل هذا المجتمع متوافقة مع قيمه ومعتقداته ومتسقة مع خياراته واتجاهاته.

 

المكون الثاني: تحرير الوطن من السلطان الأجنبي

ويبدأ الحديث عن هذه المهمة منذ لحظة ممارسة المجتمع الذي تربى على الإسلام وشاعت فيه الفكرة الإسلامية حتى باتت تشكل رأيا عاما داخل مكوناته، إذ تظهر أمام هذا المجتمع تحديات هائلة وعقبات كؤود تتمثل في وجود عوائق أمام الوصول إلى المجال السياسي الذي يضمن للمجتمع ممارسة حقه في التشريع واختيار من يحكمه.

هذه العقبة الكبرى تتمثل في تغول السلطان الأجنبي الذي يسعى حثيثا لمنع المجتمع من التعبير عن حريته في اختيار من يشرع له ومن يحكمه، إذ تبدأ مراحل أفول ذلك المحتل الأجنبي وفشل مهمته منذ اللحظة التي يصر فيها المجتمع على ممارسة حقه في اختيار من يحكمه، وبالتالي كان اتجاه المشروع الإسلامي لتوجيه المجتمع لمرحلة الخلاص من المحتل هامة في تأمين خياراته الفكرية والاعتقادية دون أن يتغول عليها سلطان جائر أو عدوان أجنبي.

ومن الواضح أن الإمام البنا أدرك أن عملية الانتقال من مرحلة البناء الدعوي والتي تتمثل في بناء الفرد والأسرة والمتجمع إلى مرحلة السياسة- وهي ممارسة حق المجتمع في التشريع والحكم وفقا لرؤيته- لن يكون سلسًا، ولن تمر إلا عبر مرحلة وسيطة تتمثل في الخلاص الكامل من سلطان المحتل السياسي والاقتصادي والروحي، فإن فعل كان الطريق معبدًا وميسرًا للوصول إلى حريته في التعبير عن رؤيته وأفكاره وثقافته.

والناظر إلى الواقع السياسي الذي مرت به الأمة خلال القرنين الأخيرين يدرك أن السلطان الأجنبي غير المسلم سعى وبكل قوة لهدم وتشويه مقومات الهوية الثقافية والفكرية، ونسف كافة الجهود الدعوية والتربوية التي يمكن أن يكون المشروع قد نجح في إنجازها، مما يجعل المشروع غير قابل للانطلاق، وإلا فإن كافة هذه الجهود ستضيع سدًى ما لم تتوفر لها الحماية السياسية اللازمة، وبدون ممارسة المجتمع لحقه في اختيار مؤسساته.

وبذلك كان لزامًا ليستكمل المشروع انطلاقه ويصل إلى غاياته أن يظهر هذا المكون الثوري الذي يقوم بدور الخلاص من السلطان الأجنبي في مرحلة سابقة وواجبة قبل إفساح المجال رحبًا وواسعًا أمام ممارسة المجتمع لحقه في حرية اختيار المؤسسات التشريعية والتنفيذية.

إلا أن للمكون الثوري في إطار مشروع الإخوان مستويين:

  • الثورة السلمية: وتتمثل في النضال من أجل فرض حق الشعوب والمجتمعات في اختيار مؤسساتها في مواجهة سلطان الاستبداد المحلي، والذي يستمد قوته وطاقته وعنفوانه من السلطان الأجنبي، وبالرغم من أن الاستبداد المحلي يستند على السلطان الأجنبي ويحتمي به إلا أن الخيار الذي يتبناه مشروع الإخوان هو الثورة السلمية على الفساد والاستبداد المحتمي بالآخر لمحاولة خلخلة وجوده وبقائه واستمراره والسعي الدائب والكامل للتخلص منه.
  • المقاومة المشروعة: وتكون هذه المقاومة إذا ظهر السلطان الأجنبي بصورة مباشرة غير مستترة وظهر بصورة جلية من خلال تواجد عسكري مباشر على أرض الوطن، حينها تكون المقاومة المشروعة هي الحل الناجع والمناسب للتعامل معه بدون مواربة، وبهذا يمارس المجتمع حقه الكامل في استقلاله ومنع العدوان عليه والحفاظ على هويته وثقافته.

 

 المكون الثالث: السياسي

وإذا ما تمكن المجتمع من الخلاص من السلطان الأجنبي من خلال تفعيل كافة أدوات المقاومة المشروعة ثم تخلص من أذنابه وأتباعه بالمقاومة السلمية، فيكون في هذه الحالة مؤهلًا لممارسة حقه في حرية اختيار مؤسساته السياسية التي تتمثل في اختيار مؤسساته التشريعية والتنفيذية، بعيدًا عن العقبات والمعوقات التي يمكن أن تحول بين المجتمع وبين ممارسة حقه الأصيل في الحرية.

وبذلك نجد أن المكون الأول للمشروع المركزي لجماعة الإخوان المسلمين يستهدف تحقيق أدوار دعوية مع الفرد والأسرة والمجتمع؛ لنشر الفكرة الإسلامية الشاملة وتوفير قناعات فكرية بها، وصناعة تيار جامع حولها يعاضدها ويناصرها ويتحمس لها.

أما المكون الثاني للمشروع المركزي للجماعة فيتمثل في تحرير الوطن من السلطان الأجنبي ومن الاستبداد المحلي المدعوم بالسلطان الأجنبي، أما المكون الثالث فهو انطلاق المجتمع نحو تحقيق خياراته السياسية التي تتناسب مع مقومات ثقافته وهويته ومن ثم اختيار المؤسسات التشريعية والتنفيذية التي تتشكل للتعبير عن رؤية أغلبية المجتمع أو التيار الواسع منه، وهو ما يتم وفق آليات ديمقراطية حديثة ثبت من التجربة أنها مناسبة لإفراز حكومات ومؤسسات تشريعية وتنفيذية تعبر عن تيارات المجتمع والرؤى الغالبة داخله.

 

المطالعة باقي الأجزاء:

 

 

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم