إعداد/ عبده دسوقي
خلق الله هذا الكون من مكونات مختلفة، كما خلق الإنسان من صلصال مختلف حتى يتمايز الجميع.. عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ، مِنْهُمُ الْأَحْمَرُ وَالْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَصْفَرُ، وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ، وَالْخَبِيثُ وَالطِّيبُ» (أخرجه الترمذي).
وفي طبائع الناس اختلاف، فمنهم الهين اللين، السهل الرفيق، ومنها الصعب، ومنهم ما سوى ذلك، ومن الناس الطيب المؤمن، ومنهم الخبيث الكافر.
والاختلاف قاعدة كونية بينما التماثل والتطابق هو استثناء للقاعدة حيث أن التطابق يجعل الحياة فاقدة لروح التجديد، ولما كانت الظروف التي يعيشها البشر وبيئاتهم ومستوى وعيهم وثقافتهم وتجاربهم في الحياة مختلفة، بالإضافة إلى اختلافهم في العمر والخبرة في الحياة واختلاف الأمزجة والنفسيات، كان من الطبيعي تبعُا لذلك الاختلاف، أن يكون لكل منا وجهة نظر أو رأي خاص به، قد يتطابق ويتفق مع الآخرين، أو قد يختلف معهم، بغض النظر عن صحة هذا الرأي أو عدم صحته.
إن الاختلاف الإيجابي البناء المثبت، معناه: أن يسعى كل واحد لترويج مسلكه وإظهار صحة وصواب نظرته دون أن يحاول هدم مسالك الآخرين أو الطعن في وجهة نظرهم وإبطال مسلكهم بل يجب عليه السعي لإكمال النقص ورأب الصدع والإصلاح ما استطاع إليه سبيلا.
أما الاختلاف السلبي هو محاولة كل طرف تخريبَ مسلك الآخر وهدمه ومبعث ذلك الحقد والعداوة والضغينة.
القرآن الكريم والاختلاف
إن القرآن الكريم وردت فيه صيغ الاختلاف كثيرة، والجزاء متعدد حتى يعطينا حقيقة الاختلاف أنه مهما حدث فهو متعدد لا يُفسد للود قضية، ولكل فرد مزاجه في الاختلاف ويجب احترام كل ذي رأى، كما استبعد القرآن أن يكون الناس أمة واحدة ينتظمهم اتفاق ورأي وإنما هم مختلفين، وبقدر ما حرص القرآن على تأكيد الوحدانية لله بقدر ما أبرز التعدديات فيما عداه، ومما يؤكد ذلك قوله تعالى:
- ﴿وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ﴾ (٢٥٣ البقرة).
- ﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾ (١٩ آل عمران).
- ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ (١٠٥ آل عمران).
- ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا﴾ (19 يونس).
- ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ (88 هود).
- ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ﴾ (8 الذاريات).
يقول الأستاذ جمال البنا: «إذا كان القرآن الكريم قد وصف أمة المسلمين أنها واحدة فهذا يعني أنها واحدة في عقيدتها ولكنه لا ينفى عناصر التميز والاختلاف والتنوع بين شعوب وفصائل هذه الأمة داخل الإطار الفسيح للعقيدة الواحدة».
الاختلاف في السيرة
لقد حفلت السنة النبوية وسيرة المصطفى _صلى الله عليه وسلم_ وسيرة أصحابه بنماذج كثيرة في الاختلاف الذي بنى حضارة إسلامية ظلت تحكم وتشع بنورها فترة طويلة.
لقد ضرب _رسول الله صلى الله عليه وسلم_ القدوة الحسنة لأمته في هذا الصدد حين أكد على ضرورة تقبل آراء الآخرين بسعة صدر متسامح وحرية المعارضة دون إرهاب أو تخويف، فكان الرسول _صلى الله علية وسلم_ ينزل عن رأيه إلى رأي أصحابه إذا لاح له أنه أصوب وخصوصا في أمور المعيشة وشئون السياسة والتعليم فيقول: «إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن، أنتم أعلم بأمر دنياكم» (رواه مسلم عن عائشة وأنس).
وكان صحابة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ لا يضيقون صدرا بالنقد على شدته ويتخذونه سبيلا لمراجعة النفس بل يثنون على من يعارضونهم. من ذلك ما رًوى أن أحد الرعية قال لعمر بن الخطاب: «اتق الله يا بن الخطاب! فأغضب هذا بعض من حوله وحاول أن ينتهر هذا القائل ولكن عمر قال: دعه فلا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها».
وقد أجمع علماء الأمة على عدم قدسية أي شيء إلا لكتاب الله وسنة رسوله وكما يقول الإمام مالك: «كل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا المقام» مشيرا إلى قبر الرسول _صلى الله عليه وسلم_.
أسباب الاختلاف:
1- ضعف ثقافة الحوار
لقد تملكت مجتمعاتنا ثقافة الرأي الواحد والاستبداد به وعدم سماع وجهات النظر الأخرى ليس فقط في بنية الأنظمة الحاكمة، بل في بنية التوجهات والحركات والمنظمات السياسية والفكرية القائمة على الساحة العربية والإسلامية، التي نتجت أساسًا عن صراعات لا عن حوارات، وامتد ذلك الأمر حتى بين الناس العاديين أنفسهم الذين تحولوا إلى وقود للصراعات العرقية والطائفية مما أدى لانتشار مظاهر سيادة الرأي الواحد واللون الواحد وطغيان الاستبداد، والانتهاك الواسع للقانون وغياب العدالة.
2- تدني مستوى التعليم وانتشار الأمية
من الأسباب القوية التي تؤدي للتناحر وعدم تقبل وجهات النظر بسبب ضيق أفق عدم المتعلمين، وكما قال رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_: «فَقِيهٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ» (رواه الترمذي).
3- انتهاك القانون وغياب العدالة
انتهاك القانون وغياب العدالة يؤدي للاستبداد والظلم ومحاولة إسكات الصوت الآخر يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه: «إن الله يبقي الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ويزيل الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة».
والحريّة لا معنى لها ولا فائدة إن لم تكن مبنية على سيادة القانون التي تحمي كل صاحب رأي وتمنع اضطهاده أو تعريضه للأذى أو سجنه من دون أي مبرر قانوني. والضمانات القانونية هي الأساس في الازدهار وتشجيع الاستثمار وإقامة مشاريع إنتاجية.
4- انتشار ثقافة الاستهلاك على حساب الإنتاج
لقد انتشرت فكرة ثقافة الاستهلاك في وجدان النفوس مما دفعها للطمع والجشع وحب الذات ومحاولة الاستحواذ على كل شيء وإقصاء الآخرين بأي وسيلة خوفا عما في أيديهم مما جعل الجميع يعيشون حياة التيه والفرقة والاختلاف.
5- اختفاء مظاهر الإبداع والابتكار والاكتفاء بالتقليد
أصبحنا شعوب مقلده تقليدا أعمي دون إمعان النظر والعقل فماتت روح الابتكار والإبداع وأصبح الشاب يفكر بعقلية الرجل السبعيني خوفا من الخطأ أو وقوع اللوم عليه ولذا يؤثر السلامة ويقلد من سبقه مما أدى لجمود الفكر وعدم قبول كل ما هو جديد ومبدع فيؤدي للاختلاف.
علاج الاختلاف:
1- استحضار النوايا
قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: «إنما الأعمال بالنيات» لذا لابد من أجل الوصول
إلى حوار بنّاء الصدق في النية مع الله حتى تصفوا القلوب وتتجرد من الأهواء.
2- التواضع
لقد تقلصت ألوان الحوار المجتمعي لتحل محلها ثقافة الصوت الواحد واللون الواحد التي لا تقبل الاختلاف، بل تُلقي بالمختلف الآخر في حظيرة التآمر أو الخيانة، فغابت الحوارات حول القضايا الصغيرة والكبيرة في شتى المجالات السياسة أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافة وغيرها وتملك الكبر من كل قلب، ولذا كي ينجح الاختلاف البناء الذي يبنى الأمم والشعوب لابد أن يسود التواضع وقبول وجهات النظر الأخرى والتعرف عليها.
لكن لابد أن تكون الأفكار والآراء المطروحة في الحوار مبنية على أسس سليمة ومستندة إلى أدلة وحجج قويمة ودراية حول الموضوع المطروح، قال تعالى: ﴿ومن الناس مَن يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير﴾ (الحج: 8).
3- نشر ثقافة الحوار المبنية على التسليم بحقّ الاختلاف والتنوع
جميل أن نتحاور دون إقصاء أو تهميش، والأجمل أن نتبادل المعرفة والرأي دون ترهيب، فقد يكون هناك أكثر من رأي وكل رأي من هذه الآراء صحيح ومنطقي مع أنها قد تكون متضادة ومتضاربة في الوقت نفسه، وتفسير وذلك أن الرأي قد ينفع ظروفًا ومواقف معينة ولا ينفع مواقفًا وظروف أخرى، وهكذا فالنظر للمسألة الواحدة من زوايا وجوانب متعددة كلها صحيحة ومنطقية، سواء كانت متفقة مع بعضها أو متضادة ومتضاربة، والذي يحكم صحتها وصوابها هو الظرف أو الزمان أو المكان أو غير ذلك من العوامل المختلفة، وكل ذلك نصل فيه بالحوار البناء.
ويجب ترسيخ أدبيات الحوار لدى الحكام والمحكومين على السواء، والخطوة الأولى لتحقيق ذلك هي تأكيد حقِّ الاختلاف ليس على مستوى الكلمات أو الشعارات فحسب، بل وعلى مستوى الممارسة الفعلية، في كل موقع وكل مكان.
4- نبذ العنف
ومن مقومات نجاح الاختلاف البناء نبذ العنف والتخلي عن ثقافة التهميش والتغييب والإقصاء والاستئصال، باعتبار أن ذلك يشكل الأساس الأول لتقدُّم المجتمعات وتطورها، وأن نهضة أي مجتمع لن تتم ولن تندفع إلى الأمام، إلا من خلال إيجاد أرضية للتعددية والتعايش، والاتفاق على صياغة مجموعة متناسقة من القيم الروحية والأخلاقية التي تأخذ في الاعتبار التنوع الإنساني الخلاق في المجتمع، واستبدال ثقافة الاتباع بثقافة الإبداع، وضرورة الانفتاح على كلِّ العوالم والثقافات التي يمكن لها أن تؤدي إلى ازدهار المعرفة والتفاعل معها، و عدم الاستخفاف بآراء الآخرين وأفكارهم أو الاستهزاء بهم مهما كانت أفكارهم خاطئة أو ساذجة.
5- اجعل الاختلاف طاقة إيجابية
إن وجود أكثر من وجهة نظر أو رأي حول الموضوع الواحد لا يمكن تفسيره على أنه حالة سلبية، بل العكس من ذلك فإنها حالة إيجابية مفيدة لابد منها في أي نقاش يجري بين مجموعة من الأفراد، لما في ذلك من فوائد كثيرة وكبيرة فأعقل الناس من جمع إلى عقله عقول الناس، فيستفيد المرء من تلك الآراء والمناقشات التي تدعم رأيه وتنصره وتكون دافعًا له للاعتداد برأيه وعدم الحياد عنه، أو قد تكون متضاربة ومختلفة مع رأيه ومخالفة لوجهة نظره، وفي هذه الحالة يستفيد أيضًا من تلك الآراء في تصحيح بعض آرائه وأفكاره الخاطئة إذا كانت آراء الآخرين وأفكارهم أشمل وأعمق وأدق من آرائه ووجهة نظره، وذلك بعد اقتناعه واعتقاده شخصيًا بها، ففي نهاية المطاف لابد من أن يصل كلُّ من طرفي النقاش إلى محصلة نهائية يتفقون بها ومحطة نهائية يقفون عندها، ومن ثم لابد من مراعاة استمرار وبقاء الود واللطف والتواصل بين أفراد النقاش.
6- تشجيع الشباب على تقبُّل الاختلاف بين الأجيال المتعاقبة، بصفته سُنَّة الحياة ونشر الروح وسطهم بإشاعة الممارسة الديمقراطية في كلِّ مستوياتها ومجالاتها وبالأخص منها في المجال السياسي، والقضاء على كلِّ أشكال التعصب، وإشاعة قيم التسامح والمرونة والانفتاح على الجديد، خصوصًا لدى الأجيال الشابة التي ينفر الكثير من أفرادها اليوم من الحوار لأنهم نشأوا في غيابه، واعتادوا على ثقافة اللون الواحد، ولم يجدوا أمامهم سوى ثقافة العنف والقهر والتسلط، ولا سبيل إلى مواجهة هذه الثقافة التي تجذرت في حياة الناس على مدى مئات السنين من الاستبداد والقمع ومصادرة الحريات، إلا عن طريق التسامح، وبالانفتاح على الآخر.
7- الالتزام بآداب الحوار كالإنصات وعدم قطع الحوار بصوت مرتفع للسيطرة على النقاش، بل يجب مراعاة التكلم بذوق وأدب واختيار الكلمات المعبرة الجميلة، والابتعاد عن الكلمات النابية المبتذلة قدر الإمكان، ولنا في رسول الله القدوة الحسنة في حواره مع عتبة بن ربيعة حينما قال له بعد أن سمع منه: أفرغت يا أبا الوليد؟.
أثر الاختلاف على الأمم والجماعات:
لقد خلق الله الناس أُمَمًا لتتعاون فيما بينها ويسود الحب والرحمة بينهم وحث الشرع على الوحدة وعدم الفرقة الناتجة عن الاختلاف الذميم الذي يفرق الأمة ويشرذمها: «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ».
1- الفرقة والتشرذم والفشل وذهاب القوة
فمن أثر الاختلاف على الأمم والجماعات والحركات هي الفرقة والتشرذم، ولقد جاءت النصوص الشرعية بالنهي عن الاختلاف والافتراق.
فإن من عظمة هذا الدين الإسلامي أن جاء بالاجتماع، بل جعل من الضروريات أن يجتمع الأفراد والجماعات والشعوب تحت مِظلة واحدة، هي مظلة الإسلام، بل شرع شرائع، ونظم العبادات من أجل هذا الهدف وهو الاجتماع.
فحينما جاء رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ عمل على القضاء على العنصرية القبلية، والإقليمية، وما شاكل ذلك من عصبيات تشق عصا المسلمين، فحينما اشتعل الموقف بين الأوس والخزرج حينما تذكروا يوم بعاث، انتفض رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ليقضي على هذه العصبية البغيضة وقال: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم».
فاختلاف الأجناس والألوان والأوطان واللغات والطبقات والثقافات ليس بالضرورة عامل تفريق وتنازع بقدر ما هو عامل تعارف وتكامل وتكافل وإثراء، فالله لم ينهنا عن الانتساب لقبائلنا وأوطاننا ونحو ذلك، وإنما نهانا عن التعصب لها.
لقد ابتليت الأمه بالفرقة حينما تخلوا عن إسلامهم وجعلوها قوميات وعصبيات وحدود مقيتة، رغم أن الإسلام أمرنا بالوحدة فقال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ (سورة آل عمران: الآية 103).
إن الاجتماع يساعد المجتمع على مواجهة التحديات، ويساعد على إظهار عظمة الإسلام، والقضاء على العصبية القبلية، وتحقيق الألفة والعدالة والمحبة والتآخي، كما أنه يعطى للمسلمين هيبتهم وقوتهم ويخيف الأعداء ويلقي الرعب في قلوبهم.
وما ضعفت الجماعات إلا حينما تنازعوا واختلفوا فيما بينهم، ويقول الشاعر:
كونوا جميعـًـا يا بَنِيَّ إذا اعترى *** خطبٌ ولا تتفرقوا آحـــادا
تأبى العِصِيُّ إذا اجتمعن تكسُّرُا *** وإذا افترقن تكسرت أفــــراد
2- نزول البلاء وهلاك الأُمم
وما نزلت المشاكل في بلد من بلدان الدنيا إلا حينما تنازعوا واختلفوا، ونزغ الشيطان بينهم، وحلت الأهواء بينهم، فنزل البلاء بهم «ولا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا».
فسقوط الأندلس وضياع القدس واقتتال المسلمين وغيره ما هو إلا بلاء من الله بسبب ما وصل إليه حالنا بسبب الاختلاف والفرقة
3- ارتكاب المحرمات
والدعوة إلى الاختلاف والتفرق يترتب عليها ارتكاب ما حرم الله فما أحل بالأمة إلا بسبب ذلك فرأينا الخوارج والشيعة، وتفرقت الأمة على ثلاث وسبعون فرقة كما قال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ كلها ارتكبت ما حرمه الله بسبب الفرقة فقد استباحت الدماء، وقتلت الأنفس المعصومة، وسلبت الأموال، وغدرت، ووقعوا في الغيبة والنميمة والبهتان وهكذا حال الجماعات إذ اختلفت فيما بينها أو مع بعضها نجد الصراع وارتكاب كل ما نهى الله عنه للانتصار لرأيهم قال _صلى الله عليه وسلم_: «وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي» (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم).
4- عدم انتشار الدعوة
لقد جاء الإسلام للعالم كله ولن يصل لهم إلا أن يحمله أهله لمن لا يعرفه والاختلاف والفرقة يمنع وصوله بالصورة الحسنة لهذه الأمم التي تجهل حقيقة هذا الدين وحقيقة المنهج الذي جاء به وذلك بسبب انشغال المسلمين بالنزاعات فيما بينهم.
5- زعزعة الثقة بالإسلام ومناهج العاملين والداعين إليه، فقد جرت عادة الناس في الربط بين الداعي ودعوته نجاحًا وفشلًا. ومن ثم إتاحة الفرصة لظهور تيارات من التشكيك والدعوة للانسلاخ من الدين فانظر كم يجني أهل التنازع على الأمة ودينها ورسالتها!
6- إتاحة الفرصة للأعداء للاستقطاب وبث روح التنازع بين الأمة الواحدة فحينما اختلف سيدنا علي مع سيدنا معاوية بعث له ملك الروم وقال: «لقد علمت ما بينك وبين على ولو أمرتني لقدمت رأسه تحت قدمك». لكن القلوب الواعية كان ردها: «أخوان تشاجرا فما دخلك ولو لم تصمت لحركت جيش أوله عندك وأخره عندي وجئت برأسك وقدمتها بين يدي على بن أبى طالب».
7- إشاعة روح اليأس والإحباط وسط الصفوف المسلمة والتي يحزنها النزاع والحرب التي تندلع بين الأمة بل والجماعة المسلمة. ومن الخيانة للأمة أن يُحمى الوطيس، وتُنصب المناجيق، ويتقاذف الناس بكلمات هي أشد من الحجارة، وأنكى من السهام من أجل مسائل تحتمل أكثر من وجه وتقبل أكثر من تفسير، فهي من مسائل الاجتهاد، التي دلت على سعة هذا الدين ومرونته، المصيب فيها مأجور والمخطئ فيها معذور، وخطؤه فيها مغفور.
ناهيك عن سوء الظن وتعميق الغرور والاعتزاز بالرأي وضياع الواجبات وتثبيط العزائم وتتبع العثرات وتناكر القلوب وتنافر النفوس وغيرها. كل ذلك من آثار الاختلاف والفرقة التي تحدث بين الأمم المسلمة والجماعات العاملة من أجل هذا الدين.
إن الحوار لا يمكن فرضه بالقوة، ولا استخدام السلطة فهو كالحب لا يولد بالضغط ولا بالترغيب. إنما يولد بالتسامح والانفتاح على الآخر المختلف عنا واحترام وجهة نظره، وتفهمه وعدم رفضه، وقبوله كما هو وكما يحب أن يعيش وكما يرغب أن يكون، لا كما نريد ونحب.
إن عملية نشر ثقافة الحوار والاختلاف وتشجيعها في كل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لا يمكن أن تكون عملية موسمية، بل هي عملية متكاملة مترابطة ودائمة ومستمرة، وشاملة لمختلف نواحي الحياة وميادينها، ولن تتحقق هذه العملية دفعة واحدة، بل تحتاج إلى وقت طويل حتى تؤتي ثمارها.
مراجع:
1- جمال البنا: التعددية في مجتمع إسلامي" ص 10، 11 دار الفكر الإسلامي.
2- مجلة بشرى، العدد 77، محرم 1424هـ.
3- الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد، يوسف القرضاوي، الشروق، ص 231.
4- الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف: د/يوسف القرضاوي، الشروق، ص 126، 127
.