Business

العبادة الشاملة وأثرها التربوي في تكوين شخصية طلاب المدارس

طالبت دراسة أعدّتها الباحثة أسماء محمد على فضل، بكلية التربية بجامعة أم القرى، بضرورة  تقصِّي معنى العبادة الشاملة في العملية التربوية في المدرسة، محذرة من خطورة النتائج السلبيَّة المترتِّبة على المفهوم الضيِّق للعبادة وعدم إدراك القائمن على العملية التربوية أن أبرز خصائص العبادة الشُّمول والوسطيَّة والواقعيَّة.

وأكدت الباحثة في الدراسة التي حملت عنوان: " أثر العبادة التربوي في تكوين الشخصية وتحديد السلوك" على أثر العبادة على تربية أفراد المجتمع المسلم، ومن بين القضايا التي تناولتها حفظ اللسان والتواضُع وصُحبة الأخيار، ثم إنَّ وجود صلة وثيقة بين الأهداف التربويَّة التي يسعى المنهاج إلى تحقيقها وبين شخصية المعلم جعلت الدراسة تُعنَى في الجزء الأخير بتربية المعلِّم ومدى ارتباطها بالعبادة، ولا شكَّ في أنَّ المعلم المسلم الذي يعبدُ ربَّه حقَّ عبادتِه يختلفُ في إعداده وتطلُّعاته عن غيره، وهذه قضيَّة لا بُدَّ من التأكيد عليها لارتباطها بالعقيدة الإسلاميَّة.

مفهوم العباد

يتبايَنُ فهمُ الناس للعبادة؛ فمنهم مَن يراها محصورةً في ركنٍ من أركان الإسلام أو جانب واحد من جوانبه دون أنْ يكون لها أثرٌ في تكوين الأفراد وإعدادهم لمهمَّتهم الأساسيَّة، ومنهم مَن ينظرُ إلى العبادة على أنها ممارسة مستقلَّة بذاتها دون أنْ يكون لها أيُّ أثرٍ على السلوك العام وتكوين الشخصية، فهي أمر خاص بالفرد لا يتَّصل بدنيا الواقع، لكن الدراسة ركزت على التأكيد على المفهوم الشامل للعبادة، ولتوضيح دورها الأساسي في حياة الفرد.

فالعبادة في الإسلام ذات مدلولٍ شامل، وهي تحملُ في طيَّاتها إلى جانب الطاعة والنظام كثيرًا من الصِّفات الخلقيَّة الحميدة، كما أنها ذات أبعادٍ نفسيَّة وصحيَّة واجتماعيَّة، وتظهر أهميَّة العبادة في اقترانها بالإخلاص والاعتقاد الصحيح.

خطر المفهوم الضيق للعبادة

  1. إزدواجية السلوك: فكثيراً ما نجد مسلماً يصوم ويصلى ويزكى ولكنه يغش ويكذب ويرتكب أكبر الجرائم، ولو أنه فهم العبادة بالصورة الصحيحة الشاملة لكان لها دور فعال فى إزالة هذه الأزدواجية من سلوكه.
  2. إغفال العمل لإقامة الأنظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وجميع أنظمة المجتمع التى جاء بها الاسلام، ذلك أن تلك العبادات هى معيار التقوى والصلاح.
  3. ضعف الحافز للعمل، فالإنسان المسلم الذى يعتقد أنه يعبد الله فى كل عمل يقوم به تتولد لديه الدوافع القوية لإنجاز ما يطلب منه.

أهمية العبادة

فالعبادة رياضة عمليَّة مستمرَّة هدفها تأكيد العقيدة وتجليتها، وحيث إنَّ الإنسان ضعيفٌ فهو عرضةٌ للوساوس والانحراف، ولا يكون الخلاص إلا بتقوية الصِّلة بين الإنسان وخالقه، من هنا تنبعُ أهمية العبادة لأنها تعملُ على إزالة اللبس، وتفتح البصيرة، وتحقق التواصل الدائم مع الحقِّ سبحانه، وإذا وقع الإخلال بها والتقاعس عنها انحدر الإنسان إلى أسفل السافلين.

وما دامت العبادة تُطلق للدلالة على كلِّ ما يحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فإنَّ للعبادة دورًا رئيسيًّا في حياتنا وسلوكنا، ومن هنا فإنَّ المسلم مطالبٌ برفض اعتبار العبادة مجرَّد شعائر، وهذا المفهوم الشامل للعبادة ينطوي على مردودٍ تربوي هام، ذلك أنَّه يُؤكِّد على تكامُل السلوك الإنساني الموصول بالخالق - سبحانه وتعالى - ويتضح أنَّ للعبادة أثرًا في تكوين شخصيَّة الفرد، وتقرير هذه الحقيقة يقودُ إلى حقيقة أخرى مُؤدَّاها أنَّ العبادة هدف هام من أهداف المدرسة باعتبار أنَّ المدرسة إحدى المؤسَّسات التربويَّة التي تُسهم في تربية النشء.

العبادة والمدرسة

للمدرسة في المجتمع المسلم دور يختلفُ في جوهره عن دور المدرسة في المجتمعات الوضعيَّة التي تعتبر الدين - في أحسن الحالات - قضيَّة شخصيَّة لا يجوزُ المدرسة أنْ تتدخَّل فيها.

وما دام الأمر كذلك فإنَّ الصلة تبقى قويَّة بين العبادة وبين المنهج الدراسي، وقد اتَّضحت هذه القضيَّة من خلال مُناقشة عنصرين من العناصر الأربعة التي يتكوَّن منهما كل منهج دراسي وهما الأهداف والمحتوى.

والمعلم ركنٌ أساسي من أركان العمليَّة التربويَّة، وتبدو أهميَّة المعلم في أنَّه يُعتبر القدوة الحسنة للمتعلِّمين؛ لذا كان لزامًا على كليَّات التربية أنْ تدرك أثرَ المعلم في تربية النشء، وأنْ نعمل تخريج المعلِّمين المسلمين الذين يحرصون على تربية الجيل المسلم، صحيح أنَّ المعلم بحاجة ماسَّة إلى معرفة أساليب التعليم الصحيحة التي تُساعده على ضبط سلوك المتعلِّمين، ونقل الخبرات التعليمية إلى مَداركهم، إلا أنَّه فوق هذا وذالك بحاجةٍ إلى طاقة قويَّة تُمكِّنه من الإخلاص في العمل، ولا طاقةَ أسمى من طاقة العبادة؛ لأنها موصولة بالله - سبحانه وتعالى.

العبادة والمناهج المدرسية

ينبغى على الأمة المسلمة أن تبدأ فى عملية تطوير المناهج، ووضع منهج تعليمى جديد يكون فيه الإيمان بالله أساسي في جميع جزيئاته، بحيث يحقق ما يأتى:

  • تنمية الولاء لله تعالى وتحقيق العبودية له.
  • تربية الشصية المتكاملة، وتربية الإنسان فى كل مراحل الحياة والآخرة والربط بينهما.
  • غرس الإيمان فى النفوس وتهذيب الأخلاق، وربط الإيمان بالخلق والعلم بالعمل.
  • إيجاد الصلة الروحية بين المعلم والتلميذ، ليغرس فى نفس الإيمان ويصل به إلى التصديق.
  • عدم الازدواجية فى التعليم.
  • مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب.

وأخيرًا فإنَّ الدراسة تُوصِي بتبنِّي الأمور التالية:

  1. يجب أنْ تكون جميع عناصر المنهج المدرسي مستمدَّةً من العقيدة الإسلاميَّة، وعلى المدرسة أنْ تشجع المعلمين على تقويم كلِّ عنصر من عناصر المنهج بناءً على التصوُّر الإسلامي الصحيح.
  2. ضرورة اهتمام كليات التربية ببرامج إعداد المعلمين وتدريبهم أثناء الخدمة، فالمفروض أنْ تخرج هذه الكليات المعلم الداعية الذي يعبدُ ربَّه حقَّ عبادته ويخلص له النية في السرِّ والعلَن؛ إذ لا شيء يهدَّد العملية التربوية أكثر من المهنيَّة التي تجرُّه إلى المادية وتُبعده عن العبادة.
  3. على إدارة المدرسة أنْ تُعامل الجميع بروحٍ ملؤها الأخوَّة والإخلاص، فالمدير المسلم والمديرة المسلمة يحترمُ كلٌّ منهما مشاعر المتعلمين أو المتعلمات.
  4. يجب أنْ تنعكسَ العبادة بمفهومها الشامل على تصرُّفات المتعلمين وما يصدر عنهم من أقوال، وهكذا فإنَّ من مسؤوليَّات المدرسة أنْ تفهم هؤلاء أنَّ التعليم أكثر من مجرَّد تكرار للعبارات التي يتضمَّنها الكتاب.
  5. والمدرسة مطالبةٌ كذلك بتوفير الأجواء التي تُمكِّن هؤلاء من ممارسة العبادة بمعناها الواسع، وهذا لا يتأتَّى إلا إذا كان المعلِّمون قدوةً حسنة.

 

 

 

 

 

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم