Business

تعرف على دور الصداقة في تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي للأبناء

علاقة الطفل بغيره من الأطفال لا تعرف إيقاعا واحدا، فهي تتغير حسب المرحلة التي يمر بها الطفل في نموه النفسي والبيولوجي والاجتماعي، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن طبيعة هذه العلاقة، والدور الذي تلعبه في النمو النفسي للطفل وتنشئته الاجتماعية، والموقف الذي يجب أن يتخذه الآباء والمربون إزاء هذه العلاقة.

 

وفي دراسة للباحث عباس نور الدين حول "الأبعاد النفسية والاجتماعية للصداقة عند الأطفال" أكد على أهمية الدور الذي تلعبه الصداقة في تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي للإنسان في جميع مراحل حياته.
 

- طبيعة علاقة الصداقة في مرحلة الطفولة

 

لا يميل الطفل قبل سن الرابعة إلى اللعب مع غيره من الأطفال على أساس من التعاون وتوزيع الأدوار، ويتسم لعب الطفل في هذه المرحلة بأنه لعب انفرادي، فهو يلعب بجوار طفل أو أطفال آخرين، ولا يميل إلى أن يشاركه غيره في اللعب، وتظل علاقته بغيره من الأطفال علاقة سطحية وآنية، وبالتالي غير قادر على تكوين علاقات متبادلة معهم يمكن أن تتطور وتستمر.

 

إلا أن الطفل وابتداء من عامه الرابع تقريبا، يبدي بعض الميل للتخفيف من نزعته الأنانية، إلى أن يتم له في حوالي الثامنة من العمر تجاوز هذه المرحلة، ويتجلى ذلك في توجهه إلى الأطفال الآخرين في نفس المرحلة العمرية. كما يبدي في هذه المرحلة ميلا للتنافس مع الأطفال الآخرين ورغبة في التفوق عليهم. وقد يتطور التنافس إلى النزاع معهم وإلى الانضمام إلى جماعة من الأطفال منافسة لجماعة أخرى.
 

وبعد هذه المرحلة في الغالب عندما ينتقل الطفل من البيت إلى المدرسة، يبدي الطفل اهتماما بآراء الآخرين وفهمها ومناقشتها والرد عليها، الأمر الذي يتيح له التفاعل مع الآخرين وإقامة علاقات صداقة معهم. إلا أن هذه العلاقات قلما تدوم بسبب عدم تخلص الطفل من نزعته الأنانية بصفة تامة.

 

وفي مرحلة لاحقة ما بين التاسعة والثانية عشرة، تصبح صداقات الطفل أكثر استمرارا وتسمح له أن يمارس استقلالا نسبيا عن والديه ليندمج مع جماعة الرفاق التي يختار أصدقاءه من بين أعضائها.

 

ولكي يتجاوز الطفل هذه المرحلة بكيفية طبيعية على الآباء والمربيين بصفة عامة أن يدركوا حاجة الطفل إلى تكوين صورة إيجابية عن ذاته من خلال التعرف على جسمه وقدراته الجسدية، ومن خلال تمييزه بين رغباته وبين إشباع هذه الرغبات، أو تمييزه بين الواقع والخيال، وكذلك من خلال تعامله مع الآخرين بحيث يتاح له بأن يعرف حقوقه وحقوق الآخرين.

 

- دور الصداقة في النضج النفسي والاجتماعي للمراهق

 

وتكتسب الصداقة أهمية خاصة بالنسبة للمراهق بالنظر لتأثيرها الكبير على نموه النفسي والاجتماعي الذي لا يشعر بمكانته الحقيقية إلا بين رفاقه. ويفوق هذا التأثير في الغالب تأثير الآباء والمعلمين. ولما كان المراهق يشعر بأنه لم يعد طفلا ولم يقبل بعد من طرف الكبار كراشد فإنه بحاجة إلى جماعة الرفاق التي تفهمه ويفهمها ويمارس معها أنشطته.

 

ويسود جماعة الرفاق علاقات أفقية متبادلة تسمح لأفرادها أن يعبروا عن آرائهم ورغباتهم بتلقائية وعفوية دون أن يواجهوا بالرفض أو الانتقاد أو القمع، فالتيار يمر بين الرفاق بسهولة الأمر الذي يزيد من احتمال تأثر كل فرد في الجماعة بأفكار وسلوك الآخرين الذين سيشكلون جماعته المفضلة.

 

إن غياب الخطاب الفوقي داخل جماعة الرفاق يساعد على قيام علاقات صداقة بين أفرادها قد تصل إلى درجة من الحميمية تجعلها تؤثر في سلوك المراهق تأثيرا يفوق تأثير الوالدين والأسرة بصفة عامة، وكذلك تأثير المعلمين والمدرسة.

 

وتبلغ الرغبة في تحقيق صورة إيجابية عن الذات حدها الأقصى في مرحلة المراهقة التي تتميز بأنها مرحلة "حرجة" وانتقالية بين الطفولة والرشد. فالمراهق بالنظر للتحولات التي تنتابه من الناحية البيولوجية والنفسية والاجتماعية، يحاول التخلص من مرحلة الطفولة ليندمج في عالم الراشدين أو عالم الكبار.

 

وممارسة المراهق للعلاقة الاجتماعية تساعده على إدراك معنى القيم الأخلاقية كقيم الوفاء والتضحية والإيثار والتسامح، وعلى العكس من ذلك، قد تلعب جماعة الرفاق المنحرفة دورا سلبيا في توجيه سلوك المراهق بحيث تدفعه إلى الانحراف والإجرام بدل الالتزام بالقيم الأخلاقية والاجتماعية.

 

وتؤكد دراسات عديدة حول انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بين الشباب أن معظم المتعاطين للمخدرات من الشباب بدأوا تعاطي المخدرات بتشجيع من أصدقائهم. لذا على الآباء أن يكونوا على بينة من سوية سلوك أصدقاء أبنائهم للحيلولة دون وقوع الأبناء في مهاوي الانحراف تحت تأثير أصدقاء منحرفين.
 

- كيف تنشأ الصداقة؟

 

تتميز الصداقة بين شخصين بأنها علاقة قائمة على الاختيار الشخصي المنزه عن المصلحة الذاتية، وعلى الثقة المتبادلة، والاعتراف بالآخر وقبول مكاشفته والظهور أمامه بدون أي تصنع أو خداع. لذا فإن قيام علاقة صداقة بين شخصين أو أكثر يفترض وجود اتجاه إيجابي يشعر به الفرد إزاء الطرف الآخر. ويمكن رد هذا الاتجاه إلى عناصر رئيسية ثلاثة:

 عنصر معرفي: أي معرفة أفكار ومعتقدات الطرف الآخر والتعاطف معها.

ـعنصر وجداني: مشاعر حب متبادلة، وشعور كل طرف بأنه مقبول من الطرف الآخر.

ـعنصر سلوكي: محاولات التقرب من الشخص المتمتع بالجاذبية والذي هو موضوع العنصرين السابقين.

 

وفي علاقة الصداقة فحالة الطفل في شخصيتنا هي التي تتفاعل مع حالة الطفل في شخصية الآخر، بحيث نشعر بأن علاقتنا بالآخر لا تخضع لأي ضغط خارجي، وتقوم على الاختيار الشخصي، وتسودها التلقائية والصراحة والصدق وعدم التمويه تماما كما يحدث في علاقة الصداقة التي تقوم بين الأطفال، ولا سيما في مرحلة الطفولة المتأخرة.

 

- متى تنشأ الصداقة؟

 

يتفق معظم الباحثين الذين تناولوا موضوع الصداقة بأنه حتى تنشأ علاقة صداقة بين شخصين أو أكثر لا بد من توفر ثلاثة شروط رئيسية: أن يلتقي هؤلاء الأشخاص في فضاء معين، وأن يحدث تواصل فيما بينهم، وأن يكون لهذا التواصل مضمون وجداني.

 

ونستخلص من هذه الشروط أن قيام صداقة بين شخصين أو أكثر يفترض حدوث بين هؤلاء الأشخاص تقارب: مكاني، ووجداني، واجتماعي.

 

فالتقارب المكاني: إن التقارب المكاني بين الأفراد من شأنه أن يشجع على الاتصال وتبادل المعلومات والآراء وبالتالي يشجع على قيام علاقة بينهم قد تتطور إلى علاقة صداقة.

 

والتقارب الاجتماعي: عادة ما تنشأ الصداقة بين أشخاص ينتمون إلى نفس المستوى الاجتماعي، ويعتبرون أنفسهم متقاربين من حيث اهتماماتهم وأفكارهم ومواقفهم لشعورهم بأنهم ينتمون إلى شريحة اجتماعية واحدة من حيث مستواها الاجتماعي والاقتصادي. والأشخاص من هذا النوع تتاح لهم فرصة أكثر للتعارف واللقاء فيما بينهم وتبادل الآراء والتعرف على أفكار ومواقف بعضهم البعض، الأمر الذي قد تنشأ عنه علاقة مودة بينهم تتحول إلى صداقة حميمة.

 

والتقارب النفسي: كثيرا ما رددنا هذه الحكمة القديمة "قل لي من تعاشر أقل لك من أنت"، والتي تعكس حقيقة نفسية تتمثل في أننا غالبا ما نلاحظ تقاربا أو تماثلا في الخصائص والصفات التي تتميز بها شخصية صديقين، وفي المعايير التي يأخذان بها، وكذلك في ردود أفعالهما إزاء مواقف معينة.

 

وعندما نربط علاقة صداقة بشخص ما فإننا نحاول -من خلال هذا الصديق- أن نقترب من النموذج المثالي الذي نطمح إليه والذي تتحدد مواصفاته في ضوء القيم الأخلاقية والاجتماعية السائدة في المجتمع الذي نعيش فيه. ولذلك فإننا نشعر بأن الصديق يكملنا، أو كأنه جزء منا يحدث حضوره فينا حالة ارتياح أقرب إلى الامتلاء والتطابق.
 

- الوظيفة النفسية للصداقة

 

يتفق المهتمون بدراسة السلوك الإنساني على أن الصداقة تلعب دورا مهما في تحقيق التوازن النفسي للأفراد خاصة إذا كانت جماعة الأصدقاء متكيفة اجتماعيا. وقلما يصاب الأفراد الذين يتوفرون على علاقات صداقة مع أشخاص عديدين باضطرابات نفسية وعقلية.

 

وقد أبرزت عدة دراسات الدور الإيجابي الذي يمكن أن يلعبه الأصدقاء في تجاوز الظروف الصعبة التي قد تواجه الإنسان من حين لآخر. وتوصلت بعض هذه الدراسات إلى أن علاقات الصداقة تخفف كثيرا من معاناة كبار السن والأرامل والمطلقين.

 

وفي حالات التوتر الشديد التي قد تعتري أحيانا سلوك الإنسان يشعر الفرد بحاجة ماسة للتنفيس عن هذا التوتر بلجوئه إلى أساليب مختلفة (غضب، أحلام يقظة، ممارسة نشاط ترفيهي، لوم الآخرين، الاستغراق في العمل). إلا أن الأسلوب الأمثل الذي ينصح باللجوء إليه في مثل هذه الحالة هو الإفصاح عما تشعر به لصديق حميم لك يستمع إليك ويشاركك ما تعاني فيه.

 

ولعل أبلغ ما قاله الأقدمون في الوظيفة النفسية للصداقة ما رواه أبو حيان التوحيدي عن أبي سفيان قوله: "الصديق لا يُراد ليُؤْخَذ منه شيء، أو ليعطي شيئا، ولكن ليُسكَن إليه، ويُعتمد عليه، ويُستأنس به، ويُستفاد منه، ويُستشار في الملم وينهض في المهم، ويُتزين به إذا حضر، ويُتشوق إليه إذا سفر…". وكذلك قول ابن المقفع: "… اِعلم أن إخوان الصدق هم خير مكاسب الدنيا، هم زينة في الرخاء، وعدة في الشدة، ومعونة في المعاش والمعاد، فلا تفرط في اكتسابهم وابتغاء الوصلان والأسباب إليهم".

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم