ابنتي الصغرى قاربت الخمس سنوات، وقد لاحظت أن أخيها الذي يكبرها يشكو من ضرب رفاقه له في المدرسة ولاحظت انزعاجنا وخوفنا عليه؛ ومؤخرا وجدت أنها قد بدأت تختلق قصصًا عن أطفال أو معلمات يعتدون عليها وتبالغ في تصوير ذلك، وإذا طلبنا منها أن تعيد القصة مرة ثانية تذكرها بتفاصيل مختلفة وأسماء مختلفة.. فهل ابنتي تكذب؟! أم أنها عاجزة عن نقل الصورة الحقيقية؟ وإن كانت تكذب.. فماذا عساي أن أفعل؟
من الواضح أن ابنتك فعلا أعجبتها قصص أخيها عن اعتداءات رفاقه المتكررة عليه، ولعل ما أعجبها أكثر هو تفاعلكم واهتمامكم، فأرادت أن تصنع قصة ممتعة تعيش فيها بخيالها وتنقلها إليكم كي تحصل على اهتمام وفير، وهذا يستدعي منكم أن تتفاعلوا بوسطية مع الأمر دون إهمال يوحي بأنكم غير مصدقين لها، ودون انزعاج كبير حتى لا نُشعرها بأن القصة الكاذبة قد أفادتها واستدرجت اهتمامكم، ولا تقلقي؛ فرغم أن حالة طفلتك ليست من أنواع الكذب المحترف إذ لا تخرج عن إطار اختبار الوسيلة، إلا أن إهمال الوضع قد ينقلها إلى مرحلة الإعجاب به واتخاذه وسيلةً في تسيير الأمور الحياتية، وهنا يجب علينا أن نتوقف ونتساءل عن الطريقة المثلى للتعامل مع الموقف.
وقبل فعل أي شيء لا بد أن تعي الأسرة أنها هي المصدر الأول في تنشئة الطفل، ومنها يكتسب صفاته وهذا يستدعى منها أن تكون مصدرًا للتنشئة السويّة للطفل؛ فإحاطة الطفل ببيئة صالحة تُوفر له القدوة الحسنة الصادقة في أقوالها ووعودها وأفعالها، بالإضافة إلى زرع الأمان النفسي والاستقرار في نفسه، والابتعاد به عن القلق؛ فالطفل المستقرّ نفسيًّا لا يشعر بضرورة الكذب، والطفل الخائف دائما ما يلجأ إليه.
وعلى الأسرة ضرورة تعليم الطفل فضيلة الصدق، وتشجيعه عليها بذكر بيت من الشعر، أو قصّص تُظهر أجر الصادق وجزاء الكاذب، بالإضافة إلى استعمال التعزيز تجاهه في حال قوله الصدق وتجنبه استعمال الكذب.
ويمكن إيقاع العقاب المتَّزن في حال عدم قول الطفل للحقيقة أو نفيه لها، مع شرح أسباب وقوع العقاب عليه، وبالمقابل عدم معاقبته عند قوله الحقيقة ومسامحته؛ لزرع حبّ الصدق والأمان في ذاته.
وأيضا تجنُّب التمييز في المعاملة بين الأبناء، وتحري العدل والمساواة بينهم.
مع ضرورة تعزيز ثقة الطفل بنفسه، واستثارة اتجاهاته الإيجابية تجاه ذاته، والابتعاد عن المثيرات والانفعالات التي تثير الخوف والفزع عند الطفل الاتزان في إيكال المهمّات، ومراعاة القدرات العقلية والجسمية للطفل؛ كي لا يُضطرّ إلى طلب المساعدة من أحد وقيامه بالكذب بِنَسْبِ الإنجاز لنفسه.
ومن المهم جدا التمهُّل قبل اتّهام الطفل بالكذب والتأكُّد بشكل قاطع؛ حتى لا يستمرئ إطلاق الصفة وسماعها، بالإضافة إلى الحفاظ على مصداقيّة المُربّي.