يقول س.ع: مات أبي عندما كان عمري عامين وكانت أمي تعاملني بعد موت أبي بقسوة شديدة، فكانت تضربني وتسبني وتحطم كرامتي، والأمر مستمر حتى الآن، وتقوم بمقارنتي مع أولاد آخرين، وتقول: لماذا لا تفعل مثل هذا؟ وانظر إلى هذا إنه حصل على كذا، أو يدرس جيدا... والآن قد تزوجت أمى وأنجبت أخوين جدد لي، وتعاملهما بطريقة جيدة، وتعطف عليهما جدا عكس ما كانت عليه معى، وأشعر بالظلم الشديد وأتساءل: لماذا تعامل إخوتي برفق وتعاملني أنا بقسوة؟! وأنا الآن بلغت الثامنة عشرة من عمري وما زالت تعاملني كطفل صغير، لا تحترم رأيي كأنني لا شيء، فأنا أكرهها ولا أجد في قلبي ذرة حب أو بر لها.. فهل أنا آثم في ذلك؟ وهل هذا عقوق؟
في الحقيقة إن القسوة والظلم في التربية يحدثان في نفس الأبناء شروخا وجروحا لا تعالجها الأيام، بل لسنا نبالغ إذا قلنا إنه يكون مدخلا للشحناء والبغضاء بين الآباء والأبناء من جهة، وبين الأبناء وبعضهم البعض، حتى يصل الأمر إلى أن يكون دافعًا ومبررًا لقطيعة الرحم التي تجلب قلة البركة في الدنيا والدين.
ولو حاولنا بحث دوافع والدتك التي دفعتها لكي تعاملك بهذه القسوة.. فيمكن أن يكون خوفها عليك وحرصها الزائد يأخذ أثرًا عكسيًا، أو كانت علاقة الأم بالوالد- رحمه الله- شابها سوء تفاهم أو ظلم أو كراهية ثم فيما بعد صبت آثار أحاسيسها الغاضبة بعد وفاته عليك، حيث قد يذكرها وجودك بمكدرات علاقتها مع والدك كذكرى مؤلمة في حياتها، أو لعلها اعتبرتك عائقًا أمام استئناف حياتها مع زوج آخر، أو ربما حادث الوفاة آلمها وكان شاقًا عليها فكانت تفرغ ألمها فيك.
ومهما كانت الأسباب فالأم تحتاج للتدريب على معاملة طفل يتيم ليس له في الدنيا بعد وفاة والده إلا الأم، وفى الغالب معظم الأمهات لا يفتقدن العاطفة الجياشة والعطاء المتدفق لأبنائهن سواء كانوا أيتامًا أو غير أيتام.
إن نموذج الأم القاسية ليس موجودًا بوفرة- بل هو استثناء- ولكنه موجود، وآثار وجوده في المجتمع تكون عميقة لأنها تُخرِج أفرادًا مجروحين جرحًا نفسيًا غائرًا، وهذا الجرح تظهر آثاره في عقوق أو قطيعة رحم أو ميل إلى الجريمة، وقليل من يمكنه أن يتعافى من جرحه إذا ساعدته الظروف على ذلك.
لابد أن تتحدث مع قريب أو صديق مقرب إلى أمك، تخبره أنك تعاني من تلك القسوة وأنك يمكن أن تكرهها وتكره أخويك الصغار نتيجة تلك المعاملة، وأنك لا تطلب سوى المعاملة الجيدة والمساواة مع أخواتك في الحب.
لابد أن نستنفذ المحاولات وتستعين بالمعارف وتحاول بمختلف الوسائل قبل أن نصل إلى مرحلة الكراهية التي ذكرتها تجاه أمك، وما أظن أن القلب السليم يمكن أن يصل إلى ذلك مهما كانت الإساءة، وعليك أن تلتمس لها العذر فهي سيدة ابتُليت في شبابها بوفاة زوجها ووجدت نفسها وحيدة في مواجهة الصعاب دون رجل تستند إليه، وإن كانت تنفس ألمها فيك، وتحتاج منك أن تكون شيئا جيدا تتمناه لكي تساعدها وتعوضها.