تجيب عن أسئلتكم .. حنان عطية
طفلى عمره سبع سنوات، مثالي بدرجة زائدة، ومؤدب وخلوق، وأيضا فنان ولديه ذكاء تحليلي يحب الغوص في بواطن الأمور، ولديه شغف بالبحث العلمي، إلى جانب ذلك يحب الناس ويحسن الظن بهم، والكبار كلهم يحبونه، لكنه دائما بين رفاقه مرفوض، سواء في المدرسة أو الشارع أو مع أي تجمع طفولي، وأحيانا يصاب باليأس ويقول أنه فاشل في كسب الأصدقاء، وأنه كلما رافق أطفالًا فإنهم سرعان ما يبتعدون عنه، تحبه المعلمة في المدرسة؛ لأنه مؤدب ومتفوق، ولكنه وحيد بلا رفقة، وطلب منى أن أنقله من المدرسة لأنه وحيد بين رفاقه الذين يرفضون صداقته، حيث انهار باكيا وقال: «كل الفصل يرفض مصادقتي، وبعضهم يضربني، وآخرون يأخذون أدواتي أو طعامي بالقوة، وبعضهم يسخر منى أو يشتمني!»، ولكن والده رفض فكرة نقله من الفصل أو المدرسة، واعتبر أن فعلًا كهذا سيجعل منه شخصية هاربة لا تواجه المشكلات ولا تعمل على حلها.. فما الحل؟!
من الواضح أن ابنك رقيق وحساس ومثالي، وغالبا هذا النموذج بين الأطفال قليل، وغير مفضل لباقي الأطفال، لأنه لا يملك في شخصيته الإثارة التي تثير فضول الأطفال، الأطفال يحبون الذي يمرح و(يتنطط) ويصخب ويهرعون إلى صداقته، ويسأمون من الطفل الهادئ الذي لا يعلو صوته أو ينادى الأطفال ليلعبوا أو يجرى وراء الأطفال ليخيفهم.
الطفل المثالي في العادة يكون وحيدا إما لإعراضه هو عن الناس لرغبته في التفرغ للتفكير أو ممارسة تجاربه أو فنه، أو لإعراض الرفاق عنه لكونه لا يجيد الشقاوة وخفة الدم أو النكت أو الكلام المبتذل وغير ذلك.
وليس هناك حل يقول أبدا بتكريس الانعزال عن الأقران أو حتى الابتعاد إيثارا للسلامة أو البحث عن مكان أكثر مثالية، فإن مخالطة الناس مهما كانت مليئة بالتجارب المؤلمة لكنها أفضل ألف مرة من الانعزال، فهي علاج نفسي وبدني؛ لأن الصداقة والمخالطة والكلام مع الآخرين ينفس عن النفس ويقلل الضغوط الواقعة على الإنسان عامة.
وللصداقة فى حياة الطفل فوائد كثيرة منها اندماج الأطفال مع المجتمع بشكل سوي، وعندما يكون ذلك منذ الصغر فإنه يبعد عنهم شبح العزلة والانطوائية التي قد تعرض الأطفال للإصابة بأمراض الفصام نتيجة للخوف وعدم الثقة بالنفس، فالصداقة تشكل العالم الخارجي للطفل؛ حيث يصب فيها طاقته من النشاط واللعب ويتفاعل مع الأصدقاء.
وطفلك كما وصفتِ من النوع المحب للعلاقات الإنسانية، ويمتلك عاطفة جميلة تجاه الناس ويرغب في إقامة العلاقات الإنسانية مع الآخرين، لكنه يفتقد الى الأدوات والمشوقات والوسائل التي يحتاجها لجذب الآخرين إلى بناء علاقة ودية معه، وأول خطوة في ذلك أن نعرفه باختلاف الشخصيات واختلاف الأخلاق والخلفيات الاجتماعية والدينية، وأنه لكي يختار صديقًا فلابد أن يبحث عن من لديه أخلاق وإنسانية وأدب، وليس مجرد شريك للعب وحسب، وأنه قد يكون هناك تجاوزات مع بعض الأخطاء والسلبيات غير الطاغية على مجمل سلوك الصديق يمكن تجاوزها مع الصديق ما لم يوجد حولنا من هو أفضل منه.
أيضا لا بد أن نعلمه ألعابًا يتميز بها ويستطيع بها أن يبدو متميزا بها أمام أقرانه لتثير شغفهم فتدفعهم إلى التعامل معه والتمحور حوله والتقرب منه، كما يمكنك الحديث مع معلمته عن المشكلة والتباحث حول كيفية حلها، فهي الأقرب من المشهد، ويمكنك التباحث معها حول أفكار لأعمال جماعية تقرب الأطفال من بعضهم؛ مثل تقسيم الفصل إلى مجموعات عمل لأداء أشياء معينة ويكون الطفل في إحدى هذه المجموعات، فهذا يقربه من رفاقه بشكل أو بآخر. أيضا فإن معلمته قادرة على تحديد الشخص الأنسب لشخصية طفلك فتُجلسه بجواره لتسهل أمر بناء علاقة على قاعدة توفر بعض المشتركات النسبية بينهما.
أيضا في البيت لا بد أن تزوروا أقارب وأصدقاء لديهم أطفال وجعل الأطفال يتشاركون الأنشطة واللعب فيما بينهم. أيضا احرصي على أن يذهب إلى المسجد في حلقات حفظ القرآن مع الأطفال من عمره فهذا يجعل مساحة الاختيارات أوسع، بحيث لا يكون مضطرا إلى فئة ترفضه أو مختلفة عنه، وانزلي به إلى الحدائق العامة أيام الإجازات حيث يزدحم الأطفال في الحدائق ويلعبون فتزداد فرص تعرفه على أطفال آخرين مما يبدد إحساس الوحدة والانعزال عنده.