ابني عمره سبع سنوات.. كلما حدثت له مشكلة مع أي شيء يظل خائفا من هذا الشيء ويصبح عقدة دائمة في نفسه ويقاطع التعامل مع هذا الشيء، فمثلا قد حدثت لنا بعض المشكلات في منطقة كنا نعيش بها في السابق.. فكان يخاف أن يقترب من الباب ولا يحب التجول في المنطقة إلا بالضغط الشديد منا، وبعد أن تركنا المكان عدنا ذات مرة لزيارة أصدقاء لنا فيه وكان ابني معي فظل خائفا ومتشبثا بي بخوف شديد حتى غادرنا المكان، وبمجرد رحيلنا عن المنطقة تحول إلى طفل طبيعي .. ومؤخرا كان يلح عليّ أن أذهب به إلى حمام السباحة كى يتدرب على السباحة.. واتفقت مع مدرب ليدربه.. وبالفعل بدأ التدريب، ولكن عند عودته وجدته منهارا باكيا مرتعدا من السباحة وكان يتوسل إليّ ألا أعود به إلى تدريب السباحة ثانية.. وعندما سألته ما إذا كان قراره بالتوقف عن السباحة مؤقت أم نهائي.. قال إنه لن يسبح أبدا، وصارحنى بأنه خائف جدا من الماء والسباحة ولن يستطيع الاقتراب ثانية من المسبح.
القضية أن موضوع السباحة لم يكن الأول في قائمة الأشياء المهجورة في حياته نتيجة الخوف الذى جعل الأشياء في حياته عبارة عن نقاط سوداء يجب تجنبها بتاتا، وقائمة المخيفات في حياته تزيد يوما بعد يوم.. فهل هذا الخوف عادي؟ أم أن هناك مشكلة تحتاج إلي علاج نفسى؟ وكيف نتعامل كأسرة مع مخاف ابننا؟
الذعر والخوف أعراض قد يُصاب بها الكبير والصغير على حد سواء، ورغم أن الشعور بهذه الأعراض ليس شعورًا مستحبًا إلا أنه في حالة الأطفال قد يكون لازمًا وشرطًا للنمو النفسي والاجتماعي، وإذا كان لا بأس من بعض التوتر؛ لأن ذلك كما يقول خبراء التربية وعلم النفس يزيد من انتباه الشخص، وقد يساعده على تحسين أداءه في بعض الأحيان، (بل قد يحفظ سلامة الفرد أحيانًا كخوف الطفل من النار، وتجنبه العبث بأعواد الثقاب)، إلا أنه إذا ما زاد عن حده قد يتحوَّل إلى عرض مرضيّ يحتاج علاجًا ومتابعة..
وهناك خوف طبيعي وعادي ولا غبار عليه كالخوف من التعرض للعقاب البدني، كما يتوقع أن يداخل الطفل خوفٌ من الانتقال إلى بيئة المدرسة أو الروضة لأول مرة. لكن الخوف إذا زاد واستمر و اقترن بأعراض انسحابية فإن هذا قد يكون له آثار سلبية بعيدة المدى، ويحتاج إلى تدخل تربوي ونفسي..
والوالدان يمكنهما بسهولة ملاحظة ذعر وخوف الطفل من أوضاع أو مواقف معينة، وأحيانًا قد تكون نقطة البداية الإنصات لهموم الطفل، وتهدئته وإظهار التفهم ثم مناقشة الأمر وطمأنته بشكل مستمر وهادئ. ومن المهم أن يسأل الوالدان أنفسهما: هل ذعر الطفل يلائم سنه؟ فإذا كان مقبولاً في مرحلته العمرية فيمكن ترجيح أنه طبيعي وسيتجاوزه الطفل مع النمو– مع التأكيد على عدم تجاهله أو التقليل من أمره.
وعلى الوالدين هنا إظهار التفهم لمخاوف الطفل، وعدم السخرية أو الاستهانة بها، والإنصات لمشاعره وتركه يُعبِّر عنها بحرية، وإظهار الاهتمام لأن مجرد الإفصاح والحديث عن المخاوف يقلل من التوتر، ويساعد على مناقشتها والتماس سبل مواجهتها.
ولابد أن يحرص الوالدين على عدم تغيير نمط التعامل مع الأشياء المألوفة؛ لأن ذلك قد يزيد الطفل وعيًا بمشروعية خوفه وأنه محق في ذلك، فتلافي المرور بجوار منزل به حيوان يخاف منه الطفل قد يكرس لدى الطفل أن خوفه مبرر؛ فيزيد هذا الخوف.
وعلينا أن نعلِّم الطفل كيف يتخلص من الخوف تدريجيًا، ففي المرة التالية عند إصابته بالخوف أو الذعر اسأله عن حجم الخوف، فربما قلَّ بعض الشيء، و يمكننا أن نرصد كيف أن التعرض لموضوع الخوف قد يقلل من كم الفزع ونلفت نظر الطفل لذلك، ونلفت نظره على كون ذلك دليل على أن الخوف سيظل يتضاءل حتى يذهب تمامًا.