ناقشت القضية: حنان عطية
كنت أعمل في جمعية نفع عام.. وكان من بين ملفات العمل ملف تزويج الشباب.. وقد كانت فلسفتنا في هذا الملف نشر ثقافة العفة بين الجنسين من المقبلين على الزواج، وكنا نقيم ندوات تثقيفية لتوعية الشباب بالمشكلات التي تواجه الزيجات الجديدة وكيفية تجنبها، وكيفية التعامل مع اختلافات الشخصيات وأيضا الاختلافات التكوينية بين الرجل والمرأة من حيث القدرات الجسدية وعمل العقل والنفس ومرتكزات كل شخصية.. لكن كان الملاحظ الآتي: البنات كانت أكثر عقلانية من الشباب في معايير اختيار شريك الحياة.. تهتم بالجو الاجتماعي الذي نشأ فيه الشاب وطبيعة التفكير، في المقابل كان كل تركيز الشباب على الجمال اللامتناهي والتعليم المتميز.. ولذا فشلنا في عقد أي حالة زواج خلال سنة بمعاييرنا التي وضعناها للمشروع.
والآن جاءتني مؤخرا حالتين من الشباب تحتاج إلى الزواج، والشباب يطلبون مواصفات جمال وفق المعايير الأوروبية، إضافة إلى صغر السن، واشتراطات ثانوية أخرى..
في الحقيقة أنا حائرة.. هل أرضخ وأستجيب لمعايير الشباب وأبحث لهم عن العروس الجميلة شكلا، علما بأن هذا يفوت الفرصة على بنات متفوقة إنسانيا وعلميا واجتماعيا لا يمتلكن إلا المواصفات الشرقية؟ أم أتجاهل الطلب والتعامل مع تلك الطلبات؟
إن تفكير الإنسان عندما يكبر يكون نتيجة عملية تربية طويلة مر بها الإنسان من البيت إلى المدرسة إلى المجتمع، والتركيز على المواصفات الشكلية ليس فقط في الزواج ولكنه يصبغ كل اختيارات الناس في مجتمعاتنا العربية، حتى أنه بدأ يصيب المجتمعات المتدينة مؤخرا بعد أن ظلت معافاة لفترة من تلك العيوب.
إذا مشيت في الشارع في هيئة بسيطة لن يعبأ لك الناس ولن يحترموك، بينما لو كنت عاطلا وتركب سياره فاخرة ومظهرك أنيق ستجد قلوب الناس وأفئدتها تهوي إليك.. وهذا ليس موجودا في المجتمعات الغربية للأسف، إذ يعتبرون الحكم على الناس بمعايير شكلية نوعا من العنصرية.
منذ البداية لو وضعنا معايير إنسانية في الحكم على من حولنا وتقدير ذوى الخلق والتعامل الحسن والبيئة الخلوقة فإن أولادنا سوف يقيمون ما حولهم بتلك المعايير التي تربوا عليها، أما إذا كانت المادة معيارا لتقييمنا للناس والأشياء فإن أولادنا سيكونون شكليين مثل هؤلاء الشباب الذين نشكو من أسلوب تقييمهم لمن يرغبون أن تكون زوجه لها؟
لن أتكلم عن نسبة الطلاق غير المسبوقة في مجتمعاتنا الإسلامية خاصة بين حديثى الزواج حيث لم يتوافقوا رغم استيفاء المعايير الشكلية، فهذا شأن من يناقشون الأمر من باب التخصص الاجتماعي، لكن ما يعنينا هنا هو كيف نربي أولادنا على أن يقيموا من حولهم وما حولهم بطريقة صحيحة، وفى السنة والقرآن وسير السابقين والصالحين من المستحدثين خير دليل لنا على وضع منهج عام لأسس الاختيار الإنساني، لأن الزواج بناء إنساني لا شخصي، ونجاحهم في الزواج نجاح للمجتمع والدين والإنسانية.. ولذا من المهم جدا أن نهيئ أبناءنا منذ الصغر لتلك المرحلة المهمة في حياة الإنسان، وأتمني أن أجد كتبا للشباب تناقش تلك الأمور باستفاضة وبأسلوب جذاب وغير ممل حتى ينتفع الشباب منها.