نحن شقيقان قريبان في السن، نتمتع بكثير من الصفات التي يتمناها كل والدين في ولدهما من الذكاء والتفوق، لكننا نعاني من مشكلة في بيتنا تؤرق مضاجعنا، أو مضجعِي أنا علي وجه الخصوص وهي باختصار أن أبي ضعيف الشخصية أمام أمي وأنا آسف لهذا القول لأنها الحقيقة فالقول الأول والأخير لأمي والأوامر لأمي والنواهي لها كذلك. لذا فقد عشنا طفولتنا أنا وأخي نخاف من أمي خوفاً كبيراً حتى نكاد ندخل في جلودنا إن صرخت فينا حينها صرخة واحدة، بعكس أبي الذي لم نكن نسمع له حسًا ولا نرى له في الأمور الجسيمة أي موقف.
حتى كبرت أنا وأخي وبدأنا نستقل بشخصيتانا، ولا نسمح لأمنا أن تهيننا أو تخيفنا أو تحرجنا كما كانت تفعل سابقا، فبدأت أمي تضعف أمامنا، بالذات أمام أخي الذي يصغرني، فقد استغل ضعفها وضعف أبي الطبيعي، فبدأ مشوار العصيان الكامل الذي تغير معه سلوكه إلى الضد تماماً في كل شئ، وهو الآن متحول تحولاً رهيباً من النجاح والأدب إلى الفشل والخطأ. والمصيبة أن الأم لم تعد تصرخ فتخيف كما كانت، والأب ليس عنده صراخ أصلاً، فضاع أو كاد، وأنا الآن أحذو حذوه فما العمل؟؟
سامح الله أباك عندما تخلى عن قيادة السفينة ظنًّا منه أن والدتكم تصلح لقيادتها على الدوام، ولم يدر المسكين أن في طريق السفينة أعاصير وشعاب لا يصلح لها إلا الآباء، وسامح الله أمك عندما تقلدت ما ليس لها ظناً منها أن الصوت العالي والرعد سيربون جيلاً. أثبتت التجارب أنه جيل فريد مختلف عمن سبقه تماماً.
وأنا هنا لا أرى حلاً لمشكلتكما أنت وأخيك إلا أن أوصيكما بنسيان سلطان القوة وموقف الانتقام في التعامل مع والديكما، والتوجه نحو التفكير في سلطان البر والعطف والرحمة الذي لا يصلح لكما إلا هو، لأنكما أحوج ما تكونان الآن إلى قائد ومربٍّ ومؤدب، وإن لم تجداه في حياتكما الآن فقد حكمتما على نفسيكما بالهلاك، والأم والأب المنكسران بمنطق القوة الجسدية الآن أنتما فقط اللذان تسطيعان أن تعيداهما من جديد إلي منطقة القيادة لبيتكم الجريح، ولكنهما سيقودان هذه المرة برغبة الأبناء وليس بقوة الآباء. وأحسب بعقلك الراجح أنك ستفهم ما أعني وما أقول.
أما أمك ومثلها من الأمهات فآن الآوان ليعلمن أن ضعف الأب الذي يروق لهن أحيانا ما هو إلا إضعاف لها في المستقبل عندما تهاجمها أعاصير الحياة. فليتهن يفهمن!