أنا طالب في نهاية المرحلة الثانوية مؤدب وديع كما يقول الناس، متعاون مع البيت إلى أبعد الحدود، أنفذ أوامر والدي كأنني خادم مطيع أو طفل صغير، متفوق في دراستي ولله الحمد، لكن مشكلتي أن والدي كثير الإهانه لي، ويعاملني بازدراء وربما يهينني بالسب والضرب والوعيد حتى أمام زملائي الذين كثيراً ما يسخرون مني ويستهزئون بي من فرط ما يرون من إذلال ومهانة.
يحدث هذه رغم إنني لست ضعيف الشخصية فأنا في صفي ومع زملائي معروف باتزاني وعقلانيتي وحسن تدبيري للأمر وعدم الرضا بالظلم، لكنني مع أبي لا أستطيع الرد أو الإساءة لأنه أبي وإن فعل بي أضعاف ما يفعل.
لكنني الآن أشعر بحالة عارمة من القهر والضعف تكاد تخنقني، حتى أنني أقوم من نومي مفزوعاً خائفاً، مما أثر على دراستي ونفسيتي كثيراً، وأخذ يؤثر في مستواي التعليمي، فماذا أفعل علما بأن ما أشتكي منه هو أبي الذي أحبه غير أنني أتهيب للحظة التي ألقاه فيها؟
لقد صدقت الشاعر حين قال: وظلم ذوي القربي أشد غضاضة علي النفس من وقع الحسام المهند
أقدر والله يا بني ألمك وجرحك، وكيف لا أقدره والذي يجرحك هو الذي من المفترض أن يداويك، وما آلمني أكثر في رسالتك البراءة والخلق الكريم الذي يغلف رسالتك مع ما تعانيه من آلام نفسية من أحب الناس إليك.
يا بني ماذا عساك أن تفعل غير أن تستمر في برج أخلاقك السامي ولاتنزل عنه درجة واحدة، بل لو استطعت أن تعلو فوقه فافعل لأنه أبوك كما ذكرت، وربنا أوصانا أن نخفض له ولأمهاتنا جناح الذل، لكن في النقابل لا تسكت عن الضيم والظلم حتى ولو كان من أبيك، وتخير الطرائق المهذبة التي ربما تغير من طبعه الجاف؛ كأن تطلب ممن تراه قريباً من نفسه أن يكلمه في أمر إحسان معاملتك، أو تكتب له رسائل رقيقة مع هدايا المناسبات تخبره فيها بحبك الكبير لشخصيه ثم تذيلها بطلب المعاملة الحسنة التي تليق بأمثالك من الأبناء.
ولا ضير أن تحدث والدتك بما آلت إليه الأمور بالنسبة لك، فربما تؤثر فيه بأسلوبها الخاص إن كانت تستطيع، وادعو الله أن يهدي والدك ويرقق قلبه ويصلح حاله.
إن الآباء الذين يعيقون أبناءهم محاسبون أيضاً علي عقوقهم، وإن نعمة الولد الصالح ينبغي أن تشكر لا أن تهان والخوف كل الخوف أن يتحول الشرخ إلى كسر لا يصلح معه إصلاح.