أنا شاب في عمر ينم عن إنني أكملت المرحلة الجامعية لكنني للأسف لم أكملها بعد، فأنا متأخر في دراستي لسنوات طويلة كان الرسوب فيها هو سيد الموقف، فقد رسبت في الكلية أكثر من مرة حتى سئمت الدراسة ومللت من تكرار الفشل لدرجة إنني قررت ألا أستمر في هذا الطريق، وأن أسلك طريقا آخر غير هذا الطريق، لاسيما وأن العمر يتقدم بي وأصحابي قد تخرجوا، وأنا أستحي حتى أن أقابل أحدهم في الطريق فأسلم عليه حتى لايحرجني بالسؤال عن آخر أخباري، أو حتى لا يمتلىء قلبي حقداَ وحسداَ له لأنه أنهي دراسته وتسلم وظيفته قبلي.
إنني أعترف لك أن الدراسة ليست صعبة من حيث التخصص إنما أنا الذي اعتذرت عن دخول الامتحانات لأكثر من مرة، ثم لما أردت العودة إليها وتعويض ما فاتني منها يبدو أن الدافع للدراسة والحماسة لها قد هربا مني فلم أعد أقبل عليها لذا يتكرر الرسوب لأكثر من مرة.
أحيانا أقول هذه عقوبة من الله عز وجل لما كنت أفعله، وأحيانا أقول هذه نتيجة طبيعية لحياة اللامبالاة التي كنت وما أزال أعيشها حتى أصبحت الآن أسير الهواجس والأحاسيس الدائمة بالفشل.
لقد بدأت أكره الناس وأحقد عليهم وأشعر في داخلي بعدم السعادة والفرح لأي خير يصيب أحدهم، بعد أن كنت أفرح وأسعد لأي إنسان يمن الله عز وجل عليه بنعمة من النعم.
الشعور بالفشل المرير لاسيما الفشل الدراسي الذي يأكل العمر ويقتله قتلاَ، فماذا أفعل؟
الشعور بالنجاح معنى يملأ نفس صاحبه وكذلك الفشل وكلاهما لا يزيدان في حياة المرء ولا ينقصان إلا بقدر رغبته في ذلك.
فكم من الناس لا يملكون شيئاَ من أسباب السعادة المادية، ومع ذلك يشعرون أنفسهم أنهم أسعد الناس، وكم من الناس من يملكون كل أسباب النعيم ومقومات السعادة، ومع ذلك ينتقلون من شعور بالفشل إلي شعور أشد منه.
والذي يبدو لي أنك من الصنف الثاني، فالواضح أنك تعيش في حياة مادية، أسباب النعيم فيها متوفرة، ولعل هذا ما جعلك تنشغل بهذه الحياة عن الدراسة وأنت في ريعان شبابك ولك أصدقاء وأحباب ورزقك الله الصحة والعافية، وفي المقابل تأخرت عليك نعمة واحداة وهي النجاح الدراسي ولم تتأخر إلا لأنك تركتها وقصرت فيها بإرادتك ومع هذا تظن أنك شقي الناس وأفشل الناس.
يا عزيزي: الحياة جميلة لمن يراها جميلة وهي قبيحة في عين من لا يراها إلا قبيحة.
وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم حين قال: "من قال هلك الناس فهو أهلكهم".
إنني أدعوك الآن وبسرعة لاستبدال نظارة الفشل بنظارة الرغبة في النجاح، وأن تعزم علي إنهاء المرحلة المتبقية من الدراسة ولا تنظر لفارق السن بينك وبين غيرك فقد كان من الممكن أن يؤخر الدراسة مرض أو بلاء أشد لكن الحمدلله تأخرت الدراسة وبقيت الصحة وبقي الشباب، ثم إن الفارق ليس كبيراَ بينك وبين من أنهي دراسته ولن يعوضه لك إلا التفاؤل والأمل، وكلي ثقة في أن رسالتك ماهي إلا رغبة داخلية في استدراك ما فاتك لكنك كنت في حاجة لمن يدفعك، فاستعن بالله واستدرك أمرك واسأل الله أن يوفقك ويعوضك خيراَ.