منذ كنا صغاراَ ونحن نتعلم أن صلاح الأولاد من صلاح الوالد، وأن الرجل إذا اتقى الله عز وجل في نفسه وماله فلم يطعمهم إلا الحلال، شب أولاده صالحين، فلماذا ولدي ليس صالحاَ، ولماذا لا يزداد رغم صلاح حالي إلا سوءاَ وفساداَ وعربدة؟.
سامحني أنت وقراؤك الأعزاء فأنا مكلوم حزين أشد ما يكون الحزن من أجل ولدي الذي فتح عينيه علي الدنيا وأنا أعلمه الأخلاق والدين وأحفظه القرآن الكريم وألقنه المثل العليا، ثم إذا به بعدما يبلغ مبلغ الشباب ينقلب علي كل معني نبيل، وخلق أصيل ويصبح إنساناَ آخر لا علاقة له بما ربيته عليه، فهو يتسكع طول ليله وينام طوال النهار، ناهيك عن رفقة السوء وتتبع الفتيات لاصطيادهن فضلا عن التدخين وغير التدخين...الخ.
أعود فأسالك: لماذا يفسد أبناؤنا ونحن صالحون؟ ولماذا تحدث لهم هذه الانتكاسات الخطيرة في أخلاقهم رغم غرسنا في نفوسهم كل ما يمكن غرسه من أخلاق الإسلام؟!
أقدر الألم النفسي الذي يعترينا كآباء تجاه ما يصيب الأبناء، وإذا كان الداء العضوي في بعض أولادنا يحرمنا النوم والراحة فكيف إذا كان المصاب في الأخلاق والدين الذي ما تمنيننا الأولاد إلا من أجلها؟ وأقدر كذلك حزنك الشديد علي الزرع الذي زرعت، ثم لما حان وقت الحصاد أصابته الآفة وأحيط به من جميع جوانبه.
لكنني أود أن أسألك سؤالاَ ربما يريح صدرك ويجلي همك، من أرحم بالولد وأرأف به؟ الذي خلقه أم الذي أنجبه؟ ثم ماذا يفعل الفلاح تجاه الحصاد الضعيف بعد الجهد الكبير من حرث وسقي ورعاية ألا يسلم أمره لله ويسأل الله أن يبارك له فيما رزقه ويعوضه خيراَ فيما ابتلي به.
كذلك نحن مع أولادنا نبذل جهدنا، ونعطيهم ما نستطيع من تربية وتوجيه، ثم لا نملك إلا أن نتقبل ما يعطينا الله عز وجل من ثمرتهم، وأن يعوضنا فيهم خيراَ فيما نقص منهم.
وهذا الذي أذكره لك يعلمنا الله عز وجل إياه حتى مع أنبيائه الذين هم أطهر الناس وأنقاهم، لكن من منا ينسي قابيل ابن آدم وحام ابن نوح وغيرهما من أبناء الأنبياء الذي كانوا أرضى لله منا.
إنه التسليم التام لقضاء الله في أبنائنا مع تمام الأخذ بالأسباب، ثم الدعاء الدائم لصلاح حالهم وهدايتهم مع الثقة التامة من رحمة الله بعباده، ومنهم ولدك أصلحه الله.