الاستشارات

الاستشارات تقديم نصائح متخصصة لحل المشكلات وتحقيق الأهداف بكفاءة.

بيوت الدعاة أولى مظاهر نجاحهم
الإستشارة

أشعر بالحرج وأنا أتحدث عن زوجي ذلك الإنسان النبيل الذي أحسب أنه بالنسبة لي رزق لم لكن أستحقه. فهو في العبادة صوام قوام كثير الذكر والطاعة لله عزوجل، ومع الناس ماء عذب فرات يحبه الكبير والصغير، وفي الخير بشتى صوره لايكل عنه ولايمل.

إنما الذي جعلني اكتب بعد تردد طويل هو ذلك الجانب المنسي من حياة زوجي، وأعتقد أنه منسي كذلك عند كثير من أقرانه ممن هم علي شاكلته ألا وهو أمر البيت والأولاد.

فزوجي بحكم ارتباطه بإحدي الجمعيات الإسلامية كثيرا أو دائما ما ينشغل عن بيته وأولاده، وأنا هنا لن أتكلم عن نفسي برغم أنني أول المتضررين من ذلك الغياب الطويل والانشغال المتكرر، إنما الذي يؤلمني أشد ما يكون الإيلام هو الأولاد الذين أستأمننا الله عز وجل عليهم، إنهم أشبه ما يكونوا بالأيتام.

فرغم ما حباهم الله عز وجل به من ذكاء وتفوق وأساسيات لخلق كريم يغبطهم عليه كثير من الناس، إلا أنهم كل يوم يقلون عن سابقه علما وخلقا ودينا، حتي القرآن الكريم الذي كانو يحفظونه أوشك علي النسيان والتفلت تماما لقلة المعين علي المراجعة ولوازمها.

أما الدراسة فحدث ولا حرج عمن كان منذ عامين يتنافس علي المراكز الثلاثة الأولى في الصف إذا به الآن يكفيه من النجاح أدناه ومن العلامات أقلها المهم أنه نجح!

أما عن الأصحاب والألفاظ الدخيلة والاهتمامات التافهة، فقد أصبحت هي الأخرى من المدخولات الجديدة المتسارعة في حياتهم بعد أن كانت تقطر ألسنتهم اللآلي من كلام الرحمن الذي يحفظونه، عفوا الذي كانوا، يحفظونه.

كل هذا وزوجي حفظه الله مشغول علي الدوام في الدعوة وشتى صنوف الأعمال الطبية، ناهيك عن عمله الوظيفي ولوازمه، وكلما نبهته أظهر تأثرا آنيا ووعد خيرا ثم ما تلبث أن تعود الأمور لسابق عهدها.

وأحيانا يستجيب لاستغاثاتي واستجداءاتي من أجل الأبناء، لكنه لا يستديم علي ذلك أكثر من عدة أيام ثم يعود لانشغالاته أو تعود هي إليه حتى استسلمت أنا وهو للأمر الواقع الذي حدثتك عنه منذ قليل بالنسبة لأولادنا.

وأنا الآن حائرة بين أن أشتد في الإلحاح عليه في أمر أبنائنا والاهتمام بهم، وهذا ما يجعلني أخاف أن أكون قد منعته عن خير كان يفعله، وبين أن أتركه يفعل ما يشاء على أن يترك أبناءه هكذا بلا رقيب ولا مؤدب.

إنني أتحرج فعلا من الحديث عن هذا الموضوع لولا أنني رأيت بعض صديقاتي ممن يصارحني بمثل هذا الموضوع في بيوتهن فأحببت أن تكون شكواي لي ولغيري.

الإجابــة

علي قدر حرجك من التحدث في هذا الأمر أجد نفسي كذلك محرجا وأنا أبحث معكي عن حل، والعجيب أنه ليس حلا لمشكلة عادية، إنما هو حل لموضوع يخص أناسا جل حياتهم وغايتهم فيها أن يفرجو كربات الناس، ويدلونهم علي الله، لكن يبدو أن الأمر يحتاج إلى الحديث المطول، لأن من حق هؤلاء الناس علينا أن نفكر في حل لمعضلاتهم كما أفنوا هم أوقاتهم من أجلنا دعوة وبرا وتعليما.

بادئ ذي بدء أؤكد أن الذي تأخذه دعوة الخير إلي عالم ينسى معه حتي أقرب الناس إليه لهو إنسان اختلط حب الدين والخير بدمه ولحمه وقلبه حتي صار يأخذه ممن هم أغلى عليه من نفسه.

ثم هو إنسان أحب العطاء لدرجة نسي معها أن يعطي نفسه هدنة قصيرة يرشف فيها من شراب الأبوة مثلما يرشف غيره فكان بحق أكثر الناس تضحية عندما اختار هذا الطريق الشاق المؤلم.

لكن هل هكذا تكون الدعوة ودعاتها؟! وهل من لوازمها أن نريح الناس ونخسر أبناءنا ونساءنا وأنفسنا؟ وهل يعتبر المرء رابحا إن هو أصلح البيوت وبيته خرب؟! أو أخذ بيد الناس للخير ونسي أقرب الناس وأحبهم إلي قلبه من هذا الخير؟! وكيف يكون قبول الناس لما تدعوهم إليه وهم أبعد ما يكونون عن كل خلق وسمت حسن تدل الناس عليه؟

 إن الأمر يحتاج لبعض التوازن في حياتنا، فقد كان النبي -صلي الله عليه وسلم- وأصحابه رضوان الله عليهم أكثر ما يكونون خروجا للجهاد والسرايا، لكنهم تركوا خلفهم جيلا من الأبناء ورثو منهم رجولة وعلما وخلقا تدل علي أن آباءهم الذين وهبوا أنفسهم للدين لم يبخلو علي فلذات أكبادهم بجزء وفير من هذه الهبة، لأنهم فهموا حقا كلام النبي- صلي الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وقوله -صلي الله عليه وسلم: (كفي بالمرء إثما أن يضيع من يعول).

إنني أتفهم ما تعانيه الأخت الفاضلة، وأحترم تقديرها لزوجها وحبها للخير الذي يفعله، لكنني لا أتخيل أبدا داعية يبخل علي أولاده بساعات قصار في حين يعطي غيره الأيام الطوال.

إنني أستحلف هذا الداعية وأمثاله من الدعاة أن يضعوا أبناءهم ضمن خطتهم، بل أن يبدأ بهم قبل غيرهم حتي لا يضيع الأبناء في زحمة انشغالكم عنهم فيكونوا دليلا علي أن بضاعتهم الدعوية بضاعة مزجاة، والدليل أن أثرها لم يصل حتى لأقرب الناس إليكم وهم أولادكم.

أما زوجات الدعاة، فإنني أدعوهن إلي أن يبقين وراء أزواجهن مصرات علي هذا الحق حتي يعترفوا به ويعودوا إليه، وحتى يحدث هذا أرجو الترفق بالأزواج لكي لا يصل الأمر بهم للعناد فتصبح المشكلة مشكلتين..مشكلة الآباء ومشكلة الأبناء، ونحن في غنى عن هذا .

كما أدعوك أيتها القارئة الفاضلة أن تحاولي تعويض غياب الأب حتي يرجع لدوره الطبيعي كي لا يشعر الأبناء بفراغ معين التربية منكما معا فيحدث ما لاتحمده عقباه.

ثم أوصيك بأن تحفظي لزوجك مكانته في قلوب أبنائه، فلا تتذمري من تكرار غيابه أو تشتكي من تأخره عنهم أمامهم فتسقط هيبته في نفوسهم، بل اجعليهم دائما يقدرون ما يفعل أبوهم حتي لا يكون الغياب غيابا جسديا ومعنويا، وكلي ثقة أن أمثال زوجك لن يطول تأخرهم، لأنهم يعرفون أن بيتهم أول مهامهم الدعوية، لكن الشواغل أخرته قليلا وسرعان ما يعود.

لديك سؤال تحتاج الي إجابة عليه ؟
يرجى إدخال الاسم الكامل
يرجى إدخال بريد إلكتروني صالح
يرجى إدخال عنوان الرسالة
يرجى إدخال الرسالة
يرجى التحقق من أنك لست روبوت