الاستشارات

الاستشارات تقديم نصائح متخصصة لحل المشكلات وتحقيق الأهداف بكفاءة.

كفالة المحتاج.. والخيط الرفيع بين العفة والسخط
الإستشارة

أنا شاب يتيم الأب أعيش مع عدد من أخوتي في منزل بسيط الحمد لله علي كل حال، كما أنني طالب جامعي في كلية مرموقة وأجتهد في دراستي قدر استطاعتي أملا أن يعوضني الله خيرا.

ولأنني تيتمت مبكرا فقد فتحت عيني علي الدنيا وأنا أرى والدتي تعيش علي المساعدات المالية التي تخصصها الجمعيات والمؤسسات االخيرية لمن هم في مثل حالنا. ولم يكن الأمر يعنيني كثيرا عندما كنت صغيرا فقد كنت لا أنشغل بأمر المال من أين يأتينا أو كيف نمضي حياتنا بغير أب ينفق علينا، كما ينفق  الأباء علي أبنائهم، لكنني عندما وصلت لمرحلة عمرية تستوعب ما يحدث حولها من أخذ الصداقات وقبول الإحسان والزكوات من هذا وذلك بدأت أشعر في نفسي بالحرج الذي يضطرني إلي أن أخلو بنفسي باكيا علي تسولنا من الناس لقمة عيشنا ومصروفات مدارسنا، حتي إنني كنت أصرخ باكيا في وجه أمي أن تتوقف عن قبول هذه الإعانات التي تشعرني بالحرج، ولكأنني أشعر أن كل أصدقائي وجيراني وأقاربي ينظرون إلينا ويعلمون أننا نقتات علي صداقات الناس ونعيش علي عطاياهم أو بقايا عطاياهم، فكانت أمي تشاطرني البكاء وتقول لي: ومن أين ننفق وماذا نفعل بدون هذة  المساعدات؟ فأقول لها: نفعل أي شئ ولو اضطررت إلي أن أترك دراستي وأنزل للعمل في أي متجر أو سوق أو...أو...

فتنهرني والدتي وتصرخ في وجهي ألا أفكر في هذا الأمر مرة أخري وإلا غضبت، وأنا لم أكن أتحمل إغضابها فكنت أكف عن هذا الكلام إرضاء لها وإن كان في الصدر ما فيه من ضيق وحزن، وأجدني الآن رغم أنني أكاد أنهي دراستي الجامعية أشعر بذات الشعور حتي أصبحت أكره الثوب الذي أشتريه قبل أن اشتريه لأنني أشتريه من الصدقات والهبات وعطايا الناس، بل بدأت أشعر في نفسي بشئ من التمرد علي هذا الوضع، وبدا وضحا فيَ التعالي والتعجرف علي الناس مما لم أكن أجده في نفسي ذي قبل. فما الحل؟

الإجابــة

أشكر لك أولا عفة نفسك واستعلاءها عن الحاجة لهذا وذاك، فما أحوجنا لمثل هذه النفوس العفيفة في هذا الزمان الذي بحلقت فيه العيون يمنة ويسرة طامعة فيما في أيدي الناس إلا من رحم الله.

غير أني أريدك يا أخي تهدئ من روعك قليلا فالحياة أخذ وعطاء وهبوط وصعود، وأخذ اليوم معطي الغد، وفقير الأمس غني اليوم حتي يدير الله عز وجل الرزق بين عباده مصداقا لقوله تعالي: (وتلك الأيام نداولها بين الناس)، وقوله تعالي: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم).

هذا من وجهة، ومن وجهة أخري فالمال الذي تأخذه من أهل الفضل ليس هبة ولا تبرعا إنما هو حقك الذي فرضة الله لك من مال الغني حتي يطهر ماله عن احتياج لا طمع تسد معروفا لكل صاحب مال يريد أن يؤدي حق الله فيه، وهب أن كل فقير في الدنيا رفض هذا المال فأين سيؤدي الغني حق الله في ماله.

أما الحساسية المفرطة التي استشعرها من كلامك فأرجوك أن تخفف منها حتي لا يتحول خلق العفاف وعز النفس إلي أخلاق ذميمة أقلها ما ذكرت وزد عليها الحقد والحسد والضغينة وكراهية الخير حتي لمن أحسنوا إليك. ثم إن طريقك العلمي أوشك علي الانتهاء ولم يعد بينك وبين إنهائه إلا خطوات تتحول يدك إلي يد عليا تعطي مثلما أخذت وربما أكثر، وتبحث عمن كان في مثل رفعها لتعطيه أضعاف ما كنت تأخذ.

فطب نفسا بقدر الله وأعلم أن الفقر ليس عيبا، إنما العيب هو أن تتعود على الأخذ، أو أن ترسب في الامتحان وتخرج منه ناقم النفس ساخط القلب علي قضاء الله، وهذا ما أخاف عليك منه .

أكمل مشوارك التعليمي بما يرزقك الله به حتي إذا ما أعطاك الله من فضله فعوض الناس من رزق الله لك أضعاف ما أعطوك حتي تكتمل دورة الحياة وتلف لفتها وأنت فاعل فيها لا ناقم عليها وعلي أهلها.

لديك سؤال تحتاج الي إجابة عليه ؟
يرجى إدخال الاسم الكامل
يرجى إدخال بريد إلكتروني صالح
يرجى إدخال عنوان الرسالة
يرجى إدخال الرسالة
يرجى التحقق من أنك لست روبوت