الاستشارات

الاستشارات تقديم نصائح متخصصة لحل المشكلات وتحقيق الأهداف بكفاءة.

انشغال الوالدين وتضييع زهرة حياة الأبناء
الإستشارة

أنا طالبة صغيرة السن بنت أبوين حرصين علي مستقبلي وأخوتي أكثر من حرصهم علي نفسيهما، وليتهما ما حرصا علي مستقبلنا كل هذا الحرص لأنهما أسرفا في الحرص علينا حتي حرمانا منهما!

فأبي العزيز وأمي العزيزة يعملان في دوامين طويلين شاقين يرجعان بعدهما لا يستطيعان الحركة ولا الالتفات لأحد؛ لأن الإرهاق قد أخذ منهما كل مأخذ. والنتيجة أنني وأخوتي قد مللنا عملهما حيث افتقدناهما بشكل كبير، حتي لقد كنت أستحلف أمي بالله كثيرا وأستجديها أن تبقي في البيت وتترك عملها لأنني أحتاج إليها وأتمني اللحظة التي أساررها فيها بعض أسراري أو استشيرها في بعض ما يعن لي من أمور الحياة والدراسة والصديقات وغيرها من الأمور التي تحتاجها كل فتاة من أمها في مثل هذا السن، لكن الإجابة دائما كانت تأتيني بالرفض لأن الظروف المادية لا تسمح بعمل الوالد فقط، لأن كلا منهما له مطالبه المادية المشتركة والخاصة، وعلينا أن نتحمل هذه التضحيات لأنها في النهاية لن تكون إلا لنا نحن معاشر الأبناء.

المهم أنني وصلت معهما إلي طريق مسدود ينتهي دائما إلي بقاء الحال علي ما هو علية، والنتيجة أنني وأخوتي  أشبه ما نكون باليتامي، فأنا أنهي واجباتي ومذاكرتي وكذلك أخوتي، ثم نلف وندور في بيتنا متابعين التلفاز تارة ولاعبين علي الحاسوب تارة أخري ونائمين تارة ثالثة ورابعة، حتي ألفنا الحياة بغير أب وأم، بينما أعمارنا تكبر ونحن لم نشبع بعد من والدينا العزيزين.

ثم إن الفراغ الطويل قاتل بشكل لا يتخيله إلا من يعيشه، ومن لطف الله عز وجل بنا أنني وأخوتي بفضل الله ليس عندما ميول لبعض صور الفساد التي يتردي فيها كثير من الشباب والفتيات في ظل انشغال من حولهم عنهم، كإدمان الانترنت ومتابعة القنوات الهابطة وغيرها، لكنني فلا بدأت الآن أخاف علي نفسي وعلي أخوتي، فكل ما ليس مستساغا الآن مما ذكرته لك قد يكون مستساغا مع الفراغ. ثم أليس من حقنا أن نشبع من والدينا ونحن صغار قبل أن ندخل الجامعات ثم الوظائف فالزواج ثم نترك بيتنا الجميل هذا ولما يشبع أبونا منا ولم نشبع منهما؟! فبماذا تنصحني؟!.

 

 

الإجابــة

هذا والله يا ابنتي هو اليتم المبكر، أو هو اليتم الحقيقي الذي تحدث عنه الشاعر عندما قال:

ليس اليتيم من انتهي أبواه      من هم الحياة وخلفاه ذليلا

إن اليتيم هو الذي تلقي له     أما تخلت أو أبا مشغولا

وهذا الذي أجده في رسالتك التي تنم عن شعور متنام لأننا نتعامل مع جيل جديد في أحاسيسيه ومشاعره وتفكيره، رغم السطحية التي يصر بعض الآباء والأمهات أن يتعاملوا بها مع أبنائهم من هذا الجيل.

والحل يا ابنتي من وجهة نظري يتمثل في مرحلتين:

الأولى: تكثيف الجهد في نصح الوالدين واستجدائهما كما كنت تفعلين مع تجديد في الوسائل والطرق. وحبذا لو جعلتهما يقرآن هذه الرسالة ولو بطريقة غير مياشرة، فربما يشعران بوخز في الضمير إن كان ضميرهما من الضمائر التي تشعر بالوخز والألم.

فإن لم تجد هذه المرحلة ولم تصلح معهما التوسلات والاستغاثات، فتعاملي مع واقعك المرير تعامل اليتيم، وكوني أنت لمن يصغرك من إخواتك أما وأبا وصديقة، وأحسبك تستطيعين ذلك لما لمسته في كلامك من عقل مستنير وفكر ناضج، أحسب أنك من خلاله بإذن الله تستطيعين أن تقودي سفينة إخوتك بهما إلي بر الأمان. والذي دعاني لهذا الحل هو أن أي حل غيره لن يصلح يا ابنتي، لأن غير الوالدين لن يستطيعا لكم نفعا إذا كان الوالدين نفسيهما أحن خلق الله عليكما لم يستجيبا لمطالبكم العادلة فكيف بغيرهما؟!

وأنصحك يا ابنتي بأن تتعاملي من الآن فصاعدا مع إخوتك علي أنك الأم عندما يحتاج الأمر إلي أم وعلي ذلك أنك الأب عندما يحتاج الأمر إلي أب، وأفيضي علي إخوتك من الحنان والعطف ما تشعرين باحتياجهم إليك.

ستقولين لي: هذا لأخوتي فماذات عني؟

فأرد عليك قائلا: إن المعطي هو أول المستفيدين بالعطاء، وإن كل معنى نبيل أو خلق قويم يتعلمه أخوتك منك ستجدين برده في قلبك وأثره في نفسك قبل أخوتك بإذن الله.

وكلي ثقة أن هذه المرحلة لن تستمر طويلا لأن الحال التي ذكرت في رسالتك تحرك الأحجار فكيف بأحن الناس وأطيبهم؟!

لديك سؤال تحتاج الي إجابة عليه ؟
يرجى إدخال الاسم الكامل
يرجى إدخال بريد إلكتروني صالح
يرجى إدخال عنوان الرسالة
يرجى إدخال الرسالة
يرجى التحقق من أنك لست روبوت