أنا شاب أحسب أني علي درجة علمية عالية أهلتني لأن أدرس في إحدي الجامعات الخاصة، وبحمد الله فقد أحبني كل من تعاملت معهم واحترموني صغارا كانو أم كبارا.
لكن مشكلتي أني لا أسكت علي الخطأ مهما كلفني ذلك من صدامات وحساسيات نفسية بيني وبين بعض الناس. فالزميل الذي يتحدث عن الناس في غيابهم تنزل علية مني صواعق وبراكين من الردود علي الفور تلجمه إلجاما. والشخص الذي يتساهل في الأمور المادية أو يأخذ ما ليس من حقة أجعله علي الفور عبرة لمن يعتبر. حتي أمي وأخواني لايقع أحدهم في خطأ سلوكي إلا ويخرج صوتي الزاعق ليسكت الكبير قبل الصغير.
ويوم أن اكتشفت أن في الجامعة مدرسا أجنبيا لا يحمل المؤهل العلمي الذي يؤهله للتدرريس الجامعي وأنه كان يعمل في مهنه غير محترمه في بلاده حذرني زملائي ألا أنطق ببنت شفة حتي لا يغضب علي أصحاب الجامعة غير أني لم أحتمل السكوت علي الخطأ فلم استرح حتي كشفت المستور وفضحت المخبوء ولم أسكت حتي أسترحت.
قس علي ذلك كل تصرفاتي مع الجميع وبعضهم يقبل وبعضهم لا يقبل حتي الذي يقبل مني اليوم تصرفا ينكر علي مثله غدا خاصة إذا كان متعلقا به. والنتيجة أنني صرت أشعر الآن أنني مكروه حتي من أقرب الناس إليَ، أري ذلك في اشمئزازهم ونفورهم من تصرفاتي أومن خوفهم من ردة فعلي العنيفة دائما أو مما يبلغني عن بعضهم من اتهام لي بالجلافة والغلظة. وأراني الآن أشعر دخليا بالعزلة وأجدني محتارا بين أمرين: أن أسكت كما يسكت الناس فأريح وأستريح أو أن أظل كما أنا فينتهي بي المطاف إلي حياة معزولة لإنسان مكروه حتي من أقرب الناس إليه..فماذا أفعل؟
أشكرك على حبك للحق وإيجابيتك ومحاولة الإصلاح، لكن ما أراك يا عزيزي إلا قد ضيقت واسعا! فمن قال إن تغيير أفات المجتمع وإصلاح وإرشاد الناس إلي الخير معناها الصدام الحتمي مع المجتمع بجميع أطيافه؟
ومن قال إن صاحب الحق إما أن يكون معزولا مبغوضا وإما أن يتنازل عن حقه؟
ومن قال إن علي الولدين والأشقاء وزملاء العمل وجيران المنزل أن يتحملوا هموم وغموم داعية للخير لا يحسن كيف يوصله للناس؟
ما أراك يا صديقي إلا وقد خلطت الحابل بالنابل فقد فهمت من كلامك أن في طبعك حدة هذه الحده تداخلت مع غيرتك المحمودة وحرصك علي ألا تسكت علي أخطاء المحيطين بك فكان ما ذكرت.
ثم من قال إن كل خطأ ينبغي تصحيحه في التو واللحظة، وأين الحكمة والتدارج إذا، وأين الحفاظ علي مشاعر من نتعامل معهم مهما بلغت فداحة خطئهم؟
إن سلامة الصدر وصلاح ذات البين والصلات القلبية بيننا وبين الناس تصلح وحدها دون تدخل لقبول الناس نصحنا الرفيق ووعظنا الشفيق مهما بلغت درجة خطئهم أو صعوبة ما ما ندعوهم للتخلي عنه.
ثم ما جدوي ما تفعل إذا كانت نتيجته تبرم الناس منك وكراهيتهم لشخصك وعدم استعدادهم لقبول ما يأتي عن طريقك حتي ولو كان صوابا.
أنصحك يا صديقي بالرفق بالناس حتي ولو كانوا مخطئين، والنظر لصاحب الخطأ نظرة الخائف علية لا الناقم منه أو الكاره له، وعندها ستجد الفارق العميق بين الطبيب والجزار.
والناس يا عزيزي خاصة في زماننا هذا ضحايا لا جناة، والضحية لا يحتاج الموبخ إنما يحتاج ليد حانية تربت علي كتفه ثم هي هي ذات اليد التي تهزه وتنهره لكن بعد أن يرتاح إليها ويطمئن لبرودتها وحنوها.
هذه فلسفة التعامل مع المجتمع فافهمها لتستريح وتريح رفاقك وإلا فالنتيجة ما ذكرت من نفسك ودعاة الإصلاح أطول الناس نفسا فكن منهم.