الاستشارات

الاستشارات تقديم نصائح متخصصة لحل المشكلات وتحقيق الأهداف بكفاءة.

النعم المؤقتة..أدرك قبل فوات الأوان
الإستشارة

انا شاب في العقد الرابع من عمري، شقيق وحيد لبنتين تصغراني، نشأت في بيئة مستورة الحال، تعب والدي كثيرا من أجل أن يوفر لنا كل ما نحتاجه لدراستنا أو لحياتنا، فقد أعطاني والدي من العطف والحنان والدلال فوق ما أريد، غير أن عاطفتي دائما كانت تذهب بعيدا عنهم فقد كان جل وقتي ومتعتي - إن لم يكن كله – ملك الأصدقاء والأصحاب، فحياتي كانت مقسمة بالتساوي بينهم وبين دراستي ومنامي، وكم كنت أسمع والدي أحدهما أو كلاهما يناديان علي لحظة خروجي للسهر مع الأصدقاء أن أتعطف عليهما بالجلوس معهما ولو ساعة مما أجلسه مع اصدقائي، فأحيانا أجيبهما متأففا لدقائق تمر علي كساعات طويلة ثم أم أنصرف، وأحيانا أخري أتعلل لهما بأن أصدقائي ينتظرونني، حتى في أوقات احتياجهم الحقيقي لي كالمرض وقضاء الحاجات.

ومرت حياتي علي هذه الوتيرة حتى رن جرس الهاتف ذات ليلة في ساعة متأخرة من الليل، واذا بشقيقتي الصغرى تكلمني باكية بصوت مرتفع وتقول لي (أخي مات والدنا .. تعال بسرعة) سقط الهاتف من يدي وسقطت خلفه علي الخد دمعات كانت متحجرة منذ زمن طويل.

وخرجت مسرعا وانهلت علي رأس والدي ويديه ورجليه أقبلها وأنا أستجديه أن يرد علي واعدا إياه أن أكون طوع بنانه ورهن إشارته، لكنه لم يجبني فقد مات أبي حقا.

وأنا أكتب الآن لا لتواسيني فمصابي أكبر من أن أواسي فيه، إنما أكتب إليك لتخبر قرائك الأعزاء أن يعضوا علي آبائهم بالنواجذ، ولتدلني على ما يمكن أن أعوض به والدي شيئا من حقه علي وتقصيري نحوه، علما بأنني الآن أكاد أنام تحت قدمي أمي محاولا تعويضها بعض جفائي السابق، فهل من وصية تريح نفسي وتفعني لتقديم بعض حقوقه علي.

 


 

الإجابــة

هكذا اللآلئ دائما لا يشعر المرء بقيمتها إلا بعد فقدها، وأعظم هذه اللآلئ هما الوالدان، فهما كنزان يمشيان علي الأرض، ونحن أحيانا من فرط تعودنا علي هذه الكنوز لا نشعر بقيمتها إلا بعد رحيلها، وكيف لا؟ وكل منهما يمثل كتلة من الحنان والعطف والرحمة التي لا يحتويها قلب سوى قلب الوالدين، وأبوك كما ذكرت في قصتك من هذه النوعية من الآباء الذين عاشوا الأبوة بكل معانيها الجميلة في زمن بهتت فيه كثير من هذه المعاني في زحمة الماديات التي تكاد تقضي علي الأخضر واليابس، فإذا بالصاحب أعز من الوالد، والزوجة أحق من الأم بكل ألوان الخير والبر، والبقية تأتي إلا أن تدركنا رحمة الله عز وجل.

أقول لك يا قارئي العزيز: ما تزال أمامك فرص كثيرة تعوض بها خسارتك وقد بدأت استغلالها أنت بالفعل، فبرك الزائد الآن بأمك تكفير لا شك عن بعض خطاياك نحوهما، وعطفك علي أختيك كما كان يفعل والدك رحمه الله في بر به، وصلة الرحم التي لم تكن توصل إلا به، ووصل أصحابه وأصدقائه، والدعاء له في كل صلاة، والتصدق ما استطعت من مالك لأنك ومالك ملك له، وفعل ما كان يحب أن يراك فيه من ألوان الخير فيه كذلك بر به وتكفير عن خطاياك نحوه.

غير أني أود أن أهمس في أذن قلبك مطمئنا إياك قائلا: أحمد الله يا عزيزي أنك أنت الذي لم تمت علي ما كنت عليه من عقوق وجفاء، فتأخير الله عز وجل لك، وإمهاله لك حتى تذوب جبال الجليد القاسية في قلبك دليل علي حب الله لك، وتقديره سبحانه وتعالى في غيبه أن تكون لك عودة إلى حضن الوالدين الدافئ أو حضن من تبقى منهما، فلا تطل التحسر والتأسف يا صديقي وأكمل ما بدأت حتى تقر عين أبيك في آخرته بما لم تقرها في دنياه، ولعل الله عز وجل أراد أن يجعل من رسالتك هذه عظة لآلاف الآشخاص الذين قست قلوبهم نحو آبائهم، فيكون اتعاظهم بك في موازين حسناتك.

لديك سؤال تحتاج الي إجابة عليه ؟
يرجى إدخال الاسم الكامل
يرجى إدخال بريد إلكتروني صالح
يرجى إدخال عنوان الرسالة
يرجى إدخال الرسالة
يرجى التحقق من أنك لست روبوت