الاستشارات

الاستشارات تقديم نصائح متخصصة لحل المشكلات وتحقيق الأهداف بكفاءة.

ابني يبحث عن عروس .. ما معايير الاختيار!
الإستشارة

ابني يريد أن يتزوج، وقد أريناه بنات كثيرات من بيوت كريمة نعرفها، ولكنه في كل مرة ينتهى الأمر إلى جملة واحدة: «مفيش قبول»، وهو ينشد جمالًا ليس متاحًا كثيرًا في مجتمعاتنا، وبينما نحن نؤمن أن الجمال ليس موضعه الوجه فقط، إلا أن ابني يحصره فيه ويبحث على أساسه، وغير مهتم بباقي الأشياء التي تكمل شخصية الإنسان، وهو روحه وسلوكياته وأخلاقه، ولا أدرى ما أفعل له؟ وماذا أقول له؟!

 

الإجابــة

بدايةً، أحييكم كعائلة على اهتمامكم بأن ينتقي ابنكم شريكة حياته وفق معايير موضوعية، على أساس الدين والأخلاق، وهى المعايير التي تسير بها الحياة واقعيًا، وكثيرًا من الذين استبعدوا تلك المعايير عند اختيارهم لزوجاتهم، عانوا فيما بعد حينما اصطدموا بالواقع، وعلموا فيما بعد أن حياة البيوت ومشوارها الصعب لا تقوم على الجمال وحده، وإنما تقوم على معايير أكثر فاعلية؛ كالدين والتقوى والإحساس بالمسئولية، وغير ذلك من فضائل الصفات، وليكن لنا في عمر بن الخطاب رضى الله عنه قدوة حسنة، وفى الطريقة التي اختار بها زوجة ابنه عاصم، لنتعلم منه كيف تكون أسس الاختيار، وكيف يكون دور الوالدين في دفع أبنائهم إلى الاختيار الحسن.

وقد روى ابن زيد عن جد أسلم، قال: بينما كنت مع عمر بن الخطاب- وهو يَعُسُّ بالمدينة- إذا هو قد أعيا، فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل، فإذا امرأة تقول لابنتها: يا بنتاه قومي إلى اللبن فامذقيه (أي اخلطيه) بالماء، فقالت لها ابنتها: يا أُمتاه، أما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم، ألا يُشاب اللبن بالماء، فقالت الأم: قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك في موضع لا يراك فيه عمر ولا منادي عمر، فقالت البنت لأمها: والله ما كنت لأطيعه علانية وأعصيه سرًا، وكان أمير المؤمنين- في استناده إلى الجدار- يسمع هذا الحوار، فالتفت إليّ يقول: يا أسلم، ضع على هذا الباب علامة. ثم مضى أمير المؤمنين في عَسِّه، فلما أصبح، ناداني: يا أسلم، امضِ إلى البيت الذي وضعت عليه العلامة، فانظر من القائلة، ومن المقول لها؟ انظر هل لهما من رجل؟ يقول أسلم: فمضيت، فأتيت، الموضع فإذا ابنة لا زوج لها، وهي تقيم مع أمها وليس معهما رجل، فرجعت إلى أمير المؤمنين عمر فأخبرته الخبر، فدعا إليه أولاده، فجمعهم حوله ثم قال لهم: هل منكم من يحتاج إلى امرأة فأزوّجه؟ لو كان بأبيكم حركة إلى النساء، ما سبقه أحد منكم إلى الزواج بهذه المرأة التي أُعرف نبأها، والتي أحب لأحدكم أن يتزوجها. فقال عاصم يا أبتاه تعلم أن ليس لي زوجة، فأنا أحق بزواجها، فبعث أمير المؤمنين من يخطب بنت بائعة اللبن لابن أمير المؤمنين عاصم، فزوجه بها، فولدت له بنتًا تزوجها عبد العزيز بن مروان، فولدت له خامس الخلفاء الراشدين الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رضوان الله عليهم أجمعين.

 

لقد كان معيار الاختيار، مركزًا على عمق اتجاه الدين، وما أتى به من ثمار في النفس.

فقد كانت الفتاة تحمل بداخلها دينًا، أفرز لديها مبادئ وقيمًا، انسجمت مع دعوة أمير المؤمنين بعدم غش اللبن، أو أي غش آخر.

إنها التقوى والأمانة، حيث ذروة التدين، والتي تكون عادة في العمق، حيث لا يشعر بها إلا من كان شغله الشاغل البحث عن اللؤلؤ في أعماق نفوس تساوت في التدين أشكالها، حيث تلبّس المجتمع برداء واحد من التدين الظاهري، بحيث لم يتبق أمام اللبيب إلا البحث في الأعماق عن مبتغاه.

وهل كان مثل ذلك ليفوت على الفاروق، الذى تعامل مع الفتاة كمن وجد كنزًا كبيرًا من المجوهرات واللآلئ، وهكذا يبحث الذين يستهدفون إقامة بيوت حقيقية أساسها التقوى والعفاف والهدى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ ...} (التوبة: 109).

إن عمر لم يقل لأسلم: تحسس لي كيف جمالها، ولون بشرتها، وشرطة عينيها، ولون قرنيتها؟! أو قال له اسأل لي ما إذا كانت من عائلة عريقة في النسب أو الثراء، بحيث تليق بابن أمير المؤمنين.

إن عمر يعرف جيدًا أن نتائج الآخرة تطبخ في تلك البيوت، فصلاح حال الزوجين وعلاقتهما بربهما وبدينهما، يتحدد بالركائز والأساسيات التي أقاموا البيت عليه منذ أول خطوة في البناء، ألا وهي الاختيار الصحيح.

كذلك في ردة فعل ابن عمر وترشيحه لنفسه بأنه من يستحقها من بين أخوتها، دون أن يقول لأبيه: لا بد أن أراها أولًا، هل هي حلوة أم لا؟ وهل تتوافق مع المعايير الشكلية التي وضعتها لفتاة أحلامي! لا، فقد تزوج على معيار أبيه، هو يثق ويتفهم الأسس التي على أساسها اختار أبوه.

إن قصة الاختيار هذه ونتائجها، لتحتاج إلى دراسات ومجلدات تكفيها بحثًا وتحليلًا، يتحدد على أثرها كيف يقيّم الإنسانُ أخاه الإنسانَ في المجتمع المؤمن.

ولو اتبعنا قاعدة الفاروق في تقييمنا للناس عامة، وليس في مجال الزواج فقط، لدفعنا عن أنفسنا كثيرًا من صور الشقاء والتعاسة التي تعيشها بيوتنا ومجتمعاتنا اليوم، إلا من رحم ربي.

لديك سؤال تحتاج الي إجابة عليه ؟
يرجى إدخال الاسم الكامل
يرجى إدخال بريد إلكتروني صالح
يرجى إدخال عنوان الرسالة
يرجى إدخال الرسالة
يرجى التحقق من أنك لست روبوت