ابنى في التاسعة من عمره وقد اشتريت له جهازًا لوحيًا (تابلت) ليقضي وقتًا ممتعًا على الألعاب الإلكترونية، وليشاهد عليه الأفلام المتحركة أو القصص الدينية، ولكنّ أحد إخوته الكبار دخل يلعب على التابلت فوجده يرى صورًا وفيديوهات غير لائقة، ووجد أنها لا تأتي عشوائيًا، ولكنه يبحث بكلمات مفتاحية تخص عورات النساء، فتظهر له تلك الصور والفيديوهات. ولا أدري كيف حدث ذلك! فنحن أسرة محترمة، وغير متداول لدينا الكلمات التي أدخلها لتظهر تلك الأشياء له؟ وأنا مصدومة، ولا أعرف كيف أتصرف، أو ماذا أفعل معه؟ فهل أسحب منه التابلت؟!
في الحقيقة، إنه بمجرد دخول الأبناء المدرسة يتسع عالمهم ومحيطهم التربوي، وتصبح لديهم عوالم أخرى يستقون منها المعرفة والأخلاق، فمجتمع المدرسة- بما فيه من معلمين وزملاء- لا يقل تأثيره عن تأثير الأسرة، ومع الطفرة الإلكترونية الهائلة في وسائل التواصل، لم يعد ثمة فواصل زمنية أو مكانية تقطع صلة الطفل بتلك المدخلات مع انصرافه من المدرسة، بل على العكس، فإن الطفل أو الشاب وهو موجود بين أسرته بجسده، يكون بروحه وعواطفه وتفكيره مع هذا المجتمع، إضافة إلى أنه يسمع ويرى تعليقات وكلام من يتفاعلون على العالم الافتراضي، وتكون خارجة عن نطاق السيطرة الأخلاقية للأسر، وتقدَّم في قوالب فكاهية وذات دم خفيف، فيجد نفسه مستسيغًا متقبِّلًا لها، ومؤمنًا ألا ضرر منها، وللأسف فهي تعتبر بداية المنزلق.
في هذه السن، سن التاسعة، يكون الابن بين مرحلة الطفولة التي تكاد أن تنتهي ببراءتها ومثاليتها وارتباطها بالعائلة، وبين مرحلة بداية البلوغ وما بها من متغيرات عقلية ونفسية وهرمونية تخلق لديه شغفًا جديدًا واهتمامات جديدة، لا يتفهم طبيعتها في كثير من الأحيان ولكنه يفعلها، أما سر صدمتنا فسببه أننا نُسكنه في مساحة الطفل الصغير الذى لا بد أن تتسم صفاته وسلوكياته في تلك المرحلة بالبراءة، رغم أن القرآن اعتبر أن تلك السن من الخطورة بمكان، وهي سن الوعي بماهية العورات والفروق بينها، ووضع الشرع قواعد لتواجدها في العائلات وتعاملاتها مع الجنس الآخر، لكننا نتعامل باستسهال على اعتبار أنهم ما زالوا في الطفولة وبراءتها وسذاجتها، حتى ينبت لهم شاربٌ ولحية!
المسألة وفق الرسالة ليست خطيرة، والمشاهد التي رآها يمكن علاج آثارها، لكن الأمر لا يخلوا من إشارات تحتاج إلى يقظة، وهذا في الحقيقة يحتاج دورًا أكبر من الأب وإخوته الذكور الذي يكبرونه، ليس للتعليق على هذا الموضوع مباشرة، بل للتعليق الرقيق اللطيف بهدف التوضيح والتبيان، ومحاولة إيضاح أن بين نفوس الناس مسافات في مسألة الخير والشر، وأن هناك أشرارًا في هذا العالم يكرهون الفضيلة، وحريصون على نشر الرذيلة، وأن أمتنا الإسلامية مستهدفة في أبنائها وفى أخلاقها، ويرون أن هذا الطريق يجعلها تخسر أكثر مما قد تخسره في الحروب.
علينا أن نصطحبه إلى المساجد، ونتشارك معه الاستماع إلى الدعاة والشيوخ، وحتى المتخصصين في التنمية البشرية، ومساعدته على استغلال وقته بطريقة أفضل، وهناك طرق كثيرة وبرامج يمكن أن تقترحها الأسر: كحفظ القرآن في حلقات يومية، إلى جانب ممارسة نوع من الرياضة، وإيجاد أنشطة فكرية أو تطوعية أو فنية، أو رحلات أو معسكرات تكون مخصصة للشباب، والأهم من ذلك التعرفُ على أصدقائه من خلال دعوتهم إلى الطعام بالبيت، ومشاركتهم للأسرة في بعض احتفالاتها أو رحلاتها؛ ليتم التقييم لسلوكياتهم ومنابعهم التربوية عن قرب، وفى حال وجود ملاحظات على أحد السلوكيات منهم، يجب تنبيه الابن بدون افتعال مشاجرة أو زجر عنيف، أو حتى عتاب صديقه أمامه، فنحن لا ندري إلى أي مستوي وصل تعلقه به، واقتداءه بأفعاله.
إذَا، نلخص العلاج في الآتي:
- نبدأ من سن السابعة في تعليم الطفل الآداب المتعلقة بالعورات، مثل: الاستئذان، والطهارة، وضوابط النوم، وغيرها.
- نحاول التعرف على محيط الطفل خارج بيته وأسرته: من أنشطةٍ، وأصدقاء؛ ثم العمل على توجيهه ونصحه وإرشاده بالطف واللين في المسار الصحيح.
- تحديد ساعات معينة تُستخدم فيها الأجهزة الإلكترونية، ويستوي في ذلك الهاتف أو الحاسوب (الكمبيوتر) أو الجهاز اللوحي (التابلت) أو حتى أجهزة اللعب (البلايستيشن)، ويكون وقت الاستخدام في البيت على مرأًى ومسمع من أهل البيت، لا في زاوية البيت أو غرفة مغلقة.
- استخدام «برامج حماية الأطفال» على الأجهزة الإلكترونية، وهي برامج تتيح للوالدين تقنين وتحديد تطبيقات وبرامج معينة يُسمح للطفل بالدخول عليها، كما أنها تقوم بحجب المحتويات غير اللائقة عندما يستخدم الطفل الإنترنت، أو مواقع التواصل الاجتماعي، إلى غير ذلك من المميزات التي تتيح للوالدين متابعة نشاط الطفل دون علمه؛ واستخدام ميزة المراقبة تلك في توجيهه وتعليمه بطريقة غير مباشرة.
- شغل وقته بالأنشطة الفردية والاجتماعية المفيدة، مثل كرة القدم، والسباحة، والرياضات التي يفرغ فيها طاقته، واصطحابه إلى المسجد، ليُعايش الصالحين، وينعم بجو إيماني يحيي فيه الضمير ومراقبة الله تعالى، وحثه على زيارة الأقارب وصلة الأرحام.
- تعليمه كتاب الله تعالى، وسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم-؛ فمن تمسك بهما؛ لن يضلّ أبدًا،
- الابتهال إلى الله والتضرع والدعاء أن يحفظ أولادنا وبناتنا؛ فنحن في زمن تتخطفنا فيه الفتن من كل جانب، وانصهرت فيه الثقافات كلها في بوتقة واحدة، حتى صار الطفل يستطيع أن يتمثل ثقافة من يبعُد عنه قارةً أو قارتين! إيجابية كانت أو سلبية، ولا معين ولا حافظ لنا إلا الله.