أنا أمٌ لعددٍ من الأطفال الصغار، ونعيش في بلد أجنبي لكنه مسلم، ونحن في شهر رمضان، وقد أظلتنا العشر الأواخر وما تتطلبه من تشميرٍ لبذل المزيد من الطاعة والعبادة. وفى البلد الذي نقيم فيه مساجد قد تم تعيين الاعتكاف فيها للرجال والنساء، وأريد الاعتكاف هذا العام ولكن أطفالي الصغار لا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم، كما لا يوجد معنا في هذا البلد أقارب يمكن أن أتركهم عندهم، فهل يمكنني الاعتكاف في البيت مع العلم أنه حتى لو اعتكفت في البيت فإنه لا يتحقق الانقطاع الكامل للعبادة لكثرة طلباتهم وأيضًا حاجتهم المستمرة للتوجيه والإرشاء والحديث وأحيانًا أخرى لفض شجارهم فيما بينهم؟
الاعتكاف سنة للرجال والنساء، وقد كانت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن يعتكفن مع النبي ﷺ في حياته، واعتكفن بعد وفاته ﷺ. فقد روى البخاري (2026) ومسلم (1172) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْده.
هذا وقد وأجمع الفقهاء على أن محل الاعتكاف للرجال هو المسجد وكذلك للنساء إذا توفرت أمكنة خاصة بهن منعًا لحدوث الاختلاط ودرءًا للفتن، وأيضًا رأوا ألا بأس بذهاب المرأة للمعتكف المخصص للنساء في المساجد بشرط ألا تُضَيِّع شأن بيتها وزوجها وأولادها؛ لأن مراعاة بيتها وزوجها وأولادها أهم من أن تعتكف في المسجد وهو أفضل لها؛ لأنها تؤدي واجبًا والاعتكاف ليس بواجب.
وقد ذهب الأحناف والشافعي في مذهبه القديم إلى القول بأن المرأة يصح اعتكافها في مسجد بيتها، وهو الموضع الذي جعلته للصلاة في بيتها، لأن موضع الاعتكاف في حقها هو الموضع الذي تكون صلاتها فيه أفضل، كما في حق الرجل، وصلاتها في مسجد بيتها أفضل. فكان موضع الاعتكاف الأفضل لها هو مسجد بيتها.
ومن ثَمَّ، ووفقًا لهذين الرأيين، فإنه يمكنك الاعتكاف في بيتك لتتمكني من رعاية أبنائك وتفقد احتياجاتهم على أن تَعُدِّي العدة كي يناموا مبكرًا؛ لتتفرغي لقيامك وتهجدك وعبادتك ليلًا، تقبل الله منك سعيك لإرضائه وحرصك على تحقيق التوازن بين متطلبات الصيام والقيام، وبين متطلبات الرعاية الواجبة لبيتك وأبنائك.