لدي طفلين صغيرين أحدهما في السابعة والآخر في الخامسة، ونحن مهاجرون إلى بلد أجنبي غير مسلم من أجل العمل؛ المشكلة أننا غير مندمجون بشكل جيد مع المجتمع الجديد بسبب اختلاف اللغة واختلاف الثقافة، كما يعزز إحساس الغربة لدينا عدم وجود أصدقاء من نفس جنسيتنا قريبين لنا في السكن؛ إذ أن الأصدقاء يقطنون في أماكن بعيدة تحتاج إلى سفر بعيد، القضية أن الطفلين يحتاجان إلى أنواع لعب كثيرة ومتنوعة بشكل يفوق طاقتي كأم، ورغم أنني أقرأ لهم وألعب معهم، إلا أنهم يشعرون بالملل لوجود وقت فراغ كبير، إذ لا أستطيع أن أشغل أكثر من ساعتين من وقتهم، ويجدون أنفسهم مضطرين إلى مشاهدة التليفزيون أو الإنترنت على الجهاز اللوحيّ (التابلت) وأيضًا يشعرون بالملل.. ولا أدري ماذا عليّ فعله كي يستثمرون وقتهم على الوجه الأمثل؟
ما تعانون منه من مشكلة التعامل مع الأبناء في الغربة هي مشكلة تواجه كل الآباء في الغربة، إذ أن التربية في الغالب عملية اجتماعية يتشاركها أطراف عدة، ورغم أن دور البيت محوري وأساسي في التربية، إلا أنه غير كافٍ خاصة في تلك المرحلة، إذ أن الأطفال يحتاجون إلى الروضة وإلى المدرسة وإلى الرفاق وإلى المسجد وإلى الأقارب والأصدقاء، ومن ثَمَّ فلا بد أن يكون للأسرة برنامجًا اجتماعيًا واضحًا؛ فهو جزء من التربية العامة للطفل الذى يحتاج في تلك المرحلة إلى ما هو أكثر من إشباع الاحتياجات البدنية والعقلية، حيث يحتاجون أيضًا إلى التعرف على العالم الخارجي، إضافة أنه يجب دمجهم مع المجتمع الجديد مهما كانت تحفظاتنا، خاصة وأنهم في سن الطفولة، والمخاطر التي نخاف على الأبناء منها في المجتمعات غير المسلمة تنحصر خطورتها على مرحلة البلوغ والمراهقة، ومن ثم لا بأس من اختيار بعضٍ من البيوت المحترمة من الجيران المحيطين بكم وعمل علاقة ودّ يتخللها التواصل والمجاملات، ما يتيح فرصة أكبر للأبناء للعيش خارج جدران البيت، كما يمكنكم إلحاق الأطفال بدور حضانة قريبة منكم؛ إذ أن رياض الأطفال في المجتمعات المتقدمة تقدم خدمة تربوية راقية للأطفال سوف تساعدكم كثيرًا على معرفة طرق تربوية جديدة ومتقدمة وواعية تعينكم على تربية أبنائكم.
كما عليكم أن تحرصوا على ربطهم بالمجتمع الإسلامي من خلال الزيارات الدورية للمراكز الإسلامية وزيارة الأصدقاء المسلمون، حتى ولو كانوا في مكان بعيد عنكم؛ فإن الأمر يستحق المشقة لما في ذلك من الربط الديني والثقافي والقيمي بالمجتمع الأصلي لكم. إضافة إلى ضرورة التواصل العائلي مع الأقارب في المجتمع الأصلي، والتقنيات الحديثة اليوم توفر اتصالًا تفاعليًا يختصر المسافات، ويجعل التواصل سهلًا ورخيصًا وقريبًا، مما يجعل فرص التفاعل بين الناس أكبر وأعمق.
وعلى مستوى البيت، يجب أن يكون للأب دورٌ في اللعب والتربية، بحيث يشارك حسب وقته بعد العمل في تربية الأبناء ومشاركتهم بعض أنواع اللعب، مما يقلل العبء المُلقَى على الأم وحدها ويُثري عملية التربية وينفي عنها الملل.