لقد تبوأ المسجد في الإسلام مكانة عظيمة، حيث رفع الله قدره، وأعلى مكانته، وعظم شأنه، وأضافه إلى نفسه إضافة تشريف، قال تعالى: (وأن المساجد لله). وأمر أن يذكر فيه اسمه، فقال: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه)، وجعله أحب البقاع إليه سبحانه، كما في الحديث: "أحب البلاد إلى الله مساجدها". فهو قلعة الإيمان، وحِصن الفضيلة، وبيت الأتقياء، كما في الحديث: "المسجد بيت كل تقي".
وفي هذه الدراسة التي أعدّها د. سعد الدين محمد الكبي، يرصد أن المسجد هو المدرسة الأولى التي تخرج منها العلماء، والفقهاء، والقادة، ورواد الحضارة، وهو المؤسسة التربوية التي تربى فيها المسلمون الأوائل، فكانوا نادرة وقتهم، وآدب أهل عصرهم.. والمسجد ملاذ الخائفين، حيث ارتبط اسمه بالأمن ارتباطاً وثيقاً، فهو دار الأمان والطمأنينة، قال تعالى: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وآمنا) . وقال عن بيته: (ومن دخله كان آمنا).
اهتمام الإسلام بالأسرة
الإسلام عُني عناية كبيرة بالأسرة فهي اللبنة الأولى من لبنات المجتمع، وبصلاح الأسرة يصلح المجتمع، كما بأمنها يأمن المجتمع. ومن هنا، فإن المسجد والأسرة مؤسستان يرتبط بعضهما ببعض، فمؤسسة الأسرة تنمي رابطة الدم، لاسيما في مرحلتي الطفولة والتمييز، ومؤسسة المسجد تنمي رابطة العقيدة، لاسيما في مرحلتي التمييز والبلوغ، ولهذا أمر الإسلام ولي المميز أن يأمره بالصلاة ليعتاد الذهاب إلى المسجد، وأن يضربه على تركها إذا بلغ عشراً ليمتنع من التخلف عنه.
وكما عني الإسلام بالمسجد والأسرة، عني عناية كبيرة بالأمن، فالأمن هو الطريق إلى إقامة الصلاة، وأداء العبادات، ولولا الأمن لتعطلت الصلاة في المساجد، ولما تمكن الحجاج والعمار من السير إلى بيت الله الحرام.
آداب وأحكام المسجد وأثرهما في تعزيز الأمن الأسري:
-
المسجد محضن تربوي للأبناء يوفر لهم بيئة سليمة.
-
المسجد يعود أفراد الأسرة صحبة الصالحين ومجالسة العلماء.
-
المسجد غذاء روحي وزاد إيماني للأبناء.
-
المسجد يقوي عند الناشئة قوة الشخصية.
دور المسجد في بناء الشخصية الإصلاحية
إن للمسجد آداباً تسهم إسهاماً كبيراً في تعزيز الأمن الأسري، ومن هذه الآداب:
-
تنمية خلق الرفق: حيث أن الأسرة أحوج ما تكون إلى الرفق، فلا أمن ولا اطمئنان للأسرة بدون خلق الرفق، وفي الحديث: "إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق".
-
السكينة والوقار: وكما أن آداب المسجد تكسب الإنسان الرفق، فإنها تعود الإنسان السكينة، وتكسبه الهيبة والوقار، وفي الحديث: إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا".
-
التربية على المحبة و الوئام: ومن آداب المسجد ما له ظاهر في التربية على المحبة والوئام حيث إن من آداب المسجد، التسليم على الحاضرين عند الدخول إليه.
-
التربية على المنع من الأذى والإضرار بالآخرين: ومن آداب المسجد ما له أثر في التربية على المنع من الأذى والضرر بالآخرين، حيث إن من آداب المسجد منع من أكل بصلاً أو ثوماً أن يدخل المسجد لئلا يؤذي الآخرين برائحة الثوم والبصل، وفي الحديث: "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا، أو ليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته. وفي رواية: "فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم".
-
المسجد يربي الناشئ على احترام الممتلكات العامة والخاصة، والمحافظة عليها، وعدم التعدي فيها، حيث إن المسجد وقف عام للمسلمين، يحرم على المصلي أن يتلف شيئاً من أثاثه أو ممتلكاته وتوابعه.
التربية على جملة من الآداب
ويتربى الناشئ في المسجد على جملة من الآداب، منها:
-
الأدب مع الله تعالى، فإن الأدب مع الله تعالى يحتم على الإنسان أن ينزه لسانه أن يخوض في باطل، وينزه بصره أن ينظر إلى حرام، وينزه سمعه أن يسترق سراً أو أن يتكشف خبئاً.
-
الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم، باتباع سنته عند الدخول والخروج وقبل الجلوس وأثناء وجوده في المسجد.
-
الأدب مع النفس، بإصلاحها وتزكيتها، والبعد بها عما يغضب الله عز وجل، وعن كل ما نهى عنه، وإلزامها الصراط المستقيم.
-
التربية على خلق الحياء، وذلك من خلال مجالسة الكبار، والعلماء والمصلين وطلاب العلم، فإن من جالس الكبار يرى من نفسه لزوم الصمت معهم، والإصغاء إلى حديثهم، والتصرف بحضرتهم بحذر مع التزام الأدب والاحترام، وفي الحديث: "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه".
-
أن الناشئ يتعلم في المسجد الكلمة الطيبة، والبعد عن الكلام الفاحش والبذيء وفي الحديث: "الكلمة الطيبة صدقة". وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس المسلم بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء".
-
لآداب المسجد انعكاساً طيباً على حفظ الوالدين من أن يتعرض أحد لهما، فإذا حفظ الولد لسانه من التطاول على الآخرين، فسيحفظ أيضاً والديه عن أن يتطاول أحد عليهما، وفي الحديث: "إن من أكبر الكبائر من يلعن الرجل والديه" قالوا: وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه".
-
المسجد يربي الناشئة على الصدق في الحديث، حيث يسمع في المسجد كلام أصدق القائلين، يقول: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين". كما يتربى على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وعلى قوله صلى الله عليه وسلم: "الصدق طمأنينة والكذب ريبة".
-
وكما يتربى الناشئ في المسجد على الصدق في الأقوال، فإنه يشب فيه أيضاً على طلب الصدق في الأخبار، فلا يقبل إلا ما ثبتت صحته من الأحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يحدث إلا بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينشأ صادقاً في الأقوال الدنيوية، متحرياً الصدق في الأخبار الدينية، فمن حقق ذلك رجونا له أن يكون مع الصادقين.
-
المسجد يعود الناشئ على النظافة مع النفس والآخرين، في المكان والبدن والثياب، حيث أمر الإسلام بالوضوء لكل صلاة.
.