Business

محطات توقفت فيها مناسك الحج عبر تاريخ الأمة

يترقب جموع المسلمون أيام الحج بشغف كبير، واستعداد لشد الرحال إلى الأراضي المقدسة لتلبية نداء سيدنا إبراهيم – عليه السلام – الذي أمره الله به حينما قال: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج: 27)، حيث أصبحت شعيرة وشريعة لجمع الأمم من بعده حتى يرث الله– سبحانه– الأرض ومن عليها.

وما إن بعث الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم حتى أتم له الرسالة وجعل الحج أحد الأركان الخمسة التي يبنى عليها الإسلام، وأمر أمة محمد صلى الله وسلم بتعمير البيت في مناسك الحج فقال تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (البقرة: 196)، ومع ذلك لم يحج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة لسيطرة قريش على البيت الحرام طوال سنوات الدعوة، وهكذا جاء من سار على نهج قريش في منع شعيرة الحج في أوقات متفرقة من عمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

يقول علماء التاريخ الإسلامي: إن الحج توقف 40 مرة، بسبب أحداث وكوارث لازمت مواسمه مما تسببت في إيقافه منها‏:‏ انتشار الأمراض والأوبئة‏، والاضطرابات السياسية‏ وعدم الاستقرار الأمني، والغلاء الشديد والاضطراب الاقتصادي،‏ إلى جانب‏ فساد الطرق‏ من قبل اللصوص والقُطاع ومنها:

فتنة الشيعة على عرفة

حاول إسماعيل بن يوسف السفاك الهجوم على مكة أكثر من مرة غير أن الجيش العباسي هزمه، مما اضطره للسيطرة على جدة، في عام 865 م تحرك بقواته إلى مكة وحاول الجيش العباسي صده ودارات معركة على صعيد عرفة هزم فيها العباسيون، وهرب الحجاج بعد مقتل ما يزيد عن 1000 حاج، وأُبطل الحج في هذا العام.

القرامطة وسرقة الحجر الأسود

القرامطة هي إحدى غلاة فرق الشيعة نشأة في الأحساء بالسعودية حاليا على يد حمدان قرمط بعد اختلافهم مع فرق الشيعة الأخرى، وما إن كونوا دولة في البحرين حتى هجموا على الحرم وأمعنوا في الحجاج الذبح ومنعوا الحج – قيل - 22 عاما وقيل أقل أو أكثر من ذلك، حيث يذكر الذهبي في كتابه: وقف أبو طاهر القرمطى، منشدًا على باب الكعبة يوم الثامن من ذى الحجة سنة 317 هـ/ 908م، داعيًا سيوف أتباعه أن تحصد حجاج بيت الله قتلاً ونهبًا وسفكًا، في الوقت الذى كان يشرف هو بنفسه على هذه المجزرة المروِّعة وينادى أصحابه: «أجهزوا على الكفار وعبدة الأحجار، ودكوا أركان الكعبة، واقلعوا الحجر الأسود»، ويومها تعلق الحجاج بأستار الكعبة واستغاثوا بالله، فاختطفتهم سيوف هذا الطاغية من كل جانب، كما ردموا بئر زمزم، ثم قاموا بعد ذلك بقلع الحجر الأسود من مكانه وحملوه معهم إلى مدينة (هجر) بالبحرين، حيث كانت مركز دعوتهم وعاصمة دولتهم، وكان أبو طاهر قد بنى بها دارا سماها دار الهجرة.

وقد حاول الخليفة العباسي خلال السنوات استرجاعه بدفع المال للقرامطة إلا أنهم رفضوا حتى ضغط عليهم المهدي الفاطمي مما اضطرهم لإرجاعه عام 339هـ.

وباء الماشري وموت الحجيج

أورد أبو الفداء الحافظ ابن كثير في كتابه: بأنه عرض للناس «داء الماشري» عام 357هـ/ 968م فمات به خلق كثير، وفيها مات أكثر جمال الحجيج في الطريق من العطش، ولم يصل منهم إلى مكة إلا القليل، بل مات أكثر من وصل منهم بعد الحج، ورجح حينها بأنه الطاعون، خاصة وأن تأثيراته انعكست على الحجاج سريعا.

وفي عام 1814، مات نحو ثمانية آلاف شخص جراء تفشي الطاعون في بلاد الحجاز، ما أدى إلى توقف الحج في سنة الطاعون.

وفي عام 1246 هـ/ 1831م شهد تفشياً لوباء قادم من الهند، تسبب بمقتل ما لا يقل عن ثلاثة أرباع الحجاج المتوافدين آنذاك.

 

انقطاع الحج عن بلاد معينة

كما ذكرنا أن الخلافات السياسية كانت سببا في انقطاع الحج عن شعوب كثيرة، ففي عام 983 م قيل إنه لم يحج أحد من العراق بسبب الفتن والخلافات بين خلفاء بني العباس وخلفاء بني عبيد.

ويقول ابن الأثير في أحداث عام (417هـ): «في هذه السنة كان بالعراق برد شديد جمد فيه الماء في دجلة والأنهار الكبيرة، فأما السواقي فإنها جمدت كلها، وتأخر المطر وزيادة دجلة، فلم يزرع في السواد إلا القليل. وفيها بطل الحج من خراسان والعراق».

وفي سنة 1344 هـ / يونيو 1926م انقطع الحج تمامًا من مصر بسبب هجوم (جماعة الإخوان الوهابية) على الحجاج المصريين والمحمل المصري أثناء توجههم لأداء الحج حيث رشقوهم بالحجارة وأطلقوا عليهم بعض الأعيرة النارية وبعدها حدثت اشتباكات بين الطرفين مما اضطر أمير الحج المصري اللواء محمود عزمي باشا لإلغاء الحج للمصريين والعودة إلى مصر.

خوف وحروب تمنع الحج

كانت دولة القرامطة تشكل خطرا على الحجيج حيث لم يكتفوا بسرقة الحجر الأسود بل كانوا يغيرون على الحجيج بين الحين والآخر، مما دفع الناس لعدم الذهاب للحج خوفا من القتل.

ففي عام 312هـ -كما يقول ابن كثير: لم يحج في هذه السنة أحد من أهل العراق [وقال غيره: من الناس] لكثرة خوف الناس من القرامطة، وفي 314هـ رُدَّ حجاج خراسان خوفا من القرمطي، ولم يحج الركب العراقي في هذين العامين. وفيها نزح أهل مكة منها خوفا من قرب القرمطي حيث ظل الخوف يسيطر على هذه البلاد خوفا من القرامطة.

وفي أحداث سنة 563 هـ، لم يحج المصريون بسبب الحرب التي كانت تدور رحاها بين أسد الدين شيركوه والخليفة الفاطمي بمصر، وبعد ذلك لم يحج أحد من سائر الأقطار ما عدا الحجاز من سنة 654 إلى سنة 658 هجرية

وفى 1213 هـ/ 1799م توقفت رحلات الحج أثناء الحملة الفرنسية على المشرق العربي لعدم أمان الطريق.

وظل الحال كذلك سنوات طوال يحج بعض الشعوب ولا يحج آخرين بسبب عدم أمان الطريق، أو ما يصيبهم من محن وسرقات أثناء توجههم للكعبة.

أحداث كثيرة حالت دون إتمام الحج كاملا أو حرمان بعض الدول من أداء فريضة الحج في بعض الأعوام سواء لمخاطر الطريق، أو التهديدات التي كانت موجودة في أوقات ضعف الخلافة وانتشار قطاع الطرق، أو للخلافات السياسية التي كانت تحدث بين الحكام قديما وحديثا.

وباء كورونا وتوقف الحج

منذ أن بدأ الإعلان العالمي عن جائحة كورونا في أواخر عام 2019 وبداية 2020 وبدء العالم حملة إغلاق شامل لكل الأنشطة الجماعية سواء كانت اقتصادية أو دينية أو اجتماعية أو تعليمية، ووضعه القيود على السفر والتنقل وأماكن التجمعات ودور العبادة وعلى رأسها الحرمين المكي والمدني، إذ توقفت العمرة لفترة سواء من داخل المملكة ومن خارجها، ومع بداية وجود انحسار نسبى لتفشى المرض حول العالم، سمحت المملكة لمواطنيها والوافدين داخل المملكة من أداء الحج هذا العام في نطاق ضيق واحتفاظا بالمسافة الاجتماعية في التباعد بين الأفراد، بناء على ذلك حرمت كل الأقطار الإسلامية من نصيبها السنوي في عدد الحجيج، وخيمت مشاعر الحزن على العالم الإسلامي بسبب خفوت الشعيرة هذا العام بسبب الإغلاق الذي فرضته ظروف انتشار وباء كوفيد 19، وفتكه بالآلاف حول العالم، منذ ظهوره في العالم وحتى الساعة.

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم