Business

المراهقون.. والنضال من أجل الاستقلالية

ينتقل الأطفال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد، وهذا الانتقال يتضمن تغيرات فسيولوجية جسدية سريعة واضحة كتغير في صوته وحجم جسده وشعره.. وتغيرات نفسية واجتماعية وأخلاقية وفي جميع جوانب النمو.. والتي تنعكس بشكل مباشر على سلوكاته وعلاقاته مع من حوله، فمثلا تلاحظ أن المراهق يعيش صراعات نفسية وتقلبات مزاجية كثيرة، فأحيانا تراه سعيدا وأحيانا كئيبا، وأحيانا يتصرف كشخص اجتماعي، وأحيانا كشخص منعزل منطو على نفسه مكتئب لا يرغب برؤية أحد، بل يدخل في عالم أحلام اليقظة الخيالية، وأحيانا يسلك كالكبار في رأيه أو حواره، وأحيانا كالصغار.

الأمر الذي قد يثير عجب والديه، إذ هل يتعاملا معه كشخص كبير أم كطفل مازال ينمو؟! ولذا فإن الكثير من الباحثين والدراسين لنمو الإنسان، يرون أن في هذه المرحلة تزداد حدة الانفعالات لدى المراهق، فالبعض يصفها بمرحلة العاصفة والتوتر، لأنها تشبه العاصفة في وقتها وسرعتها وعواقبها وكثرة مشاكلها، فعلينا بالصبر والمداراة.. كما يزداد اهتمام المراهق بشكله ومظهره وصورته أمام الآخرين وما قد يقال عنه.. وهذه جميعها أمور طبيعية مرحلية.

وفي هذه الدراسة، ترى الباحثة د. آندي حجازي، أن المراهق يحتاج إلى الدعم النفسي من الوالدين والتفهم والتقبل وإظهار الحب له، وعدم تجريحه أو التقليل من شأنه أو تسفيه رأيه، فالكثير من مشاكله ناتجة عن عدم شعوره بالحب والأمان في ظل والديه، فيبدأ يعاند ويصارع ويتخبط.. فالأفضل دوما معه الحوار والمناقشة في أخطائه وسلوكاته وتوقعات الوالدين والآخرين منه، فالحوار معه باستخدام أسلوب الإقناع مع إظهار الود والحب له هو من أفضل السبل المثمرة والناجحة بدل الصراخ والنزاع وأسلوب إلقاء الأوامر والتسلط لأنه غير مجد معه.

 

النضال من أجل الاستقلالية!

المراهق يسعى جاهدا نحو الاستقلال عن الآخرين، والبحث عن كيان خاص به يثبت به ذاته وقدراته، وهذا من حقه ومن متطلبات نموه، فهو أمر طبيعي، وعكس ذلك هو غير الطبيعي، حيث يبدأ في هذه المرحلة الانتقال من مرحلة الطفولة والاعتماد الكبير على الوالدين والآخرين إلى مرحلة الاعتماد على النفس والبحث عن الاستقلالية وإثبات الذات، ولكن يروق له التصرف أحيانا كالصغار خاصة في حالات التعب، وأحيانا يقاوم من أجل التصرف كالكبار ونيل إعجباهم به!

وقضية تحقيق الاستقلالية التي يسعي إليها المراهق ويصارع لأجلها، لا تعني أنه سوف يغادر البيت ويذهب، كما هو الحال عند الغرب، فمازلنا – والحمد لله – نحتفظ بكيان الأسرة العربية المسلمة، بل إن الاستقلالية التي يبحث عنها أبناؤها المراهقون تكمن في الحرية في اتخاذ القرارات اليومية التي تواجه المراهق داخل أسرته وجماعة رفاقه ومدرسته وعلاقاته مع الآخرين، كالاستقلالية في الأمور التي تتعلق بدراسته وانتقاء ملابسه وحاجياته واختيار أصدقائه، وكيفية قضاء وقته، ونقوده.. ولم لا نسمح له بذلك ما دامت ضمن الحدود المقبولة؟

والاستقلالية أيضاً التي يتمناها المراهق تشمل الوصول للنظرة الإيجابية من قبل الوالدين وتقديرهم له واعتمادهم عليه في بعض أمور الأسرة وتوكيله ببعض المهام بشكل مستمر، وتشمل الحرية في التعبير عن رأيه.. ولذلك تراه يناضل من أجل الحصول على استقلاليته الشخصية والانفصال عن السلطوية العليا في البيت والمدرسة، لأنه أصبح مقتنعا تماما بأنه شخص كبير، وهذا مؤشر إيجابي على نموه بشكل طبيعي وليس العكس!

ومن هنا – ولأجل الاستقلالية – يشرع المراهق بالتمرد، وتبدأ تصرفاته تتغير، فتنشأ النزاعات والخلافات بينه وبين أفراد أسرته، إذ ما يزال الوالدان ينظران إليه على أنه طفلهم الصغير – وإن كبر قليلا – وأنه بحاجة إلى رعايتهم ودعمهم وتوجيههم، وهو بالمقابل ينظر إلى نفسه بأنه ذاك الشخص الكبير القادر على اتخاذ قراراته بنفسه، فهو لن يسمح لأحد بعد اليوم باختيار ملابسه مثلا أو أدواته الشخصية أو ما يفضل سماعه أو مشاهدته على التلفاز أو على جهازه الجوال أو من يزور ومن لا .. الخ، ويرى نفسه قادرا على التواصل العاطفي وانتقاء الشخص الذي يريد مبادلة مشاعره معه وبالطريقة التي يريد.

 

مصادر استقلاليته

تبرز مشكلة مرحلة المراهقة أكثر حينما يحاول المرهق الاستقلال عن والديه وادعاء القدرة على التحكم بأفكاره وآرائه الشخصية وقراراته، بينما تجده بالحقيقة يعتمد على رفاقه في اتخاذ قراراته، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، فتراه يقلد رفاقه في تصرفاتهم وفي طريقة لبسهم، وقصات شعرهم، وفي اهتماماتهم، وفيما يستمتعون من أغان، وفيما يعجبون به من شخصيات.. ويقلدهم حتى في طريقة مشيه، وتعامله مع إخوته في البيت، وفق ما يسمع من رفاقه وأقرانه!

وهنا تبدأ بوادر المشكلة بالظهور وتزداد شيئا فشيئا مع النمو، فهي تبدأ قليلة في بداية مرحلة المراهقة، وتتفاقم أكثر كلما ازداد المراهق دخولا في مرحلة المراهقة المتوسطة (تقريبا بعمر 15 – 16 عاما) فتزداد مناحراته ونزاعاته مع أفراد أسرته وعلو صوته في البيت، ولكن هذه الظاهرة تعود لتستقر أو تقل في مرحلة المراهقة المتأخرة بفضل الله، ومن هنا فعلى الوالدين تخفيف وطأة النزاعات معه والضغوطات على العوامل التي تثير أعصابه، فلابد من التفهم والتقبل له، وإعطائه فرصة الاختيار والانتقاد والحرية في التصرف والتعبير عن رأيه، مع المراقبة له والتوجيه والتصحيح لأخطائه، ولكن بالتي هي أحسن، قال تعالى: {فبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر} (آل عمران: 159). وإن كانت هذه الآية نزلت في معاملة رسول الله عليه الصلاة والسلام لصاحبته بالرحمة في موقف يستلزم التعنيف بعدما عصوه في غزوة أحد، فكيف بمعاملة الأبناء؟

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم