Business

أيتام في دائرة الصراع الأسريّ

خلق الله سبحانه الذكر والأنثى وجعل بينهما مودة ورحمة، وشرع الله -تعالى- الزواج للعديد من الفوائد والمنافع التي يتحقّق به النفع لهذه البشرية، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم21]؛ وذلك لتكوين الأسرة التي تعد نواة المجتمع.

 فبالزواج تتحقق العديد من الأمور الهامة، منها: تنظيم أمور الحياة، وتحقيق العفة، والحصول على الاستقرار والراحة والأمن، وتحقيق الطهارة والعفة، وتربية أجيالٍ على الخير والصلاح، وفي ذلك الوصول إلى عزّة الإسلام وسموه، والرقي بالمجتمع والأسرة.

وتعتبر الأسرة اللبنة الأساسية في بناء المجتمع فهي كالخلية الحية، وهي أول وعاء تربوي وثقافي يحتضن الأبناء، والأسرة هي بيئة الطفل الأولى، وهي حجر أساس المجتمع.

ولكل فرد من أفراد الأسرة دور وواجب مهم اتجاه الأسرة، ومنها: توفير الرعاية للأبناء وتربيتهم التربية إسلامية سليمة، باعتبار الأسرة هي المسؤولة عن تنشئة الأطفال تنشئة سليمة متزنة.

وتوجيه الأبناء وتعليمهم التعاليم الإسلامية، كالصلاة في وقتها والانتظام بها، وغرس قيم الشَّجاعة، والقناعة، والرِّضا بما قَسمه الله، وتوفير الحقوق الماديّة للأبناء، وطاعة الأهل والسماع لهم؛ لأنّهم الأدرى بمصلحة الأبناء، ويكون ذلك بتبادل الآراء في الأمور التي يختلف عليها الآباء مع أبنائهم، وبهذه الأمور مجتمعة يسود في البيت جو من الراحة والحب والمودة.

لكن إذا حدث خلل في هذه المنظومة بأن غلب أحد الأطراف مصلحته على مصالح باقي الأسرة، أو تعنت في الرأي، أو فشل في التعايش في هذا الجو، تحول الحال إلى بيت يسوده الاضطراب والكراهية والشحناء –غير أن الاستمرار في هذا الجو يصل بالبيت إلى الانهيار، وإن أبغض الحلال عند الله الطلاق، إلا أن البعض –ولسوء تربيته– يترك الزوجة كالمعلقة، ويترك أطفاله في حكم الأيتام من حيث فقد الرعاية والكفالة الأبوية.

وقضية (الزوجة المعلقة) تجعلنا نشعر بأننا قد عدنا إلى العصر الجاهلي؛ العصر الذي كانت فيه المرأة لا كرامة لها، ويتركها الزوج معلقة بالشهور بل بالسنين، ويترك معها أطفالها دون رعاية أو تربية أو حنان أو عاطفة، فينشأ الطفل –إلا ما رحم ربي– على التشرد وسوء الأخلاق وعدم الانضباط.

وهؤلاء الأطفال يعانون الإهمال من الجميع؛ فقد يرفضهم أهل الأم أو أهل الأب فتتجمع عليهم معاني الشقاء ونوائب الدهر، فلا ينتفع المجتمع بهم لسوء أخلاقهم وتصرفاتهم.

بل ربما يصل الحال بهم إلى إهمال أمهم لهم نكاية في الأب والانتقام منه في شخص أبنائه، أو طردهم من البيت وإجبارهم البحث عن والدهم، وهى معاني شديدة القسوة على أطفال صغار أصبحوا أيتامًا رغم وجود الآباء.

إن مسألة الأبناء الذين يعيشون مع أم تركها زوجها لا هو أنفق عليهم، ولا هو طلقها، من أكثر المعادلات الصعبة في مجتمعاتنا العربية التي تتسبب في شقاء الأسرة مجتمعة.

ويقول الدكتور فهد المنصور: «إن الزوجة المعلقة في مجتمعنا تعاني بين رفض حقوقها كزوجة وبين كرامتها كمطلقة؛ فوجدت نفسها تعيش على هامش الحياة في وضع يائس من الداخل وتجاهل كامل من قبل المجتمع وليست لها حقوق تضمن لها كرامة العيش كالضمان الاجتماعي أو الجمعيات الخيرية أو النفقة من الزوج كالمرأة المطلقة.

وأضاف أن المرأة المعلقة تتأثر نفسيا جراء هذه الظروف؛ فهي في نظر نفسها مظلومة وفي نظر المجتمع زوجة فاشلة، فتدخل في حالات من الكآبة وجلد الذات ناقمة على حالها وعلى المجتمع الذي لم يساعدها فتقف عاجزة لا تستطيع أن تفعل شيئا، فربما تقع فريسة للإدمان أو الانحراف الأخلاقي لإشباع رغبتها الفطرية أو انتقاما من الزوج الظالم.

وأكد أن لهذا الوضع سيكون التأثير الكبير عليها من شعورها بالقلق من المستقبل المظلم وانعكاس ذلك على علاقاتها بالآخرين ومن ضمنهم أولادها، والذين ربما يدخلون في هذه الصراعات باستخدامهم كوسيلة للضغط من أحد الطرفين فينتج أطفال يعانون من عدم الاستقرار النفسي واهتزاز الثقة بالنفس، وأحيانا يضيع الأبناء بفعل ضعف المتابعة ويختلطون بأصحاب السوء؛ مما يعرضهم لإشكالات عدة كالإدمان والانحرافات الأخلاقية.

 

.

اقراءة المزيد من مواضيع

متعلقة بالقسم