الحج عرفة.. هكذا يعلم جميع الحجيج إلى بيت الله الحرام ويدركون قول رسول الله صلي الله عليه وسلم، فالوقوف بجبل عرفات في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، هو ركن الحج الأكبر.
ويبدأ وقت الوقوف بعرفة من طلوع فجر اليوم التاسع عند الحنابلة، ومن زوال شمس يوم التاسع قبيل الظهر عند الأئمة الثلاثة، ويستمر وقت الوقوف إلى طلوع فجر يوم النحر؛ يوم العاشر من ذي الحجة.
ولقد خص الله عرفات بالوقوف لحكمة ربانية تتجلى في الاستسلام التام للعباد لأوامر الله سبحانه مثلها مثل تعيين رمضان بالصيام، وكتحديد خمس صلوات في اليوم والليلة، وهذه الأمور أخفاها الله عنا ابتلاءً ليتحقق من العبد الاستسلام لله بالطاعة، وأن حال العبد أمام أمر الله وشرعه قائم على قدم الخضوع والاستسلام، سواء علم الحكمة من أمره، أم لم يعلمها مع التيقن أن لها حكماً لم نعلمها، ولم ندركها بعقولنا.
وفي يوم عرفة يخرج حجاج بيت الله الحرام مع شروق يوم عرفة إلى نمِرة، فيبقى بها إلى صلاة الظهر، فيصليها هي والعصر جمع تقديم، ثم يخرج إلى جبل الرحمة بعرفة، أو أي مكان بها، فيقف بها حتى غروب الشمس، ثم يتحرك من عرفة بعد الغروب حتى يصل إلى المزدلفة، فيصلي بالمزدلفة المغرب والعشاء جمع تأخير، ثم يبيت بالمزدلفة حتى يصلي الفجر بها، صباح يوم النحر (يوم العاشر من ذي الحجة).
حيث تتجلى معاني الاستسلام إلى الله الواحد الغفار، حيث سجلت كثير من كتب السير كيف كان حال السلف مع الله فوق جبل عرفة، وهي التربية التي يجب على كل مسلم وقف بعرفات أو لم يقف أن يتحلى بها في هذا اليوم وفي بقية حياته.
وصدق الشاعر الذي صور حال العباد فوق عرفة بقوله:
رفعوا الأكُفَّ وأرسلوا الدعواتِ وتجـرَّدوا للـه في عـرفـاتِ
شعثًا.. تُجِلِّلُهُم سحائبُ رحمةٍ غُبْرًا.. يفيضُ النور في القَسَماتِ
وكأنَّ أجنحةَ الملائكِ عـانقت أرواحَهُـم بالـبِرِّ والطاعـاتِ
فتنـزَّلت بين الضلوع سكينةٌ علويَّةٌ.. موصـولةُ النفحـاتِ
وتصاعـدتْ أنفاسُهُم مشبوبةً وَجْدًا.. يسيل بواكِفِ العَبَـراتِ
هذي ضيوفُـك يا إلهي تبتغي عفوًا وتـرجـو سـابغَ البركـاتِ
ولذا فيوم عرفة من أفضل الأوقات للدعاء وأرجاها للإجابة؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (رواه الترمذي).
.
فضل يوم عرفة وما ينبغي فيه
- صيامه يكفر سنتين: فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: (يكفر السنة الماضية والسنة القابلة) "رواه مسلم".
- يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف: ففي صحيح مسلم عن عائشة _رضي الله عنها_ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدأ من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة .
- اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم: فعن ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بِنَعْمان- يعني عرفة- وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّر، ثم كلمهم قِبَلا، قال: (ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) "الأعراف: 172، 173" "رواه أحمد وصححه الألباني".
ولذا ينبغي على الحاج أن يحافظ على الأسباب التي يرجى بها العتق والمغفرة:
- حفظ جوارحه عن المحرمات في ذلك اليوم، قال صلى الله عليه وسلم للفضل بن عباس: [إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له) "رواه أحمد].
- الإكثار من التهليل والتسبيح والتكبير، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غداة عرفة، فمنّا المكبر ومنا المهلل… ) "رواه مسلم".
- الإكثار من الدعاء بالمعفرة والعتق في هذا اليوم، فإنه يرجى إجابة الدعاء فيه: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) "رواه الترمذي وحسنه الألباني".
.