- محتوى حصري للمنتدى الإسلامي العالمي للتربية - أبو العربي مصطفى
إن تناول حياة الرجال العظماء الذين أرسوا قواعد دعوة الإسلام المعاصرة، ليست مادة تطرح من أجل الاطلاع أو التسلية، بل إن مراجعة تلك الحيوات والأحداث والتصرفات هي مادة للتأمل، والتعلم والاعتزاز بوجود مثل هؤلاء الرعيل الأول، الذين آلوا على أنفسهم إلا أن يحملوا أمانة الدعوة إلى الله في وقت ترزح فيه البلاد تحت نيران الاستعمار.
من يكون؟
أحمد حسنين، اسم قد لا يعرفه كثير من شباب الحركة الإسلامية لأنه كان يلازم الصمت مُؤثرًا التربية بالعمل والقدوة الحسنة، حيث لم يعرفه أحد إلا وبكاه يوم وفاته لما ترك فيه من بصمات تربوية ومواقف تربوية.
أحمد محمد أبو حسانين هذا اسمه الحقيقي، واشتهر بأحمد حسانين، وُلد في 22 ديسمبر 1919م بقليوب البلد التابعة لمحافظة القليوبية، وُلد لأب بسيط يعمل في مجال الزراعة، فلم يكن غير الفلاحة والنسيج هي عماد البلدة، وتربَّى وسط أسرته الصغيرة، ورضع معنى تحمُّل المسئولية منذ الصغر، وعُرِفَ وسط البلدة بحركته وهمته، فقد عُرِفَ عنه أنه من القليلين الذين أجادوا التعرف على أهل بلدته الواسعة في ذلك الوقت، التحق بالمدرسة الإلزامية ثم الابتدائية ثم المدرسة الصناعية والتي تخرَّج منها سنة 1938م، بعدها التحق بالعمل في سلاح المهمات بالقلعة؛ مما اضطره لأن يترك بلدته ليقطن في القاهرة قرب عمله؛ وكان ذلك في أكتوبر 1939م.
وفي وسط التيه الحزبي والصراع المذهبي تعرف على الإخوان بعدما دعاه أحد زملائه في سلاح المهمات للمركز العام، والتحق بركب الجماعة أوائل عام 1940م ومن يومها نذر نفسه وحياته لله ودعوة الله.
بين تربويات النظام الخاص
كانت الصفات التي تربى عليها أحمد حسنين مؤهلة له أن يكون فرد للمهام الخاصة في النظام الخاص الذي أنشأه الإخوان للتصدي للإنجليز واليهود، بل أصبح أحد خمسة مسئولين عن النظام فكان مسئول الأقاليم فيه، وكان مع الأستاذ مصطفى مشهود صمام الأمان في القيادة لهذا الجهاز.
وقع عليه العبء في تجميع الأسلحة للمجاهدين في فلسطين عام 1948م، كما كان صاحب المهام الخاصة في حرب القنال عام 1951م.
بين جدران المحن
ما كان لصاحب هذه التربية أن يعيش دون أن يبتليه الله أو يختبر قلبه، فقد كان نزيل الزنازين، ففي نوفمبر 1947 وقعت السيارة الجيب ووقع معها قادة النظام الخاص، وكان أحمد حسنين واحدًا منهم حيث ظل في السجن حتى عام 1951م، ولم تمر الأيام حتى اعتقل مرة أخرى عام 1954م وعُذب عذابًا شديدًا لمعرفة عبدالناصر به وبدوره في النظام الخاص، حيث حكم عليه بالإعدام قبل تخفيف الحكم للمؤبد قضاها كلها حيث كان أحد القليلين الذين خرجوا في آخر دفعة خرجت من السجن عام 1974م.
قال عنه الحاج علي رزة، أحد إخوان الإسماعيلية: «عندما حدث هذا الانقسام في سجن الواحات، وانتقل المؤيدون إلى خيمٍ أخرى، وبدأ القليل الذين رفضوا مبدأ التأييد وقالوا إن هذه كلمة حق أُريد بها باطل، وكان منهم الأستاذ عمر التلمساني، وحامد أبو النصر، ومصطفى مشهور، وأحمد حسانين، ونصر جاد، وعثمان صديق، ومهدي عاكف، وآل شريت، ومجموعة أخرى كان عددهم لا يزيد عن سبعين فردًا، وتحملوا ما لم يتحمله بشر، وقضوا مدةَ السجن كاملةً، وأراد الله أن يتمسَّك هؤلاء الرجال بمواقفهم ولا يتمسكوا برأي الخصوم».
لم تمر فترة السادات إلا وكان أحمد حسنين في السجون لمدة عام قبل أن يحل فترة شهرين في عهد مبارك.
فارس التربية
ما إن خرج حتى حمل عبء العمل التربوي وزيارة الأقاليم معلمًا ومربيًا للأجيال التي التحقت بالدعوة، وأصبح مديرًا لمجلة الدعوة، وتقلد رئاسة مجلس إدارة دار التوزيع والنشر الإسلامية.
كان أحمد حسنين كثير الصمت، وآثر التربية العملية والتأثير بالقدوة في الناس والزهد والتواضع حتى حظى بقلوب الجميع، حتى وصفه الدكتور محمود عزت بقوله: «كان مربيًّا وقائدًا لا يخشى في الله لومة لائم، ودودًا إلى إخوانه، واسع الصدر لهم، مضيفًا أن الإخوان قد عرفوا في الفقيد شجاعته وتواضعه وصدقه».
وقال فيه الدكتور عصام العريان: كان أحمد حسانين- رحمه الله- كثير الصمت، طويل الفكر، قليل الكلام، وكان كلامه فصلاً، يحسم القضايا الشائكة، وكان صمتُه أبلغ من حديث المتحدثين.
عرفه الإخوان بنشاطه الدؤوب، وعمله المتواصل لخدمة الإخوان، وتحمُّله المصاعب والمشاقّ في طريق الدعوة، ولم يكن من أهل الخطابة أو الحديث، ولكنَّ أثرَه القويَّ فيمن عاشره وعاصره وتتلمذ على يديه كان أقوى من عشرات الخطب والأحاديث والكلمات، و«كلٌّ مُيسَّرٌ لِمَا خُلِق له»، وهذا من عظمة هذا الدين وتلك الدعوة المباركة.
ورحل الفارس
وُلد الراحل أحمد حسنين يوم 22 ديسمبر 1919م وكان رحيلة أيضًا في نفس يوم مولده، حيث توفى 22 ديسمبر 2007م الموافق الشهر الأخير أيضًا في الشهور العربية 12 ذو الحجة 1428هـ، بعد مرض ظل 4 سنوات حزنًا على وفاة توأم روحه الأستاذ مصطفى مشهور، فكان فضلا من الله أن يجعل بداية حياته ونهايته في نفس اليوم وبينهما الكثير من السطور التربوية البارزة.
.